على الرغم من أن الأسبوع الماضي شهد لقاءين بين المسؤولين الأميركيين والقيادة الفلسطينية، يضافان إلى سلسلة اتصالات ولقاءات بدأت منذ بداية العام الحالي، إلا أن العلاقة بين الطرفين بقيت في المربعين الاقتصادي المشروط والأمني الوظيفي، ولم تتطور إلى علاقة سياسية أو حتى دبلوماسية على أي مستوى.
ويرى مسؤولون ومحللون سياسيون أن علاقة السلطة الفلسطينية مع الولايات المتحدة لن تغادر هذين المربعين طيلة فترة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وأن هذه اللقاءات تجري على أرضية الموقف الأميركي الذي يضع منظمة التحرير الفلسطينية على قائمة الإرهاب ويغلق مكتبها في واشنطن.
ويرى هؤلاء أن جميع لقاءات القيادات الفلسطينية بالمسؤولين في الإدارة الأميركية حتى الآن، لا يمكن أن توصف بأنها لقاءات دبلوماسية، في ظل عدم فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة حتى الآن، والتي أغلقت في مارس/آذار 2019 عقب قيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، بعد إعلان المدينة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول 2017.
تبقى العلاقة بين الطرفين في المربعين الاقتصادي المشروط والأمني الوظيفي
والأمر الآخر عدم قيام إدارة بايدن بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، الذي أعلنت السلطات الأميركية إغلاقه في سبتمبر/أيلول 2018، لتوصف هذه اللقاءات باللقاءات الثنائية لتعزيز العلاقات العامة بين الطرفين. لكن قياديين ومحللين سياسيين يؤكدون أن خطورة هذه اللقاءات تأتي في إطار تعزيز فكرة "تقليص الصراع" التي يتبناها رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت.
إدارة جو بايدن لم تفِ بوعودها للفلسطينيين
ويصف الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، في حديث لـ"العربي الجديد"، هذه اللقاءات بأنها "أقل مما يجب، ومتأخرة وعلى مستوى تمثيلي منخفض من الجانب الأميركي، ولا تعني شيئاً كثيراً بعد مضي عام على إدارة بايدن، إذ لم تفِ هذه الإدارة بوعودها للفلسطينيين من فتح للقنصلية أو مكتب منظمة التحرير".
وتبدو المعلومات الرسمية الفلسطينية ضبابية حول العلاقة مع السفارة الأميركية في القدس المحتلة، ويرفض المسؤولون الفلسطينيون التصريح بأي معلومات واضحة، تحديداً حول العلاقة مع وحدة الشؤون الفلسطينية في السفارة الأميركية، والتي تقوم بمهام القنصلية الأميركية في القدس الشرقية قبل إغلاقها عام 2019.
يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه أكثر من دبلوماسي فلسطيني لـ"العربي الجديد"، أن هناك تعليمات من مقر الرئاسة الفلسطينية، أي "المقاطعة"، بعدم تواصل أي مسؤول فلسطيني مع هذه الوحدة وعدم التعاطي معها، لأن العلاقة معها تعني القبول بالعلاقة مع السفارة الأميركية في القدس التي ترفضها السلطة الفلسطينية لأسباب "سياسية وقانونية"، أي القبول بالأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل.
ويقوم الدبلوماسيون والمسؤولون الفلسطينيون بالحصول على تأشيرة الدخول للولايات المتحدة "الفيزا" من السفارة الأميركية في عمّان.
وعلى الرغم مما سبق، إلا أن رئيس هذه الوحدة جورج نول، يتواجد في جميع اللقاءات والاجتماعات التي تجمع بين المسؤولين الأميركيين والفلسطينيين.
دعم الاقتصاد الفلسطيني أولاً
وفي إجابة حول إن كانت هناك لقاءات على الصعيد السياسي بين السلطة والمسؤولين في الإدارة الأميركية، يقول مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "إن وحدة الشؤون الفلسطينية في القدس تجتمع بشكل منتظم مع جميع مستويات السلطة الفلسطينية، وتتطلع إلى مواصلة بناء مشاركتنا مع القيادة الفلسطينية".
وحول إمكانية إعادة فتح مكتب ممثلية منظمة التحرير في واشنطن، يجيب المسؤول الأميركي أن "قضية المكتب الفلسطيني في واشنطن معقّدة، ونحن عازمون على النظر عن كثب في هذه المسألة". أما إن كان هناك موعد واضح لفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، فيجيب: "ليس لدينا شيء جديد لمشاركته في هذا الوقت".
