يخيّم المشهد السوداوي على مبادرة رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، في ظلّ استمرار الخطاب الهجومي الحادّ على خطَّيْ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري وتقاذف الاتهامات بالكذب والافتراء والتضليل، في وقتٍ أتت زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى قصر بعبدا، اليوم الأربعاء، كمحاولةٍ قد تكون الأخيرة للتهدئة وتقريب المسافات بين المعنيَين الأساسيَّين بتشكيل الحكومة.
وأثرت التطورات الأخيرة بدءاً بمؤتمر رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل (صهر الرئيس عون) وما أعقبه من ردٍّ قويّ ومباشر من "تيار المستقبل" (يتزعمه الحريري)، فبيان للرئاسة الأولى على المستوى نفسه قبيل لقاء عون – الراعي، على اندفاعة البطريرك وفشَّل محاولته استباقياً، ولم يحصل أي اتصال مع الحريري كان الهدف منه تمرير المكالمة إلى الرئيس عون في محاولة لإعادة التواصل بينهما كما تردّد أمس من قبل وسائل إعلام لبنانية، علماً أنّ المسؤول الإعلامي في البطريركية المارونية وليد غياض، قال لـ"العربي الجديد" قُبيل اللقاء، إن الاتصال غير محسوم ويبقى رهن نتائج الاجتماع.
وقالت أوساط الرئاسة اللبنانية لـ"العربي الجديد" إنّ الرئيس عون عبّر أمام البطريرك عن استيائه من أسلوب التصريحات الذي ينتهجه تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري في الفترة الأخيرة، وإصراره على استخدام عبارات مهينة ومسيئة تمسّ بشخصه وموقعه وتجتاز كل أصول التخاطب رغم حرص رئيس الجمهورية وباسيل على اعتماد مواقف من قبيل التهدئة وغير هجومية خصوصاً للتلاقي مع مبادرة بري.
وأشارت الأوساط إلى إن البطريرك الراعي تفاجأ أيضاً من مستوى التخاطب الحاصل الذي يقضي على كل مساعي الحلحلة والتقارب، معتبرا أن الحريري يجب أن يقوم بدور أكبر تجاه الرئيس عون لتشكيل الحكومة بالتوافق في ما بينهما. وأكد أنه مع أي حوار بنّاء يؤدي إلى التلاقي لا التباعد.
وعرض البطريرك في تصريحٍ أمام الصحافيين، فكرة "حكومة الأقطاب" التي لم يناقشها اليوم مع الرئيس عون، لكنه طرح الموضوع عليه سابقاً، مذكراً بحكومة رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب الذي أقام دولة ومؤسسات من حكومة مؤلفة من أربعة وزراء، مؤكداً من خلال ذلك أنه لا يجب أن نختلف على الأعداد ونريد حكومة انقاذية تنقذ الشعب مما هو فيه.
وشدد البطريرك على رفضه الإهانات فهي "غير مقبولة، وليست من ثقافتنا ونحن مجروحون منها، ونستهجن هذه الأساليب خصوصاً أن لبنان بلد الحوار ويجب أن يكون هناك حوار، وتفاهم بين عون والحريري لأن الأوضاع تقتضي تشكيل حكومة سريعاً، والبلاد تحتاج إلى إنقاذ وليس قواص"، قاصداً بذلك التراشق الكلامي.
وتعدّدت السيناريوهات المطروحة اليوم لزيارة البطريرك الماروني، أبرزها ما تردّد في وسائل إعلام لبنانية عن أنّ الراعي سيتصل بالحريري من قصر بعبدا الجمهوري ويمرّر المكالمة إلى الرئيس عون في محاولةٍ منه لإعادة التواصل بينهما.
وعن هذه المعلومات الصحافية، يقول المسؤول الإعلامي في البطريركية المارونية وليد غياض، لـ"العربي الجديد"، إنها غير محسومة وتبقى رهن نتائج الاجتماع.
