استمع إلى الملخص
- تعثرت جهود تشكيل اللجنة بسبب خلافات حول الأمن والأموال، حيث لم يعتمد عباس الاتفاقات بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية، مع توقع عودة الوفود إلى القاهرة.
- الخلافات تتعلق بالمرجعية السياسية والأسماء، مع تفضيل حماس لحكومة وحدة وطنية، بينما يريد عباس لجنة تابعة للحكومة في رام الله، وسط تعقيدات سياسية ورفض إسرائيلي.
مع دخول حرب غزة عامها الثاني على التوالي وفشل كل المشاريع السياسية في إيجاد صيغة توافقية تضمن شكل اليوم التالي للحرب، ظهر إلى السطح طرح مصري يقوم على تشكيل لجنة إدارة غزة المشتركة، بين حركتي فتح حماس، لتولّي إدارة الشؤون المدنية للسكان، تحديداً في ما يتعلق بالإعمار والإغاثة. وارتفع منسوب الحديث في الفترة الأخيرة عن قرب إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوما رئاسيا بتشكيل لجنة إدارة غزة، غير أن حالة التفاؤل تراجعت، بعد انتهاء اللقاءات الأخيرة بين فتح وحماس في القاهرة أخيراً من دون الإعلان عن اتفاق، في حالة تشبه كثيراً ما كان يجري خلال لقاءات وحوارات المصالحة منذ عام 2007.
وبينما كان المسؤولون في مصر ينتظرون حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة القاهرة، عقب انتهاء جولة المفاوضات بين وفدي حماس وفتح بشأن التوافق الداخلي على آلية إدارة قطاع غزة، لاعتماد الاتفاق وحسم النقاط العالقة التي كانت تنتظر موافقته النهائية، دخلت اللجنة نفقاً مظلماً بعدم تصديق عباس على الاتفاق الذي جرى بين وفدي الحركتين في القاهرة. وعلمت "العربي الجديد" أن عباس لم يعتمد الاتفاقات التي جرت في القاهرة بشكل نهائي، وذلك في ظل تباين في الرؤى حول عدة ملفات متعلقة بإدارة القطاع في اليوم التالي للحرب.
أسباب التعطيل
ووفقاً لمعلومات توفرت لـ"العربي الجديد"، فإن أسباب التعطيل تركزت بصورة أساسية على بعض الملفات الخاصة بإدارة القطاع، وفي مقدمتها "الأمن" و"الأموال" وتباين الرؤى بشأن الإشراف على ملف الأمن الداخلي في نطاق القطاع، وكذلك الأوضاع الأمنية بالمناطق الحدودية في القطاع سواء مع غلاف غزة أو الحدود مع مصر. أما الملف الثاني في مناقشات القاهرة، فهو ملف أموال الإغاثة وإعادة الإعمار، والإشراف الرئيسي وتحديد أوجه الإنفاق في ظل مرجعية القرارات الرسمية في هذا الشأن لرئيس السلطة الفلسطينية.
هاني المصري: نجاح اللجنة مرتبط برؤية الإدارة الأميركية الجديدة للحل في غزة
في المقابل، قال مصدر قيادي في حركة حماس لـ"العربي الجديد"، إن الحركة "قدمت كافة التسهيلات خلال الاجتماعات التي أدارتها القاهرة بشأن التوصل لاتفاق فلسطيني - فلسطيني لإدارة القطاع"، مضيفاً: "تعاملنا بعقول وقلوب مفتوحة مع المقترحات، وقبلنا بتشكيل اللجنة، رغم كون هذا المقترح لا يتفق بشكل كلي مع رؤية الحركة في هذا الشأن والذي كان يتبنى تشكيل حكومة توافق وطني للحفاظ على وحدة الإدارة بين الضفة وغزة". وتابع: "الجانب المصري شاهد على ما قدمناه من تسهيلات خلال المفاوضات"، مشدداً على أن "وفد فتح في المفاوضات أبدى موافقة مبدئية على الطروحات التي نوقشت قبل أن يشترط العودة مجدداً لمؤسسات الحركة القيادية لاعتمادها". وقال المصدر إن "أبو مازن ربما يكون قد تعمد إرجاء الموافقة على الاتفاقات خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، انتظاراً لما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية لتحديد موقفه النهائي".
وأفادت المعلومات بأنه على الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق رسمي بين الفصائل الفلسطينية حول "لجنة الإسناد المجتمعي"، إلا أن الوفود الفلسطينية التي شاركت في اجتماعات "المصالحة"، سوف تعود إلى القاهرة بعد أسبوعين على أمل التوصل إلى اتفاق رسمي على شكل اللجنة، وعلى أي جهة فلسطينية ستتولى مسؤولية الحكم في الوسط والجنوب. وذلك وسط جهود مصرية مكثفة لحث الطرفين على التوصل لاتفاق.
