تعقد حكومة تصريف الأعمال في لبنان، بعد ظهر اليوم الخميس، جلسة تبحث بالدرجة الأولى التطورات الأمنية على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة والخطط الاستباقية التي بدأت تُطرح على الطاولة وتُعدّ من قبل الوزارات المعنية لمواجهة حالات الطوارئ والاستعداد لأي سيناريو ضمنه احتمال توسّع رقعة المواجهات بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي.
وقالت أوساط حكومية، لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يجري العديد من الاتصالات الدبلوماسية الخارجية للتدخل ووقف الاستفزازات الإسرائيلية والاعتداءات التي تقوم بها في جنوب لبنان، لكنه لم يحصل على ضمانات بذلك، والأمر نفسه داخلياً، عبر اتصالاته التي شملت حزب الله الذي لم يحصل منه أيضاً على ضمانات بعدم تطوّر المواجهات".
وأشارت الأوساط ذاتها إلى أنّ ميقاتي يكرّر دائماً موقف لبنان المتمسّك بالاستقرار جنوباً وعدم نيّته الدخول بأي حرب، ولكن إزاء غياب الضمانات، وتصاعد الأحداث أمنياً، منها على الحدود اللبنانية الجنوبية، "يبقى احتمال نشوب حرب أو توسّع رقعة المواجهات قائماً، لذلك يجب العمل ميدانياً بموازاة الاتصالات، وعقد اجتماعات مكثفة سواء ثنائية أو عبر اللجان أو اليوم عبر الجلسة الوزارية لبحث كل السيناريوهات، وتتقدمها تلك السيئة والخطط المطلوبة في حال دخول البلاد حالة طوارئ، ولا سيما أن وضع لبنان معروف اقتصادياً ومؤسساته وقطاعاته تعاني من جراء الانهيار النقدي المالي، حتى أن الحكومة إمكاناتها ضئيلة".
ولفتت الأوساط إلى أن ميقاتي طلب من الوزراء إعداد ملف بواقع وزاراتهم وقدراتها وخططها في حال حصول طارئ أو عدوان إسرائيلي على لبنان، على رأسها وزارة الصحة التي أعدت تصوّرها، كما جرى تحديد المناطق الأكثر عرضة للاعتداء، والتي قد يشملها العدوان استناداً إلى تجربة حرب يوليو/ تموز 2006، وخصوصاً تلك المحسوبة على "حزب الله"، سواء في الجنوب أو البقاع وبعلبك الهرمل والضاحية الجنوبية لبيروت، وسيدرس تبعاً لذلك واقع كل نقطة الاستشفائي والصحي والغذائي والميداني وما إلى ذلك.
وأشارت الأوساط إلى أنّ كل الوزارات عليها أن تدرس واقعها ومدى جهوزيتها، وطريقة تدخلها في حال حصول عدوان، والأمر يشمل كل القطاعات، سواء الكهرباء، أو المياه، والطرقات والجسور، والاستشفاء، والصحة، والإسعاف، والاتصالات، والمرافئ والموانئ، ومطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت، والمطارات العسكرية، ومراكز الإيواء، والقضايا الإغاثية، والأمن الغذائي، وغيرها من خطط الاستجابة.
وعقدت هيئة إدارة الكوارث والأزمات الوطنية سبعة اجتماعات لها، اطلعت خلالها من الوزراء على خطة الاستجابة الوطنية ومناقشة الأزمات المحتمل حصولها في حال تطورت الأحداث في الجنوب، واتخاذ ما هو مطلوب من تدابير وإجراءات من باب الحيطة.
وشارك ميقاتي، أمس الأربعاء، في الاجتماع الذي دعا إليه وزير الصحة فراس الأبيض في الوزارة، للبحث في خطة وزارة الصحة العامة لرفع جهوزية القطاع الصحي في حال حدوث أي طارئ.
وشرح الأبيض أبرز ما تركز عليه خطة الوزارة، وهو رفع الجهوزية والاستعداد لتقديم خدمات الطوارئ في حال تزايدت الاعتداءات وارتفع عدد الجرحى والمصابين ورصد اعتمادات تكفل تغطية العلاج والاستشفاء، إلى جانب رفع الجهوزية والاستعداد في حال ارتفع عدد النازحين هرباً من تفاقم الاعتداءات بحيث تتأمن استمرارية الخدمات الصحية في مختلف المناطق مهما تزايد عدد المحتاجين إليها، وذلك بالتنسيق مع مختلف شركاء القطاع الصحي.
وضمن مواقفه، أكد ميقاتي أن "الهدف من عملنا ليس إثارة الرعب بين الناس وإخافتهم، بل اتخاذ كل ما هو مطلوب من تدابير وإجراءات من باب الحيطة".
وقال ميقاتي إنّ "مروحة الاتصالات الخارجية والداخلية التي أجريناها أظهرت حرصاً على لبنان والاستقرار فيه، وإبعاده قدر المستطاع عن النيران المشتعلة من حوله".
وأكد قائلا "نواصل اتصالاتنا لإعادة الاستقرار إلى الجنوب، والأولوية في هذا السياق هي ضرورة أن يكون الموقف اللبناني موحّداً تجاه القضية الفلسطينية، وهذا ما لمسناه في هذه المحنة، ونتمنى الثبات عليه من كل القيادات"، معتبراً أن "الوحدة اللبنانية أساسية لتجاوز هذه المرحلة الصعبة وتقوية الموقف اللبناني من التطورات".
