عاش رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، بعد ظهر الثلاثاء، لحظات صعبة ومحرجة في مواجهة أسئلة كبار النواب في لجنة الاتصال حول "إنجازاته" خلال الأشهر التسعة الماضية وحول الوعود التي أطلقها مع قدومه إلى "داونينغ ستريت"، والتي لم يتمكّن من الوفاء بمعظمها حتى هذه اللحظة.
وبطبيعة الحال، كانت ملفات غلاء المعيشة وانهيار الخدمات العامة والضغوط الهائلة التي يعيشها ملايين الناخبين هي محور أساسي في جلسة التدقيق، إضافة إلى ملف الهجرة الذي رفعه سوناك إلى رأس أولوياته منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، متوعّداً بإيقاف "عبور القوارب الصغيرة" وبـ"ترحيل" طالبي اللجوء إلى رواندا، ضمن الخطة الشهيرة والمثيرة للجدل.
وكان سوناك قد أطلق في خطابه الأول كرئيس للحكومة خمسة وعود نحو "مستقبل أفضل وأكثر أماناً وازدهاراً"، متعهداً بخفض التضخم إلى النصف هذا العام، وبالتالي خفض تكاليف المعيشة المرهقة، وتنمية الاقتصاد بما يساعد في خلق فرص عمل بأجور أفضل في جميع أنحاء البلاد، وخفض الديون الوطنية لـ"تأمين مستقبل الخدمات العامة".
ومن ضمن الوعود التي أطلقها سوناك أيضاً، تقليص قوائم الانتظار في القطاع الصحي لـ"يتمكن الناخبون من الحصول على الرعاية العاجلة والضرورية"، وأخيراً وعد بسنّ قوانين جديدة لوقف القوارب الصغيرة واحتجاز طالبي اللجوء من القادمين بطرق غير نظامية وترحيلهم على الفور.
وليس من المجحف القول إن أياً من تلك الوعود الخمسة لم يتحقق، لا بل إن الأوضاع المعيشية والاقتصادية تبدو اليوم أكثر قتامة مما كانت عليه مع قدومه إلى الزعامة، حيث ما زال التضخّم عالقاً عند مستويات قياسية وأكثر من نصف الناخبين غير قادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية. كما تشير أحدث الأرقام إلى أن نسبة الديون فاقت المائة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للمرة الأولى منذ عام 1961.
من جهة أخرى، لم تتمكن الحكومة من التوصل إلى اتفاق نهائي مع موظّفي خدمة الصحة الوطنية NHS حول الأجور، ما أدى إلى استمرار الطواقم الطبية في إضراباتها والتسبّب بالمزيد من العجز وقوائم الانتظار المتراكمة، حيث ينتظر اليوم 7 ملايين شخص تلقّي علاجاتهم المتأخرة.
أما في ما يخص ملف الهجرة، فلم يستطع سوناك تحقيق وعوده، كما أنه عجز عن إرضاء كل الأطراف المعنية، في الوقت الذي ما زال تدفّق المهاجرين عبر القناة الإنكليزية كبيراً رغم كل التحذيرات والتهديدات.
ومع أنه استمات في الدفاع عن مشروع قانون "أوقفوا القوارب" محاولاً "تدويله" والحشد له وكسب تأييد الداخل والخارج، فإن اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في مجلسي النواب واللوردات اعتبرت في تقريرها الأخير أن القانون "غير شرعي" و"مسيء" لمكانة المملكة المتحدة والتزاماتها الدولية.
في حين أن محكمة الاستئناف "طعنت" الحكومة قبل أيام عندما أقرّت بـ"عدم قانونية" خطة الترحيل إلى رواندا. لكن سوناك أصرّ خلال جلسة التدقيق والمساءلة اليوم على أنه ماض في الخطة وعلى أن الحكومة "ستواصل متابعة قضيتنا هذه بثقة كبيرة"، معتبراً أن "الضمانات والتطمينات التي تلقّيناها من رواندا كافية".
"ازدراء البرلمان"
وفي سياق متصل، اتهم سوناك خلال جلسة المساءلة بـ"ازدراء البرلمان" لأنه تغيّب عن حضور أكثر من تصويت مهم ونقاش مفصلي دون مبرّرات جوهرية. حيث احتدم النقاش بينه وبين رئيس لجنة المعايير كريس براينت عندما راح الأخير يعدّد المرات التي امتنع فيها سوناك عن حضور جلسات البرلمان إن كان للإدلاء بشهادة حول خدمة الصحة الوطنية، أو لاحقاً أثناء التصويت على سلوك الزعيم السابق بوريس جونسون، لكن سوناك تذرّع بحضوره عشاء خيرياً لإحدى دور الرعاية اليهودية بالإضافة إلى قمة الناتو.
العدوان على جنين
ولدى سؤاله عن التصعيد الأخير والعدوان الإسرائيلي في جنين بالضفة الغربية، اكتفى سوناك بدعوة إسرائيل إلى "ضبط النفس" والالتزام بمبادئ "الضرورة والتناسب عند الدفاع عن مصالحها الأمنية المشروعة"، قائلاً إن حكومته "تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، مضيفاً أن الحكومة البريطانية "منفتحة على فكرة وجود مبعوث خاص لعملية السلام في الشرق الأوسط".
لدى سؤال سوناك عن التصعيد الأخير والعملية العسكرية الإسرائيلية الجارية في جنين بالضفة الغربية، اكتفى سوناك بدعوة إسرائيل إلى "ضبط النفس"
وقالت بلاك، وهي أصغر نائبة منذ مئات السنين، حيث انتخبت في العام 2015 وكانت في العشرين من عمرها، إنها متعبة من "الأجواء السامّة" في مجلس العموم، وإن ذلك المكان هو واحد من أكثر أماكن العمل غير الصحية. ما قد يحيل إلى الإحباطات التي يشعر بها جيل بأكمله من الناخبين ومن المسؤولين على حد سواء، وسط إحساس "متعب" بالعجز عن إحداث تغيير أو عن تلبية الاحتياجات الأساسية، في ظل حكومة "حزب المحافظين" الحاكم منذ 13 عاماً.