أصدر النائب العام التمييزي في لبنان القاضي غسان عويدات، اليوم الأربعاء، قراراً بإخلاء سبيل جميع الموقوفين بملف انفجار مرفأ بيروت من دون استثناء، مع منعهم من السفر وجعلهم بتصرّف المجلس العدلي في حال انعقاده، علماً أن المحقق العدلي القاضي طارق البيطار كان قد وافق فقط على إخلاء سبيل 5 موقوفين.
كما بدأت ترد أنباء عن اتجاه عويدات إلى الادعاء على القاضي البيطار ومنعه من السفر، في قرارين، سارعت أوساط متابعة للملف إلى وضعهما في خانة "الانقلاب على التحقيق".
واستند القاضي غسان عويدات، وفق كتاب جرى تسريبه لوسائل الإعلام، بقراره تخلية سبيل الموقوفين، إلى "كون المحقق العدلي القاضي طارق البيطار المكفوفة يده في قضية انفجار مرفأ بيروت اعتبر نفسه مولجاً بصلاحيات النائب العام لدى محكمة التمييز لاتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات، فيكون بذلك قد استقى صلاحياته وسلطته من الهيئات القضائية جمعاء، وبما أن هذا الأمر ينسحب أيضاً على النيابة العامة التمييزية فيسري على الأصل أيضاً، وبما أن كفّ اليد يبقي الملف بدون قاض للنظر في طلبات إخلاء الموقوفين فيه منذ أكثر من سنة".
وبينما كان النائب العام التمييزي قد تنحى عن النظر في الملف لصلة القرابة التي تربطه بالنائب غازي زعيتر (ينتمي إلى حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري)، أحد المدعى عليهم بالقضية، فقد قرر أن يواجه قرارات القاضي البيطار مع إعلان الأخير استكمال مهامه تبعاً لدراسة قانونية استند إليها، ويحول دون تنفيذها، ويفتح نار المواجهة القضائية معه، ولا سيما أنه ورد في لائحة استدعاءات المحقق العدلي إلى جانب كبار الشخصيات السياسية والأمنية والعسكرية والقضائية.
وفيما ترفض النيابة العامة التمييزية تنفيذ قرارات المحقق العدلي المتصلة بالادعاء على 8 شخصيات وتبليغهم مواعيد الجلسات عبر الأجهزة المختصة، قرر القاضي عويدات تنفيذ إخلاءات السبيل، بما يشمل جميع الموقوفين، الذين يصل عددهم إلى 17، في خطوة حذرت أوساط قانونية متابعة للملف من تبعاتها، وردود فعل أهالي ضحايا الانفجار عليها.
وقال القاضي البيطار لقناة "الجديد"، إن "أي تجاوب من قبل القوى الأمنية مع قرار النائب العام التمييزي بإخلاء سبيل الموقوفين سيكون بمثابة انقلاب على القانون".
#عاجل - القاضي طارق بيطار لـ:الجديد": اي تجاوب من قبل القوى الامنية مع قرار النائب العام التمييزي باخلاء سبيل الموقوفين سيكون بمثابة انقلاب على القانون
— Al Jadeed News (@ALJADEEDNEWS) January 25, 2023
وكان القاضي البيطار قد أصدر، يوم الاثنين، قراراً بالموافقة على إخلاء سبيل المدير السابق للجمارك شفيق مرعي، ومدير العمليات في مرفأ بيروت سامي حسين، ومتعهّد أعمال الصيانة في المرفأ سليم شبلي، ومدير المشاريع في إدارة المرفأ المهندس ميشال نحول، إضافة إلى عامل سوري يدعى أحمد الرجب يعمل مع شبلي.
ويرى المحامي جيلبير أبي عبود، أحد وكلاء ضحايا انفجار مرفأ بيروت، أن ما يرتكبه القاضي عويدات "بمثابة خيانة عظمى، بحق العدالة وأكثر من 230 ضحية وبحق العاصمة بيروت ولبنان"، لافتاً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن القاضي عويدات سبق أن تنحى عن الملف لصلة القرابة التي تربطه بالمدعى عليه غازي زعيتر، ولا يحق له أن يصدر أي قرار في القضية أو يوقف تنفيذ قرارات المحقق العدلي أو يتخذ أي تدبير بحقه.