وتشهد الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة بالتزامن مع عملية "طوفان الأقصى" مواجهات بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي، بدأت تأخذ في الأيام القليلة الماضية طابعاً أعنف من حيث حدة القصف وسقوط قتلى من الطرفين.
وطاولت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي المدنيين اللبنانيين والأطقم الإعلامية، التي استشهد منها الصحافي المصوّر عصام عبد الله، كما استهدف قصف الاحتلال بعض المنازل على القرى الحدودية الجنوبية، وألحق أضراراً جسيمة بها.
ورغم ذلك، يؤكد خبراء عسكريون ومحللون سياسيون أن المواجهات بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي لا تزال ضمن قواعد الاشتباك في سياق القرار الدولي 1701 الصادر عام 2006 عن مجلس الأمن الدولي، أما تطوّر رقعة المناوشات النارية بينهما فهو يرتبط بالأحداث في فلسطين المحتلة.
لا مقومات صمود اقتصادية في حال الحرب
في سياق الجهوزية، قال الكاتب والخبير في الشؤون الاقتصادية منير يونس، لـ"العربي الجديد"، إنه في "حال نشوب حرب سنكون حتماً أمام كارثة إنسانية بكل ما للكلمة من معنى، إذ إنّ ميزانية الدولة منهارة، وكذلك العملة الوطنية، والدولة مفلسة، وبالتالي البلد لا يحتمل سيناريو كهذا".
ولفت يونس إلى أنّه "من مقومات الصمود عام 2006 كانت الودائع، إذ إنه في حال ترك الناس أشغالهم من جراء الحرب، كانوا يصرفون من ودائعهم في البنوك، ولكن اليوم لا ودائع وهي محتجزة في المصارف، وبالتالي، مناعة الناس باتت أقلّ بكثير".
وأشار إلى أن "لبنان استغاث دولياً وعربياً في فترة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، وكل الكلام عن الجهوزية تبيّن أنه غير صحيح ومزيّف، ولا معنى له"، مضيفاً أنه "في عام 2006 كان هناك احتياطي عملات صعبة في مصرف لبنان يمكّن الدولة من التصرف، لاستيراد الأدوية مثلاً أو المستلزمات الطبية وغيرها، أما الاحتياطي اليوم فهو سلبي، وما تبقى من دولارات ليست لمصرف لبنان بل للمودعين، وبالتالي لا احتياطات لديه اليوم، إلا إذا قرّر استخدام دولارات المودعين المتبقية وتصل إلى 8 مليارات دولار تقريباً".
كما أوضح يونس أن "هناك مشاكل في رواتب القطاع العام بالأساس، ولكن حالياً في حال تطوّر الأوضاع ستحصل مشكلة في رواتب القطاع الخاص، باعتبار أنّ هناك مصالح ستتعطّل وتتوقف، إذ إنه في عام 2006 كان أصحاب العمل يتصرّفون بودائعهم، لكنهم اليوم يتصرفون كل يوم بيومه أو شهر بشهره، ينتظرون الحصول على الأموال النقدية للتصرّف بها ودفع رواتب الموظفين".
تبعاً لذلك، يرى يونس أنّ "الوضع سيئ جداً والكلام التطميني ضروري بأيام الحرب، لكن علينا أن نكون واقعيين أيضاً، البلد لم يحتمل أزمة كورونا، والخدمات الصحية في أسوأ أوضاعها، فهل يمكنه تحمّل تهجير مئات آلاف الناس وسقوط آلاف الجرحى، حتى في أزمة كورونا، البنك الدولي هو الذي أنقذ لبنان، أما المساعدات العربية والدولية فلعبت دورها في انفجار المرفأ"، لافتاً إلى أن "لبنان لا يملك حتى شبكة حماية اجتماعية".
في المقابل، قال يونس إن "لبنان في حال الحرب سيستغيث دولياً، لكن وضعه اليوم يختلف عمّا كان عليه عام 2006، وقد يعاقب المجتمع الدولي لبنان في حال دخوله الحرب، باستثناء مساعدته بالحدّ الأدنى الإنساني".
وأشار إلى أن "الناتج فقد تقريباً 60% خلال الأزمة، وعاد إلى ما كان عليه عام 2000، إذ انخفض من 55 مليار دولار إلى أقل من 20 مليار دولار، وسينخفض أكثر"، لافتاً إلى أن "الخسائر عام 2006 قدّرت بحوالي 5 مليارات دولار، فإذا افترضنا أنها ستكون بقساوة عام 2006، مع حساب التضخم، باعتبار أن الأسعار ارتفعت كثيراً خلال هذه السنوات، لن تقل كلفة الخسائر عندها عن 8 أو 9 مليارات دولار، وربما تكون الحرب أشرس، ما يجعل الناتج ينخفض أكثر، علماً أن هناك تقديرات أنه في حال حصول حرب سيعود الناتج اللبناني إلى ما كان عليه عام 1989 - 1990، أي خروجنا من هذه الحرب سيشبه خروجنا من 15 سنة حرب أهلية على مستوى الناتج الاقتصادي".
وخلص يونس إلى أن "المنظومة السياسية الحالية أفقدت البلاد المناعة، وأفلست الدولة ولا تزال موجودة"، خاتماً بالقول "للأسف الذين أفلسوا البلد يقودونه اليوم ومن دون أي خطط جدية".