حرّكت تصريحات رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الصحافية، الأربعاء، الساحة الرئاسية بعد جمودٍ لأكثر من شهرٍ، مع إعلانه بشكل رسميّ ترشيح رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وإقفاله الباب أمام وصول قائد الجيش العماد جوزاف عون، رغم ارتفاع حظوظه، بذريعة صعوبة إجراء تعديل دستوري في ظلّ حكومة تصريف أعمال.
ولم يكتفِ بري بتحديد معالم المرحلة الرئاسية الجديدة، بل صوّب بشكل حادّ على مرشح أحزاب المعارضة النائب ميشال معوض، واصفاً إياه بـ"التجربة الأنبوبية"، ما استدعى ردّ الأخير عليه، معتبراً أن تصرفه "يليق به كمليشيوي، وأستاذ في الفساد العابر للعهود والحكومات، والشريك الأكبر في كل المحاصصات"، قبل أن تتسع رقعة الاتهامات المتبادلة على خطّي "المعارضة والموالاة"، مع تسجيل خرق لرئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، بتموضعه في التراشق الكلامي مع بري، بوجه مرشحه معوض.
صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض ردّاً على الميليشيوي نبيه بري البيان الآتي:
— Michel Moawad (@michelmoawad) March 2, 2023
أتحفنا رئيس "حركة أمل" نبيه بري الذي يصادر رئاسة مجلس النواب منذ أكثر من 30 عاماً بكلام أقل ما فيه أنه لا يليق برأس المؤسسة البرلمانية إنما يليق به كميليشيوي. ١/٩
تعطيل نصاب الجلسات ينتقل إلى المعارضة
وتزيد هذه المشهدية من تعقيدات الأزمة الرئاسية في لبنان المستمرّة منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خصوصاً أن إعلان بري وشموله حكماً "حزب الله" دعم فرنجية، وتلويحه بإمكانية تأمينهم نصاب انتخابه بنصف أصوات النواب زائداً واحداً (65 من أصل 128 نائباً)، نقل كرة تعطيل نصاب جلسات البرلمان إلى الأحزاب المعارضة التي تؤكد معظمها أنها لن تساهم في تعبيد طريق الرئاسة لمرشح "الممانعة"، وفق تعبيرهم.
ويحتاج انعقاد الجلسة بدورتها الأولى حضور غالبية الثلثين أي 86 نائباً، ما يحتّم على حزبي "القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع) المؤلف تكتله من 19 نائباً، و"الكتائب اللبنانية" (يرأسه النائب سامي الجميل)، ويمثله 4 نواب، وهما أعلنا صراحة تعطيل انتخاب فرنجية، حشد أكبر عدد "مقاطعين" للجلسة، أي حوالي عشرين نائباً آخرين، وهو رقمٌ غير محسوم بعد في جعبتهما.
بداية، يشير عضو كتلة "التجديد"، النائب أشرف ريفي، لـ"العربي الجديد"، إلى "التمسّك بترشيح معوض لرئاسة الجمهورية، وفي حال الذهاب إلى خيار بديل، يجب أن يكون شبيهاً له، بمعنى أن تتوافر فيه مواصفات الإصلاح والإنقاذ والسيادة، فالبلد لم يعد يحتمل أي رئيس رماديٍّ أو من الطرف الآخر".
ويشدد ريفي: "إذا اضطررنا سنعطّل بكل الوسائل الدستورية والقانونية نصاب أي جلسة تؤدي إلى انتخاب مرشح تابع لمحور الممانعة، كما فعلوا هم على مدى 11 جلسة. نحن لسنا جمعية خيرية أو سُذَّجا لنعبّد طريق النصاب للفريق الآخر، ونسمح له بنقلنا من جهنّم إلى أبعد من جهنّم".
وفي وقتٍ، يشير ريفي إلى أنه لو فعلاً تمكن الفريق الآخر من جمع 65 صوتاً لانتخاب فرنجية، لكان بري دعا إلى جلسة لانتخاب رئيس، يعتبر، على صعيد الموقف الخارجي، أن هناك دينامية لا تزال على "نارٍ خفيفة"، و"بقراءتي فإنه خلال فترة الربيع قد نصل إلى رئيس إصلاحي إنقاذي سيادي"، وفق قوله.
في المقابل، يؤكد النائب بلال عبدالله، عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" (تمثل الاشتراكي برلمانياً)، لـ"العربي الجديد": "لسنا مع تعطيل جلسات انتخاب الرئيس، ونرفض منطق تعطيل المؤسسات، سواء رئاسة الجمهورية، أو الحكومة أو البرلمان، ونحن أعلنا سابقاً تعليق مشاركتنا في الجلسات، بمعنى تكرار مشهد الورقة البيضاء، ومن ثم تعطيل نصاب الدورة الثانية".
ويلفت عبدالله إلى أن "السقوف العالية يجب أن تنخفض، ونحن كنا ولا نزال ندعو إلى تسوية وطنية داخلية تجنّب البلاد الانزلاق أكثر نحو التحلل والتدمير"، معتبراً أن "الرهان على الخارج لا يجب أن يستمرّ، لأن الخارج مشغولٌ، وإعادة لبنان إلى عمقه العربي تحتاج إلى تسوية، خصوصاً أنّ أي فريق لا يملك الأكثرية لإيصال مرشحه".