ويضيف: "نفضل عدم استباق الأمور بتوقعات وتحليلات لا تخدم المسار، والبطريرك سيصارح اللبنانيين حتماً بكل التفاصيل التي حصلت وأجواء اللقاء".
غير أنّ المسؤول الإعلامي في بكركي يؤكد أنّ "زيارة البطريرك اليوم قد تكون من الفرص الأخيرة، وهناك انسجام بين مبادرة الرئيس بري ومساعي البطريرك وشعورهما بخطورة المرحلة وعدم امتلاك ترف الوقت، ما يحتم على الأفرقاء التوقف عن وضع الشروط وممارسة أساليب التعنت والتجبّر والتكابر".
ورداً على ما تردد عن أنّ عون منفتح على فكرة التراجع عن تسمية الوزيرين المسيحيين شرط ألّا يسميهما الحريري، يلفت غياض إلى أنّ "بكركي لن تسمي أياً من الوزراء بعكس ما يتم التداول به لناحية الوزيرين المسيحيين، فالموضوع سياسي، أما دور بكركي فهو وطني، ومن المفترض أن يحصل التشكيل بين المعنيين الأساسيين، أي عون والحريري مباشرةً، وبرأينا فإنه بغض النظر عن العقد الوزارية المرتبطة بالحقائب، فإنّ المشكلة الرئيسية تكمن في انعدام الثقة، وحان الوقت لتسلك الأمور كما يحصل سابقاً في تشكيل الحكومات إلا إذا كان هناك عقدة خارجية تنتظر ضوءاً أخضر من مكانٍ ما".
ويضيف غياض أنّ "المسؤولية لا يتحمّلها شخص واحد بل تقع على أكثر من طرف، بيد أنّ هناك من هو مسؤول بشكل مباشر وأكثر من غيره وعليه القيام بعمله".
ويستطرد قائلاً إنّ "بكركي تأسف لمستوى التخاطب القائم والكلام الذي لا لزوم له ولا يؤدي إلا إلى هدم كل المبادرات والمساعي لتقريب المسافات وحلّ الخلافات، خصوصاً في وقتٍ يلفظ لبنان أنفاسه الأخيرة والوضع مأساوي جداً".
ويتابع: "من هنا ناسف أنّ هناك من يمسك بخرطوم الأوكسيجين ويمتنع عن إعطاء البلد الذي يحتضر أي جرعة منه ومع ذلك نحن نبقى نراهن على الوعي وصحوة الضمير لدى المسؤولين".
وعن الزيارة يكشف أنّ "هناك عنوانين أساسيين لزيارة البطريرك الراعي، الأول الملف الحكومي والوضع القائم المتدهور اقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً، إضافة إلى لقاء روما الذي يحصل في 1 يوليو/ تموز المقبل ويجمع القادة الروحيين المسيحيين"، لافتاً إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه البابا فرنسيس دبلوماسياً مع الدول لأجل لبنان والقضية اللبنانية.
تراشق كلامي بين عون والحريري
واستبقت الرئاسة اللبنانية زيارة البطريرك الراعي برد حاد اللهجة على بيان "تيار المستقبل" (يتزعمه الحريري)، الذي صدر، مساء أمس الثلاثاء، بعد كلمة رئيس "التيار الوطني الحر" (صهر الرئيس عون) النائب جبران باسيل، ودعوته إلى حوار في قصر بعبدا في حال استمرار المماطلة، وهي تطورات تنسف الهدوء الذي تسعى إلى تحقيقه مبادرة بري بالتعاون مع "حزب الله" وتؤدي إلى نعي كل المساعي التي تهدف إلى تقريب المسافات بين عون والحريري.
مكتب الاعلام: رئاسة الجمهورية التي لن تنحدر الى المستوى المتدني في اللغة السوقية المتبعة أو الأكاذيب والأضاليل والوقاحة المعتمدة، تكتفي ولن تقول اكثر كي تفسح في المجال، مرة اخرى، امام المساعي الجارية لايجاد معالجات ايجابية لأزمة الحكومة التي افتعلها الرئيس المكلف ولا يزال
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) June 2, 2021
وقالت الرئاسة اللبنانية، في بيان، إنّ "بيان تيار المستقبل خير دليل على الدرك غير المسبوق في الحياة السياسية الذي انحدر إليه القيمون على هذا التيار"، متهمة الرئيس المكلف بأنه "يستمر في الهروب من تحمل مسؤولياته في تأليف حكومة متوازنة وميثاقية".