من جهته، يؤكد مسؤول فلسطيني أن مسألة إعادة فتح مكتب ممثلية منظمة التحرير في واشنطن لم تكن على أجندة اللقاء بين مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند والرئيس محمود عباس، يوم الإثنين في 13 ديسمبر/كانون الأول الحالي، على الرغم من أهميته.
مسؤول في الخارجية الأميركية: قضية المكتب الفلسطيني في واشنطن معقّدة
ويضيف المسؤول الفلسطيني أن اللقاء تناول أهمية اللقاءات الثنائية بين الطرفين، واستعرضت فيه نولاند قائمة المساعدات التي سوف تقدّم للقطاع الخاص الفلسطيني لمساعدته على النهوض في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعانيها السلطة الفلسطينية، إثر شح أموال المانحين الدوليين والعرب من جهة، والركود الاقتصادي بسبب انتشار فيروس كورونا من جهة أخرى.
وتتركز لقاءات المسؤولين الأميركيين، من وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومسؤول الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية في الخارجية الأميركية هادي عمرو، ونولاند، مع القيادة الفلسطينية، على الحديث عن الدعم لقطاع الاقتصاد والأمن، من دون أي طرح سياسي، ما يعزز أن هذه العلاقات تكمل النظرة الإسرائيلية حول "تقليص الصراع مع الفلسطينيين"، وليس إنهاء الاحتلال.
وفي هذا الشأن، يقول مصطفى البرغوثي: "إن الإدارة الأميركية تدور في نفس فلك السياسة الإسرائيلية التي تتحدث عن تقليص الصراع مع الفلسطينيين عبر التسهيلات الاقتصادية وليس إنهاء الاحتلال، ولا توجد أجواء مناسبة لحل سياسي، وتسعى لحصر العلاقة مع الفلسطينيين بالتسهيلات الاقتصادية".
"تقليص الصراع" بحسب مفهوم إسرائيل
وكان بايدن قد صرح في سبتمبر/ أيلول الماضي، في كلمته أمام الأمم المتحدة، إن "الولايات المتحدة ملتزمة بحل الدولتين، لكن نحن بعيدون جداً عن تحقيق هذا الهدف في هذه اللحظة، ويجب ألا نسمح لأنفسنا أبداً بالتخلي عن إمكانية إحراز تقدّم".
ويقول الخبير في العلاقات الأميركية الفلسطينية، سام بحور، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه اللقاءات هي البديل عن أي مسار سياسي"، مضيفاً أن "كل المسؤولين الفلسطينيين الذين يشاركون في هذه الحوارات عن الشعب الفلسطيني، هم غير منتخبين، وأكدوا خلال العقدين الماضيين أن برنامجهم السياسي فاشل". وتساءل: "إذا ما هي المصداقية التي لديهم لفتح هذه الحوارات وتمثيل الشعب؟".
العراقيل الإسرائيلية تضاعفت في السنوات الخمس الماضية، وجميعها لا توجد لها حلول اقتصادية بل سياسية
ويؤكد بحور أن "المشكلة هي أن هذه اللقاءات تأتي تلبية لما تريده إسرائيل من لقاءات حول بعض القضايا الاقتصادية بهدف تقليص الصراع بحسب المفهوم الإسرائيلي، والابتعاد عن المواضيع السياسية".
ويعود مفهوم "تقليص الصراع" للباحث الإسرائيلي ميخا غودمان عام 2019، وتبنى رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية نفتالي بينت المفهوم في حديث إعلامي له في يونيو/حزيران الماضي.
وقدّم المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، ورقة بحثية الشهر الماضي، أوضح فيها هذا المصطلح، وأنه لا يشمل حل الدولتين، ولا انسحاباً إسرائيلياً من أراضي 1967، بمعنى أنه لا يأتي لإنهاء الصراع، بل يسعى لضمان أمن إسرائيل، عبر الانتقال من "إدارة الصراع إلى إدارة الاحتلال".
وخلص الباحثون في "مدار" إلى أن "تقليص الصراع" يأتي أيضاً من داخل منظومة "إدارة الصراع"، لكنه يختلف عن مفهوم السلام الاقتصادي. فـ"تقليص الصراع" لا يسعى إلى خلق علاقات اقتصادية وطيدة قد تساهم في وصول الفلسطينيين إلى تنازلات حقيقية أثناء نقاش ملفات الوضع النهائي، بل إنه يستند إلى اعتقاد بأن حل الدولتين غير قابل للتطبيق عملياً.
