نأت السلطات اللبنانية الرسمية بنفسها عن إطلاق "حزب الله"، أول من أمس السبت، 3 مسيرات غير مسلحة باتجاه المنطقة المتنازع عليها عند "حقل كاريش" للقيام بمهامٍ وصفها بالاستطلاعية، معتبرة أنّ أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تجري مفاوضات ترسيم الحدود بمساعٍ من الوسيط الأميركي في إطاره غير مقبولٍ ويعرَّضه لمخاطرٍ هو في غنى عنها.
وجاء الموقف اللبناني الرسمي، اليوم الإثنين، بعد اجتماع عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب تطرق، بحسب بيان إعلامي، إلى "الوضع في الجنوب وموضوع المسيّرات الثلاث التي أطلقت في محيط المنطقة البحرية المتنازع عليها وما أثارته من ردود فعل عن جدوى هذه العملية التي جرت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي، خصوصاً أن المفاوضات الجارية من الوسيط الأميركي آموس هوكستين قد بلغت مراحل متقدّمة".
وقال بيان وزعه المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي إن لبنان يجدِّد دعمه مساعي الوسيط الأميركي للتوصل إلى حلٍّ يحفظ كامل الحقوق اللبنانية بوضوح تام، ويطالب بالإسراع بوتيرة المفاوضات، مؤكدًا أن لبنان يعوّل على استمرار المساعي الأميركية لدعمه وحفظ حقوقه في ثروته المائية ولاستعادة عافيته الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف أن "لبنان يعتبر أن أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها"، داعيًا جميع الأطراف للتحلّي بروح المسؤولية الوطنية العالية والالتزام بما سبق، فيما أكد أن "الجميع من دون استثناء هم وراء الدولة في عملية التفاوض"، وجدد مطالبة لبنان بوقف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لسيادته بحراً وبراً وجواً.
وزير الداخلية اللبناني: الجانب اللبناني تبلغ أن ما حصل يعرض المفاوضات للتوقف
وقال بو حبيب في تصريح له خلال تلاوته بيان الاجتماع إنه لم يتحدث مع الوسيط الأميركي، "وقد تبلغ الجانب اللبناني أن ما حصل يعرّض المفاوضات للوقوف، ونأمل استمراريتها".
وأضاف "قبل يوم، حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق لبنان ونفذت ضربات في سورية، يعني هناك أيضاً استفزازات إسرائيلية، لذلك أنا مع أن المفاوض الأميركي لا يريد أن يقوم لبنان بأي أمر استفزازي لكن هذا يحصل من جهتين وليس من جهة واحدة".
وفي حال أعاد "حزب الله" الكرّة، قال بو حبيب "لكل حادث حديث"، وحول التخوف من تصعيد عسكري في الجنوب، لفت وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال إلى أن "كل ما يأتينا من الأمم المتحدة أو الأميركيين، أن لا تصعيد.. نحن نعرف أنه لا يوجد تصعيد من جانب (حزب الله) أيضاً".
وأعلن الحزب في بيانٍ، السبت، أن "مجموعة الشهيدين جميل سكاف ومهدي ياغي قامت بإطلاق ثلاثِ مسيّراتٍ غير مسلَّحة ومن أحجامٍ مختلفة باتجاه المنطقة المتنازع عليها عند حقل كاريش للقيام بمهام استطلاعية، وقد أنجزت المهمة المطلوبة".
وقال عضو "كتلة الوفاء للمقاومة" التي تمثل الحزب برلمانياً حسين جشي، لـ"العربي الجديد"، إن "الرسالة ثلاثية الأبعاد، الأصل أولاً للعدو الإسرائيلي بأن لا يأخذ راحته ويدير ظهره في منطقة متنازع عليها، والثانية للأميركي الذي رغم أنه غير نزيه يفترض به أن يكون أقلّه وسيطاً متوازناً، أما الرسالة الثالثة فهي موجهة للدولة اللبنانية بأننا لسنا ضعفاء ويجب أن نمتلك القوة كي نستند إليها ولا نفرّط بحقوقنا وثروتنا".
وأردف جشي "الرسالة الثالثة موجودة في وجدان اللبنانيين والمفاوض اللبناني ونطلب من الحكومة أن تتحمّل مسؤولياتها كاملةً لأن العدو لا يفهم بلغة الدبلوماسيين، بحيث إننا لم نستفد يوماً من أي قرار دبلوماسي بوجه العدو، والحقوق لا يمكن تحصيلها إلا من باب قوة الموقف".
ورداً على مخاوفٍ من تصعيد أمني، يقول جشي "المقاومة لم تقم يوماً بفعل، بل كل ما تقوم به يأتي من موقع ردّ الفعل، ومن واجبنا الحفاظ على ثرواتنا"، مشيراً إلى أن أمين عام الحزب حسن نصر الله "أعلن بوضوح أن لا تنقيب في حقل كاريش قبل أن تتضح الحدود المتنازع عليها".
وأطلّ نصر الله في خطاب متلفز في 9 يونيو/حزيران الماضي غداة إعلان شركة "إينرجيان باور" اليونانية البريطانية عن وصول سفينة وحدة إنتاج وتخزين الغاز الطبيعي إلى "حقل كاريش" النفطي الذي يقع ضمن منطقة متنازع عليها وإعلانها العزم على بدء تشغيلها في الأشهر المقبلة.
وأشار إلى أن "حقل كاريش" خط واحد وما يستخرج منه متنازع عليه، رافعاً من مستوى التحدّي بإشارته إلى أن "المقاومة تملك القدرة المادية والعسكرية والأمنية والمعلوماتية واللوجستية والبشرية لمنع العدو من استخراج النفط من الحقل"، مشدداً على ضرورة توحيد الموقف اللبناني لما يشكّله ذلك من عنصر قوّة للبنان.
تأتي هذه التطورات بعدما تبلّغ لبنان، الجمعة الماضي، عبر السفيرة الأميركية دوروثي شيا نتائج اتصالات الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية للبنان مع الإسرائيليين، تحديداً بخصوص المقترح اللبناني الأخير الذي يرتكز في أحد بنوده على الحصول على حقل قانا النفطي بالكامل (لا توجد دراسات تؤكد احتواءه على نفط أو غاز) والتمسك بالخط 23 (الذي ينطلق من 30 متراً شمالي رأس الناقورة) مقابل التنازل عن الخط 29 (الذي يضم حقل كاريش).
وقد عكست تسريبات في وسائل الإعلام اللبنانية أجواء تفيد برفض الاحتلال المقترح وانفتاحه على تقاسم الحقول المشتركة، وهو ما يرفضه "حزب الله"، معتبراً أن خطوة كهذه تنطوي على تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.