وقالت إنّ ادعاء "المستقبل بأنّ رئيس الجمهورية يحاول الانقضاض على اتفاق الطائف ومفاعيله الدستورية قمّة الكذب ومن يضرب اتفاق الطائف هو من يعمل على ضرب الدستور والتلاعب على نصوص واضحة فيه"، مضيفة أنّ "الرئيس المكلف يصرّ على محاولة الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال اللجوء إلى ممارسات تضرب الأعراف والأصول وابتداع قواعد جديدة منتهكاً التوازن الوطني".
واتهمت الرئاسة في بيانها الحريري وتياره بأنّهما "يتعمّدان تحميل عهد الرئيس عون مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع، في حين أنّ ما ورثه العهد من أوضاع مالية وديون هو ثمرة سوء إدارة فريق الرئيس المكلف لشؤون الدولة، والمستنقع الذي يدعي بيان تيار المستقبل أن البلاد غارقة فيه هو من إنتاج منظومة ترأسها تيار المستقبل وتسلطت على مقدرات البلاد"، بحسب تعبير البيان.
وردّ "المستقبل" بدوره على بيان الرئاسة اللبنانية اليوم الأربعاء معتبراً أنه "يثبت أن رئاسة الجمهورية تقع أسيرة الطموحات الشخصية لجبران باسيل، وأن الرئيس عون مجرد واجهة لمشروع يرمي إلى إعادة إنتاج باسيل في المعادلات الداخلية، وإنقاذه من حال التخبط الذي يعانيه".
وكان "تيار المستقبل" قد ردّ، أمس الثلاثاء، بقوة على كلام باسيل الذي سماه "الرئيس الظل"، وقال، في بيان: "لم يكتفِ باسيل بإفشال عهد عون، بل يمعن في استخدامه أداةً لإعادة تعويم نفسه، من عراضات الدلع التي سبقت التكليف، إلى سياسات التعطيل التي ترافق التأليف، وصولاً إلى دعوته لعقد حوار وطني في قصر بعبدا، وقد فاته أنّ غالبية اللبنانيين، وبفضله، ينظرون إلى القصر في عهد عون على أنه مؤسسة حزبية تابعة لباسيل، وليس موقعاً للرئاسة الأولى".
"المستقبل" يردّ بالمثل على "رئيس الظلّ" https://t.co/QWzqLIQebm
— تيّار المستقبل (@Almustaqbal) June 1, 2021
وسأل التيار: "هل نحن في عهد جبران باسيل أم في عهد ميشال عون؟ أم أن الأقدار قد رمت اللبنانيين في مستنقع سياسي يديره باسيل ويرعاه عون؟".
ووضع "المستقبل" دعوة باسيل الرئيس عون لعقد حوار بمثابة "مذكرة جلب للقيادات اللبنانية"، مشدداً على أن "جبران نجح في استنزاف رئاسة الجمهورية وتعريضها لأبشع التهم والأوصاف وتفخيخها بفريق عمل من المستشارين تتنافس على تنصيب سيد العهد على عرش أسوأ العهود في تاريخ لبنان".
وقال البيان: "يتوهم جبران باسيل أن استخدامه لولي نعمته السياسي ومبرر وجوده في الحياة العامة الرئيس عون، سيمكنه من الانقضاض على رئاسة الحكومة وكسر شوكتها والاستيلاء على صلاحيات التكليف والتأليف وإحكام السيطرة على السلطة التنفيذية"، خاتماً بالقول: "بات لزاماً عليك يا جبران أن تدرك أن مسرحياتك لرمي كرة التعطيل في ملعب الآخرين رديئة الإخراج، وحافلة بسوء النوايا، مهما غلفتها بمساحيق التجميل الميثاقية".