خلافات بشأن لجنة إدارة غزة
وبحسب مصادر فصائلية فلسطينية أخرى تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن خلافات عدة تمنع الإعلان عن تشكيل لجنة إدارة غزة وأبرزها المرجعية السياسية للجنة والأسماء التي ستنضوي فيها والشخصيات التي ستكون ممثلة فيها. وذكرت المصادر، التي فضلت عدم الإفصاح عن هويتها، أن الأمور معقّدة، ولا يزال من المبكر الحديث عن تشكيل لجنة إدارة غزة في ظل عدم حسم النقاط الخلافية بشأن شكلها ومرجعيتها والآلية التي ستعمل بها، علاوة عن عدم معرفة طبيعة التعامل الإسرائيلي مع اللجنة وانتظار قدوم الإدارة الأميركية الجديدة. وأشارت المصادر إلى أن حركة حماس تريد تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة الملفات جميعها، في حين يريد الرئيس الفلسطيني أن يصدر مرسوماً لتشكيل لجنة إدارة غزة وأن يختار أعضاءها، بالإضافة لأن تكون المرجعية السياسية هي الحكومة الفلسطينية في رام الله وأن تتلقى موازنتها منها، في حين ترى حماس أنه في حال تشكيل لجنة إدارة غزة، فيجب أن تكون مرجعيتها الفصائل. ومع فوز دونالد ترامب واقتراب انعقاد القمة العربية الإسلامية (المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي)، فإنه من المتوقع أن تتجه الأطراف نحو تأجيل الإعلان الرسمي عن لجنة إدارة غزة وانتظار مطلع العام الجديد، لا سيما أن طرح فكرة اللجنة جاء برؤية مصرية تستهدف محاولة إحداث اختراق في جدار الحرب الإسرائيلية على غزة، وتقدم رؤية إقليمية لليوم التالي لحرب غزة من دون استبعاد حركتي فتح وحماس.
في الأثناء، قال رئيس المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية "مسارات" هاني المصري، إن فكرة تشكيل لجنة إدارة غزة كانت برؤية مصرية، وهي لا تتوافق مع رغبة حركتي فتح وحماس بشأن اليوم التالي للحرب فيما يتعلق بإدارة القطاع. وأضاف المصري في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن فرصة نجاح وخروج هذه اللجنة للعلن مرتبطة بشكل الإدارة الأميركية الجديدة ورؤيتها للحل في غزة، وكذلك الموقف العربي بالذات مع اقتراب مؤتمر القمة العربي – الإسلامي، علاوة عن طريقة تعامل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو معها بالذات وأنه رافض لأي دور لفتح وحماس.
وأوضح المصري أن الخيار الأرجح هو تأجيل خروج اللجنة للعلن وعملها إلى ما بعد تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، لمعرفة التوجهات الدولية من الحرب وإمكانية استمرارها من توقفها بشكل نهائي. وأشار إلى أن الخلافات القائمة دفعت بالطرفين لطلب العودة للمرجعيات القيادية واستكمال الحوارات لاحقاً، في ظل الرغبة المصرية الموجودة بتشكيل لجنة إدارة غزة لتقديمها بما هي رؤية ضمن سياق الحل لوقف الحرب في القطاع. وأكد أن من ضمن الخلافات رغبة عباس في أن تكون لجنة تابعة إدارة غزة للحكومة في رام الله، وأن تتلقى موازنتها المالية منها وأن تعمل ضمن الغطاء السياسي الخاص بها، فيما تطالب حركة حماس والفصائل بأن تكون اللجنة ذات مرجعية سياسية.
إبراهيم المدهون: اللجنة ستقوم بمهمات محددة مرتبطة بالإغاثة والإعمار
ولفت المصري إلى أن هناك مخاوف لدى الجميع من أن تكون لجنة إدارة غزة صورية وشكلية، لا سيما إذا ما اعترضت حكومة نتنياهو عليها ورفضت السماح لها بالعمل لا سيما في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة. وباعتقاده فإنّ الذهاب نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية هو الخيار الأمثل للخروج من الحالة الراهنة، وبالتالي تقطع السلطة الفلسطينية والفصائل الطريق على أي موقف رافض لهذه الحكومة، لا سيما في حال شكلت بتوافق وإجماع من جميع الفصائل. مع العلم أنه سبق أن وقعت الفصائل الفلسطينية ما لا يقل عن 17 اتفاقاً منذ عام 2005 وحتى العام 2023، غير أن جميع الاتفاقيات لم تطبق بشكل كامل نتيجة الخلافات على البنود التفصيلية المتعلقة بالاتفاقيات.
أدوار محدودة للجنة
من جانبه، رأى المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن فرص الإعلان عن لجنة إدارة غزة تبقى قائمة، على اعتبار أنها لجنة بأدوار محدودة تتمثل في الإغاثة والإعمار وضمن المواجهة السياسية مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو. وقال المدهون في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاقيات السابقة مختلفة عما يتم بحثه حالياً كون الحديث منصبّا على إدارة بمهمات محدودة بتوافق بين فتح وحماس ورعاية مصرية لهذا الأمر، في ظل الواقع المعقد الموجود ورفض نتنياهو أي شكل وحدوي فلسطيني.
ولفت المدهون إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ونتنياهو يعتمدان على سردية تقوم على عدم وجود أي طرف فلسطيني يمكن الحديث معه وأن يملأ حالة الفراغ القائمة، علاوة على كون خيار لجنة إدارة غزة ورقة في يد الطرف المصري لوضع رؤية نهاية الحرب في غزة لاحقاً. وأشار إلى أن التوجه بالأساس جاء بطلب مصري ضمن محاولة للالتفاف على الهيمنة الأميركية والإسرائيلية، ما يجعل فرص النجاح قائمة في ضوء المخاطر القائمة المتمثلة في استمرار الحرب ورفض الاحتلال أي توافق فلسطيني. وبيّن أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من اللقاءات والحوارات للتوافق بشأن لجنة إدارة غزة التي تحمل ملفات محدودة المهام ومحددة بشكل مختلف عما كان يتم طرحه في اتفاقيات المصالحة السابقة التي كانت تحمل شكلاً واسعاً من البنود.