أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التابعة للأمم المتحدة، اليوم الجمعة، حكمها على سليم عياش الذي يُشتبه بانتمائه إلى "حزب الله" وأدين بالمشاركة في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 2005. وأعلنت المحكمة العقوبة القصوى، أي السجن المؤبد، بحق سليم عياش في قضية اغتيال الحريري.
ويُعدّ السجن المؤبد العقوبة القصوى التي قرّرتها غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان، بعدما أرّخت حكمها على عياش في 18 أغسطس/آب الماضي، وقالت فيه، إنّ عياش مذنب على نحو لا يشوبه أي شك معقول بجميع التهم المنسوبة إليه في قرار الاتهام، وهي المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي بهدف اغتيال الحريري باستعمال أداة متفجرة، قتل الحريري عمداً باستعمال مواد متفجرة، قتل 22 شخصاً بمن فيهم الحريري عمداً، محاولة قتل 226 شخصاً عمداً بمواد متفجرة، على أن يحاكم غيابياً باعتباره متوارياً عن الأنظار.
ورأى قضاة غرفة الدرجة الأولى أنّ حسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، وأسد حسن صبرا غير مذنبين في ما يتعلق بجميع التهم المسندة إليهم في قرار الاتهام.
وقال الادعاء في جلسة اليوم، إنّ الجرائم التي ارتكبها عياش تقتضي فرض العقوبة الأشد، نظراً لدوره في التخطيط وتنفيذ جريمة الاغتيال، ولما سببته من أثر مدمّر على المتضرّرين والشعب اللبناني، ما يبرر فرض العقوبة الأشد أي السجن المؤبد.
وطالب الممثلون القانونيون للمتضررين من الانفجار، غرفة الدرجة الأولى بأن تفرض علاوة عن السجن المؤبد، غرامة مالية باهظة على عياش، وتجميد أصوله لمصلحة المتضررين على أن تنشئ السلطات اللبنانية صندوقاً للتعويض عن الضرر، بيد أنّ المحكمة ردّت بأن النظام الأساسي الذي تتبعه لا يجيز لها فرض غرامات أو عقوبات مالية.
ولا يزال سليم عياش طليقاً، إذ رفض الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله تسليمه مع ثلاثة متهمين آخرين تمت تبرئتهم في نهاية المطاف.
وخلال جلسة استماع في نوفمبر/تشرين الثاني، قال المدعون إن السجن المؤبد هو "الحكم الوحيد العادل والمناسب" لسليم عياش، معتبرين أن الأمر يتعلق بـ"أخطر هجوم إرهابي وقع على الأراضي اللبنانية". كما طالبوا بمصادرة أملاك عياش.
وكان رفيق الحريري رئيساً لوزراء لبنان قبل استقالته في أكتوبر/تشرين الأول 2004. وقُتل في فبراير/شباط 2005 عندما فجّر انتحاري شاحنة مليئة بالمتفجرات أثناء مرور موكبه المدرّع. وخلّف الهجوم 22 قتيلاً و226 جريحاً. واعتبر القضاة في 18 أغسطس/آب في ختام محاكمة استمرّت ست سنوات، أنّ هناك أدلّة كافية لتحديد أنّ عياش كان في قلب شبكة من مستخدمي الهاتف المحمول تجسّست على الحريري في الأشهر التي سبقت اغتياله.
في المقابل، برّأت المحكمة المتّهمين الثلاثة الباقين أسعد صبرا وحسين عنيسي وحسن حبيب مرعي الذين ينتمون إلى "حزب الله" وحوكموا غيابياً لعدم تمكّن السلطات اللبنانية من إلقاء القبض عليهم، وتسليمهم للمحكمة، وبسبب رفض الحزب تسليم أيّ من عناصره إلى محكمة يعتبرها "مسيسة" ويرفض الاعتراف بها.
وقالت المحكمة في بيانها حينذاك إنّ "غرفة الدرجة الأولى ستفرض الآن عقوبة في ما يتعلق بكلّ تهمة أدانت بها عياش، أو ستفرض عقوبة واحدة تشمل سلوكه الجرمي بأكمله. ويمكن أن تصل العقوبة المفروضة على شخص مدان إلى السجن مدى الحياة".
وبحسب القضاة، ليس هناك دليل على وجود صلة بين الهجوم وقيادة "حزب الله" أو حلفائه في دمشق. وقال خبراء إن هذا الحكم مهم حتى لو أنه صدر غيابياً. وصرح كريستوف بولوسان، الباحث في معهد آسر في لاهاي لوكالة "فرانس برس"، إن "المحاكمات الغيابية ليست الطريقة المثلى لتحقيق العدالة".
وقال إن المحاكم الدولية تشبه "عملاقاً بلا أذرع أو أرجل" لأنها تعتمد على الدول في اعتقال المشتبه بهم وليست في وضع يمكّنها من تنفيذ أيّ قرار بنفسها. وأضاف: "لكن رغم هذا العائق، نجحت المحكمة الخاصة بلبنان على الأقل في تشكيل ملف قضائي مقنع حول ما حدث قبل 15 عاماً، ما ساعد المجتمع اللبناني على الانتقال من ثقافة الإفلات من العقاب إلى ثقافة المساءلة".
وعلّق رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري على الحكم في تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، رأى فيها أن "العدالة الدولية أصدرت حكمها في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، والعقوبة التي أنزلت بسليم عياش يجب وضعها موضع التنفيذ، وعلى السلطات القضائية والأمنية اللبنانية القيام بواجبها في هذا الخصوص".
العدالة الدولية اصدرت حكمها في قضية الرئيس الشهيد #رفيق_الحريري ورفاقة والعقوبة التي انزلت بسليم عياش يجب وضعها موضع التنفيذ وعلى السلطات القضائية والامنية اللبنانية القيام بواجبها في هذا الخصوص .
— Saad Hariri (@saadhariri) December 11, 2020
وفي 2007، وافق مجلس الأمن الدولي على إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان في لايدشندام بهولندا، وقدّمها على أنّها أول محكمة دولية في العالم تهدف إلى التحقيق في الجرائم الإرهابية. وسيكون سليم عياش في قلب محاكمة أخرى في المحكمة نفسها، تتعلق بثلاثة اعتداءات دموية أخرى ضد سياسيين لبنانيين في عامي 2004 و2005.