ويقول عبدالله: "أعلنا ترشيح 3 أسماء لرئاسة الجمهورية: وزير المال السابق جهاد أزعور، والنائب السابق صلاح حنين، وقائد الجيش جوزاف عون، ومنفتحون على آخرين كحل وسطيّ، يتمتعون برؤية اقتصادية إصلاحية توحيدية، ونحن ننتظر أجوبة على طرحنا"، مشيراً: "نتناغم مع الرئيس بري بكثير من الملفات، لكن موقفنا بالملف الرئاسي واضح".
في المقابل، يعلّق النائب في تكتل "لبنان القوي" (يرأسه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل)، أسعد درغام، على دعم حليفه "حزب الله" و"حركة أمل" برئاسة بري لفرنجية، بالقول "كل شخص له الحق في الترشح، أو دعم ترشيح من يراه مؤاتياً ومناسباً للمرحلة بنظره، نحن موقفنا معروف من ترشيح فرنجية، والرافض له. ولعلّ ما يحصل من كشف أوراق قد يفتح الباب للوصول إلى حوار بين الجميع، على رئيس توافقي، في ظل صعوبة تواجه كل فريق بإيصال مرشحه، ورأينا، في السياق، إعلان فرقاء آخرين تعطيل نصاب انتخاب فرنجية".
وحول موقف التكتل من مقاطعة جلسة قد تؤدي لانتخاب فرنجية، يقول درغام: "لم نتحدث بعد بالموضوع، وبكل الأحوال المرحلة القريبة ستكشف النوايا والمواقف كلها"، معتبراً أن عدم تسمية التكتل مرشحه بعد للرئاسة يرتبط بأن "المشكلة ليست بالاسم، وإعلان مرشحين هو عملية فلكلور لا أكثر، فالاستحقاق يحتاج إلى حوار بين جميع الأطراف لإنتاج رئيس".
وعلى صعيد الموقف الخارجي، يقول درغام: "من الواضح عدم وجود رضى سعودي على فرنجية، وبالتالي، فإنّ "التقدمي الاشتراكي" وكتلة "الاعتدال الوطني" (تضم نواب مستقلين ومن "قدامى" تيار المستقبل)، لن يسيرا بعكس الموقف السعودي".
وعلى خطّ "التغييريين"، وبينما لا يزال اعتصام النائبين ملحم خلف ونجاة عون صليبا مستمرّاً منذ 19 يناير/كانون الثاني في البرلمان حتى دعوة بري إلى عقد دورات متتالية لانتخاب رئيس، فإن التباينات في المواقف لناحية المقاطعة والمشاركة في جلسة قد تؤدي إلى انتخاب فرنجية لا تزال سيّدة المشهد.
لا رئيس للبنان من دون تسوية إقليمية ودولية
بدوره، يرى الكاتب السياسي وجدي العريضي، أن "بري اختار التوقيت الداخلي والإقليمي والدولي المؤاتي، في ظل الاصطفافات السياسية، حتى يسمّي فرنجية لأول مرة كمرشح للثنائي الشيعي، لكن هذه سابقة أن يأتي الإعلان من الشخص الذي يدير جلسات الانتخاب ويمثل رأس السلطة التشريعية، كما ويعمد إلى شنّ هجوم وانتقاد لاذع بوجه مرشح المعارضة النائب ميشال معوض، ما يدعو للاستغراب والاستهجان في آن".
ويقول العريضي، لـ"العربي الجديد": "قد تكون لدى بري معطيات، ولا سيما من اللقاء الخماسي الذي عُقد في باريس وضم قطر، السعودية، فرنسا، أميركا، ومصر، دفعته إلى إعلان ترشيح فرنجية، وبأن جنبلاط قد يجاريه بذلك، لكن تبعاً لمعلوماتي فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي لن يسير خارج إرادة السعودية، ولن يخاصمها، ولو كان يساير بري في الكثير من الاستحقاقات".
ويرى العريضي أن "جنبلاط لن يسير بفرنجية، إلا ربما في حال صبّت التسوية لصالحه، ولاقت دعم كل الدول التي شاركت في لقاء باريس، والصورة هنا لا تزال ضبابية، ما يعني أن الشغور الرئاسي متوقع أن يطول".
كذلك، يلفت العريضي إلى أن "توقيت إعلان بري أتى أيضاً بعد كسر حلقة الجمود بينه وبين سورية، وربما هناك تنسيق مع النظام السوري، باعتبار أن فرنجية مرشح وصديق بري، كما أنه صديق خاص لعائلة بشار الأسد".
تبعاً لذلك، يعتبر العريضي أن "اللعبة مفتوحة على كل الاحتمالات، وقد ندخل مرحلة حرق الأسماء، في ظل وجود مرشحين اثنين طبيعيين هما فرنجية وقائد الجيش، لكن تاريخ الاستحقاق معروف، فلا رئيس يُنتخب في لبنان من دون تسوية دولية إقليمية، وهذه اللحظة لم تأتِ بعد"، مشيراً إلى أن "بري أوقف جلسات الانتخاب، وهناك لقاءات متكررة يعقدها مع سفيرتي أميركا وفرنسا في لبنان، وربما عندما تكتمل المعطيات ويأتي اسم الرئيس المتوافق عليه دولياً وعربياً، وتحديداً سعودياً، قد يدعو لجلسة انتخاب".