النائب العام التمييزي اتخذ قراراً بأن يتنحى عن ملف انفجار مرفأ بيروت، وهذا القرار وافقت عليه محكمة التمييز، وبالتالي لا يمكنه العودة عنه
ويشير أبي عبود إلى أن ما حصل "تعدٍّ فاضح للتحقيقات وملف انفجار مرفأ بيروت، وحتماً لن يسكت عنه أهالي الضحايا، خصوصاً أن هناك أيضاً حديثاً بدأ يتردد عن اتجاه لإبعاد القاضي البيطار عن الملف، من خلال إصدار وزير العدل هنري الخوري قراراً بتنحية المحقق العدلي عن القضية، وذلك بعد حصوله على موافقة مجلس القضاء الأعلى وتعيين خلف له، على أن يطرح الموضوع للمناقشة في جلسة يوم غد الخميس، علماً أن وزير العدل (محسوب على الرئيس ميشال عون)، سبق أن اقترح تعيين قاض رديف للبت بملف الموقوفين، بيد أن ضغوطات من قبل أهالي الضحايا عبر تحركات نفذت على الأرض حالت دون تمرير الاقتراح، أو اجتماع مجلس القضاء الأعلى".
ويقول هنا أبي عبود إن هناك جدية لتمرير هكذا توجه، ولكن يجب أولاً تأمين نصاب جلسة مجلس القضاء الأعلى، أي 6 أعضاء، وأي قرار لتمريره يحتاج إلى تصويت 4 قضاة، مع العلم أنه في حال تأمن النصاب، يصبح من السهل التصويت على القرار باعتبار أن هناك 4 قضاة معروفٌ توجههم السياسي مع الثنائي "حزب الله" و"حركة أمل"، وعهد الرئيس السابق ميشال عون، وقد حاولوا تعيين القاضية سمرندا نصار كقاضية منتدبة، مع الإشارة إلى أن القاضي المنتدب أي الرديف، بحسب القانون، يُعيَّن بغياب الرئيس الأصيل أو سفره أو تعذره عن متابعة الملف، لكن القاضي البيطار لم يعلن أنه يريد أن يتنحى أو يتعذر عليه النظر بالقضية لا بل هو متمسّك بملفه.
ويشير أبي عبود إلى أن وزير العدل لا يمكنه أن يقترح تعيين قاض بديل، وهو يرتكز في ذلك على مبدأ موازاة الصيغ باعتبار أن قرار تعيين المحقق العدلي صدر عن وزير العدل وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، لكن هذا الإجراء باطل بعدما أحيل الملف برمته بمرسوم من مجلس الوزراء إلى المجلس العدلي، عدا عن أن ملفًّا بهذه الخطورة والدقة لا يمكن أن يتخذ أيَّ قرار فيه وزير في حكومة بهيئة تصريف الأعمال، وبالتالي فاقد الصلاحيات الكاملة.
من جهته، يقول منسّق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي"، المحامي الدكتور جاد طعمة، لـ"العربي الجديد"، "إننا اليوم أمام فوضى قضائية غير مسبوقة في تاريخ القضاء اللبناني تجعل المجتمع القانوني يترقب بحذر الصراع القضائي الذي ستكون آثاره وخيمة على القضاء أولاً وهيبته ومعنويات التحقيق العدلي، ويبدو أننا سنفتح الباب ليعتبر المجتمع الدولي لبنان دولة ساقطة في أهم ركن من أركان قيام الدولة وهو السلطة القضائية، وعندها نفتح البلاد على ويلات نتيجة المراهقة في التعاطي مع ملف يقتضي الجدية وكل الحذر والمسؤولية".
ويشير طعمة إلى أن "النائب العام التمييزي اتخذ قراراً بأن يتنحى عن ملف انفجار مرفأ بيروت، وهذا القرار وافقت عليه محكمة التمييز، وبالتالي لا تمكنه العودة عنه، ما يجعلنا أمام فوضى قانونية كبيرة لم يسبق لها مثيل".