أسبوع مرَّ على اللقاء العاصف بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، ولم تساهم مبادرات الوسطاء والحركة الدبلوماسية حتى السّاعة في حلّ العقدة الحكومية، وأقلّه تهدئة الأجواء بين المعنيَّين بتشكيل الحكومة، بل يقول مطلعون على مسار المحادثات إن الاتفاق شبه مستحيل، في ظلّ تأكيد كل طرف على عدم الرضوخ للآخر.
المشهد السوداوي تجلّى اليوم، أولاً، بحديث للرئيس ميشال عون لصحيفة "الجمهورية" اللبنانية، يؤكد فيه أن نحو أربعة ملايين لبناني هم الآن رهائن مزاج الرئيس المكلف الذي يضع التكليف في جيبه، ويستهجن إصرار الحريري على عدد الوزراء الـ18، مشدداً على أن الرئيس المكلف يحاول "إحراجه لإخراجه عن قواعد التشكيل السلمية".
ثانياً، أتى التعليق سريعاً من جانب الرئيس الحريري عبر تغريدة على حسابه عبر "تويتر" كتب فيها: "وصلت الرسالة... لا داعي للرد. نسأل الله الرأفة باللبنانيين".
وصلت الرسالة
— Saad Hariri (@saadhariri) March 29, 2021
... لا داعي للرد . نسأل الله الرأفة باللبنانيين.
وفضّلت مصادر في "تيار المستقبل" (يتزعمه الحريري) عدم إضافة أي تعليق بعد تغريدة الحريري لتفسيرها، مكتفيةً بالقول لـ"العربي الجديد": "الرئيس عون يأخذ لبنان حرفياً إلى جهنّم، لأجل الصهر"، أي رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، مضيفة أن "استمراره بالممارسات نفسها لن يبقي بلداً حتى يحكمه، فهنيئاً له مراكز بلا وطن".
أما أوساط "التيار الوطني الحر" فقالت لـ"العربي الجديد": "أصبحنا أمام تكرار للمواقف، والمعرقل معروف وهو الحريري، الذي يريد لنفسه كلّ شيء مهمشاً دور الرئيس عون، ويستغل الظروف الراهنة والأوضاع المتردية اقتصادياً ومعيشياً كوسيلة ضغط لفرض شروطه، أو تدمير البلد".
وشددت على أن "باسيل لا يتدخل في تشكيل الحكومة أو عمل الرئيس عون كما يحاول تيار المستقبل والحريري إرساءه، وكان رئيس التيار واضحاً منذ البداية، عندما لم يسمِّ الحريري باعتباره حزبيا غير اختصاصي، أنه لن يمنح حكومته الثقة".
في المقابل، تجرى محاولات لتحقيق تسوية حكومية أيّدها الخارج، خصوصاً فرنسا والولايات المتحدة، إذ يقود رئيس البرلمان نبيه بري مبادرة جديدة يلاقيه فيها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، تقوم على توسعة حجم الحكومة لتصبح عشرينية، مع عدم إعطاء الثلث المعطل لرئيس الجمهورية، في مبادرة يمكن اعتبارها الأخيرة لولادة الحكومة والنهوض بالبلاد من جديد، إذ يؤكد مصدر دبلوماسي فرنسي، لـ"العربي الجديد"، أن شهر إبريل/نيسان المقبل "سيكون قاسياً جداً على المسؤولين اللبنانيين في حال لم يتفقوا وينقذوا الشعب اللبناني"، ملوحاً بالعقوبات الأميركية– الأوروبية، وإجراءات من شأنها أن تحاصر الطبقة السياسية الحاكمة، مالياً وقضائياً.
محاولات لتحقيق تسوية حكومية أيّدها الخارج، خصوصاً فرنسا والولايات المتحدة، إذ يقود رئيس البرلمان نبيه بري مبادرة جديدة يلاقيه فيها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، تقوم على توسعة حجم الحكومة لتصبح عشرينية، مع عدم إعطاء الثلث المعطل لرئيس الجمهورية
وتستمرّ المعارك الكلامية على خطّ فريقي عون– الحريري، والتي شهدت نهاية الأسبوع رفع سقف المواجهة بعد اتهامات مناصرين لـ"تيار المستقبل" باسيل، ومن خلفه "حزب الله"، بتهديد الحريري عبر رسالة سياسية واضحة المعاني والإشارات عبر خرقه أمنياً وتعريض سلامته للخطر، في ظلّ ما يُحكى عن وثائق أمنية تفيد بتهديد شخصيات سياسية بالاغتيال، وذلك مع نشر موقع "التيار الوطني الحر" الإلكتروني صورة لطائرة الرئيس المكلف على مدرج مطار بيروت، الذي يتهم مناصرو "المستقبل" الحزب بأنه يخضع لرقابته وسيطرته، إلى جانب اتهام باسيل بممارسته ضغوطاً على القضاء لصرف النظر عن الاستماع إلى إفادات شهود في القضية.
في الإطار الحكومي، كان لرئيس البرلمان نبيه بري مداخلة اليوم خلال جلسة تشريعية عقدت في قصر الأونيسكو– بيروت، رفع فيها سقف التنبيه، مؤكداً أن "البلد كله في خطر، كله "تايتنيك".. هذا الكلام يُحكَى في الأوساط العالمية، وآن الأوان كي نستفيق، وإذا غرق البلد سيغرق الجميع من دون استثناء".
وأتت مداخلة بري خلال الجلسة التي ترأسها، وأقرّ خلالها اقتراح القانون الرامي إلى إعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة لعام 2021، واقتراح القانون الرامي إلى استرداد الأموال المنهوبة، وإقرار مشروع قانون الاتفاق الصحي مع العراق الذي كان من خارج جدول الأعمال.
وتصدَّى الرئيس بري، كذلك، لكرة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بعد رمي مسألة الصلاحيات والتفسير الدستوري على مرمى مجلس النواب، واللعب على الوتر الدستوري للردّ بأسلوب "النأي بالنفس" على دعوة أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله لتفعيل عمل الحكومة.
وقال: "تغيير الدستور ليس موجوداً على جدول أعمالنا، وليذهبوا ويشتغلوا"، مضيفاً: "بما يتعلق بالمادة 64 من الدستور، هذا النص لم يكن موجودا في الطائف، بما يتعلق بالحكومة المستقيلة والصلاحيات التي عندها هي النطاق الضيق. الدستور في هذا المجال لا يحتاج إلى تفسير، فهو واضح تماماً، ويعني تسيير كلّ الأمور الضرورية التي تفيد أو تدفع الضرر عن الشعب".
وتابع بري: "أتعجب بأن الحكومة لديها كل هذا الشغل، مع الأسف الشديد يأتون الآن ويطالبوننا بأن نفسر الدستور هذا أولاً، وثانياً إذا كان المطلوب تغيير الدستور، هذا الأمر ليس موجوداً على جدول أعمالنا، وبالتالي فليذهبوا و(يشتغلوا)، هذا ما أبلغته لرئيس الحكومة اليوم".
فرنسا: الاتحاد الأوروبي سيزيد الضغط على المسؤولين اللبنانيين
وفي سياق هذه الأجواء المشحونة، حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، اليوم الاثنين، كبار المسؤولين اللبنانيين من أن الاتحاد الأوروبي يعكف حاليا على بحث سبل لممارسة ضغوط على من يقفون وراء عرقلة إيجاد حل للأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد.
وقالت وزارة الخارجية في بيان إن لو دريان تحدث إلى الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لتوضيح موقفه.