قدّم رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري اعتذاره اليوم الخميس عن عدم تشكيل الحكومة، بعد إصرار الرئيس ميشال عون على موقفه، بحسب ما أكده في تصريحٍ له أمام الصحافيين.
وقال الحريري بعد لقاء عون الذي لم يدم أكثر من نصف ساعة: "طلب الرئيس عون تعديلات على التشكيلة الوزارية اعتبرتها جوهرية وناقشنا أموراً لها علاقة بالثقة وطرحت عليه إذا ما كان يريد وقتاً أكثر للتفكير، بيد أنه قال إنه من الواضح أننا لن نتمكن من الاتفاق"، مضيفاً، قبل أن يغادر قصر بعبدا: "الله يعين البلد".
وقالت أوساط مقربة من الحريري لـ"العربي الجديد"، إنّ "الرئيس عون أراد إجراء تعديلات في وزارات سيادية، رغم أن الوزارات الأساسية التي اختارها الرئيس المكلف له لم يكن يرضى بتغييرها الحريري سابقاً، ولكن من بوابة التلاقي والتوافق عاد وأظهر ليونةً بها، بيد أن الرئيس عون أصرّ على وزارة الداخلية وأسماء لاقت رفضاً صارماً من الحريري".
وبدأت الأوساط المقربة من الحريري تعمّم أجواء بأنّ "النتائج ستكون كارثية بعد اعتذار الرئيس المكلف"، محملة الرئيس عون "العواقب ونتائج القرارات التي اتخذها اليوم بسدّه الطريق أمام أي حلٍّ".
في المقابل، سارعت مصادر رئاسة الجمهورية إلى القول إنّ "الرئيس عون لا يمكن وضعه أمام الأمر الواقع وتحت ضغط مهلةِ ساعات ليقرّر ويستمرّ في كسر الدستور والأصول المعتمدة، فيما يحاول الحريري مرة جديدة تغييب دور رئيس الجمهورية وصلاحياته".
وفي وقت لاحق، سيصدر بيان ردّ من رئاسة الجمهورية، عن تفاصيل اللقاء الذي يطل فيه الحريري مساءً عبر قناة "الجديد" المحلية التي روّجت للمقابلة منذ أيام تحت عنوان "الحريري يكشف أوراق التعطيل".
وبدأت تسري أنباء عن تحركات سيشهدها الشارع اللبناني اليوم من قبل مناصري "تيار المستقبل" المعترضين على اعتذار الحريري وإقصائه، حيث سيقومون بقطع عددٍ من الطرقات المحسوبة على حزبهم السياسي في بيروت والبقاع بشكل خاص.
في المقابل، بدأ سعر صرف الدولار في السوق السوداء يشهد تحليقاً سريعاً تجاوز عتبة 20 ألف ليرة لبنانية لأول مرة في التاريخ فور اعتذار الحريري، على الرغم من أنه شهد قبيل ساعات من اللقاء الثنائي انخفاضاً لافتاً بالتزامن مع انتشار أجواء إيجابية حول اللقاء.
وسرت أجواء رمادية اليوم بين قبول الرئيس عون التشكيلة الوزارية التي تتضمن 24 مقعداً وزارياً بدل 18 وزيراً وترحيبه بها، وبين نيته إجراء تعديلات على بعض الأسماء والحقائب الوزارية قد لا يرضى عنها الحريري الذي عمّمت أوساطه معلومات تؤكد لـ"العربي الجديد" أنه لن يقبل بأي تعديل خصوصاً في الحقائب السيادية.
وفي وقت سابق، قالت الرئاسة اللبنانية إن ميشال عون، يدرس الصيغة الحكومية التي قدّمها إليه الحريري، أمس الأربعاء.
وأشارت الرئاسة اللبنانية، في بيان، إلى أنّ "الرئيس عون تلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس المكلف تقرّر خلاله أن يزور الحريري قصر بعبدا الجمهوري بعد ظهر اليوم لاستكمال التشاور".
الرئيس عون تابع درس الصيغة الحكومية التي قدمها الرئيس المكلف امس، ويلتقي الرئيس الحريري بعد ظهر اليوم لاستكمال التشاور
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) July 15, 2021
وتضمنت تشكيلة الحريري أسماء جديدة بتوزيع مختلف للحقائب الوزارية، انطلاقاً من 24 وزيراً، من دون حسم الموقف منها، علماً أنّ مصادر حزب الحريري "تيار المستقبل" لمّحت، منذ أمس الأربعاء، إلى أنّ أي تعديل في الأسماء لن يرضى به الرئيس المكلف، فإما قبول التشكيلة برمتها أو رفضها.
وكان لافتاً اليوم، اللقاء الذي جمع الرئيس عون بالسفيرتين الأميركية دوروثي شيا، والفرنسية آن غريو، تحت عنوان "الاطلاع على نتائج اللقاءات التي عقدتها السفيرتان في الرياض مع المسؤولين السعوديين على أثر اجتماع وزراء خارجية أميركا وفرنسا والسعودية في إيطاليا"، وفق بيان الرئاسة اللبنانية.
الرئيس عون اطّلع من السفيرتين الفرنسية والأميركية على نتائج اللقاءات التي عقدت في الرياض مع المسؤولين السعوديين على اثر اجتماع وزراء خارجية اميركا وفرنسا والسعودية في إيطاليا pic.twitter.com/IkBpobGE7W
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) July 15, 2021
وأشار بيان الرئاسة اللبنانية إلى أنّ "السفيرتين سلّمتا الرئيس عون رسالة خطية مشتركة من وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والفرنسي جان إيف لودريان، أكدا فيها اهتمام بلديهما بالوضع اللبناني، وضرورة الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تواجه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان".
السفيرتان الأميركية والفرنسية سلمتا الرئيس عون رسالة مشتركة من وزيري خارجية الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا أكدا فيها اهتمام بلديهما بالوضع اللبناني وبضرورة تشكيل حكومة جديدة لمواجهة الظروف الصعبة في لبنان
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) July 15, 2021
وكُلِّفَ الحريري، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تشكيل الحكومة بعدما بادر إلى طرح اسمه مرشحاً طبيعياً للمنصب عقب اعتذار السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب، في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وأعلن الحريري نيته تشكيل حكومة "مهمة" من خارج الأحزاب والتكتلات السياسية تحمل برنامجاً إنقاذياً تحت عباءة المبادرة الفرنسية، رغم أنه كان قد طلب في أكثر من مناسبةٍ سحب اسمه من التداول، رافضاً العودة لتولي رئاسة الحكومة بعدما استقال من منصبه في 29 أكتوبر 2019 بضغطٍ من الشارع اللبناني المنتفض.
وعقد عون مع الحريري جولات عدّة بدأت بأجواء إيجابية ونزعة تفاؤلية وسرعة في تحديد مواعيد اللقاءات الثنائية قبل أن تتبدّل الأحوال لتصل إلى القطيعة بين الرجلَيْن خرقها بعض اللقاءات نتيجة المبادرات الداخلية والحراك الخارجي الذي لم يتوقف بدوره، لا بل كُثّف بشكل لافتٍ في الأيام الأخيرة وخلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وخصوصاً، مصرياً، وفرنسياً، وأميركياً، وسعودياً، وروسياً.