أما التسهيلات الاقتصادية، فهدفها ليس خلق مصالح متبادلة بين المتصارعين، وإنما الحد من "تذمر" الفلسطينيين من استمرار الاحتلال.
ومن الممكن فهم الاجتماع الاقتصادي الأميركي الفلسطيني عبر الإنترنت في 14 ديسمبر/كانون الأول الحالي، وفق هذا المصطلح؛ أي "تقليص الصراع"، وما سبقه من تسهيلات معيشية واقتصادية قام بها مسؤول الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية في وزارة الخارجية الأميركية هادي عمرو والحكومة الإٍسرائيلية، مثل طلبات لمّ الشمل الفلسطينية.
واللقاء الاقتصادي هو أول اجتماع يُعقد من نوعه منذ خمس سنوات، وضم مجموعةً واسعة من الوكالات والوزارات من الحكومة الأميركية والسلطة الفلسطينية، لمناقشة مجالات التعاون الاقتصادي الحالية والمستقبلية.
وبحسب أحد المشاركين في الاجتماع، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، فإن الفلسطينيين قاموا بطرح المعيقات التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي أمام الاقتصاد الفلسطيني، مثل البناء في المناطق المصنفة "ج"، بحسب اتفاق أوسلو، والصعوبات التي تواجه المناطق الصناعية التي يحول الاحتلال من دون عملها وتوسعها، فضلاً عن قطاع الطاقة والنقد والبيئة، واتفاق باريس الاقتصادي.
ويضيف المصدر: "طلبنا من الأميركيين أن يضغطوا على الحكومة الإسرائيلية لوقف الاقتطاعات من عائدات الضرائب الفلسطينية". ويوضح أن "جميع هذه المعيقات كنا قد طرحناها أمام المسؤولين الأميركيين في اجتماع عام 2016، والفرق أنها تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية، وجميعها لا توجد لها حلول اقتصادية بل سياسية".
ويقول المشارك: "كالعادة استمع الأميركيون لشكوانا ومطالبنا في جميع القطاعات، لكنهم لا يملكون أي حلول، لأنهم يعرفون أن الحل يجب أن يكون سياسياً؛ أي أن الحلول جميعها بيد حكومة الاحتلال الإسرائيلي".
وبحسب المصدر، فقد كان ردهم الوحيد أنهم خصصوا 250 مليون دولار للقطاع الخاص الفلسطيني على مدار خمس سنوات، فضلاً عن مشروع آخر بعنوان "سمارت" لدعم القطاع الخاص الذي تضرر من انتشار فيروس كورونا.
ويختم قائلاً: "من المتوقع أن يكون هناك اجتماع آخر مع نهاية العام المقبل، لذات المشاركين"، واصفاً الاجتماع بأنه "اجتماع علاقات عامة شكلي"، لم يرقَ "إلى اتفاق اقتصادي أو تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة على الأقل".
ويعلّق المسؤول في الخارجية الأميركية، على اللقاء، في حديث لـ"العربي الجديد"، بالقول "إن الحوار الاقتصادي بين الولايات المتحدة والفلسطينيين في 14 ديسمبر الحالي، هو مجرد مثال واحد على إعادة انخراطنا والتزامنا بتوسيع وتعميق التنسيق عبر مجموعة من القطاعات التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2021".
ويتابع: "تواصل وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية العمل مع الكونغرس لتقديم الدعم للشعب الفلسطيني، وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الإدارة أن هذه مساعدات يتم تقديمها بالتعاون مع الكونغرس ووفقاً لجميع القوانين ذات الصلة، كما أعلنت الولايات المتحدة في الربيع الماضي، أننا نقدم 450 مليون دولار من المساعدات للشعب الفلسطيني من خلال قنوات مختلفة بما في ذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) والمؤسسات الطبية".
وعلى الرغم من التزام الإدارة الأميركية بعدم ذهاب أي أموال إلى خزينة السلطة الفلسطينية مباشرة، امتثالاً لقانون مكافحة الإرهاب الذي أقره الكونغرس الأميركي باسم "تايلور فورس"، إلا أن 40 مليون دولار من المبلغ الإجمالي أعلاه قد ذهب إلى قطاع الأمن الفلسطيني، بحسب تصريحات سابقة لوزارة الخارجية الأميركية قبل أيام.
ويشدد المسؤول في الخارجية الأميركية في إجاباته لـ"العربي الجديد"، على أنه "يتم تقديم جميع المساعدات الأميركية في ظل الامتثال الصارم لقوانين الولايات المتحدة، بما في ذلك قانون تايلور فورس".