تتراجع مجدداً نبرة التفاؤل في العراق، بقرب التوصل إلى حلّ للأزمة السياسية التي تقارب إكمال عامها الأول منذ إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وعلى الرغم من التوقعات بحراك سياسي لدفع الحل بعد انتهاء زيارة الأربعين الدينية، والتي كانت بمثابة الهدنة السياسية بين معسكري الأزمة، "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي"، إلا أن أي حراك إيجابي لم يظهر من الطرفين.
بل على العكس، أصدر "الإطار التنسيقي"، الذي يضم القوى والأحزاب الحليفة لطهران، موقفاً متشدداً حيال التمسك بمرشحه محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة، التي لم يحدد ملامح مدتها الزمنية أو برنامجها الحكومي.
كما أن القوى الكردية والعربية السنّية، ما زالت تتوحد في موقفها حيال رفض الذهاب باتجاه تشكيل أي حكومة جديدة من دون وجود تفاهم مع "التيار الصدري" وزعيمه مقتدى الصدر، محذرة من مآلات خطيرة لمحاولات فرض إرادات أو ليّ أذرع بين طرفي الأزمة.
مقتدى الصدر لا يستقبل أحداً
وحتى عصر أمس الأربعاء، كان الممثل السياسي لقوى "الإطار التنسيقي"، هادي العامري، يفشل في عقد أي اجتماع مع زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، إذ كان يسعى إلى جانب قيادات سياسية أخرى، كردية وعربية سنّية، لزيارة الصدر في النجف والتفاهم معه على تصور جديد للحل. في وقت أشارت فيه مصادر سياسية متطابقة في بغداد، عن "دفع" موعد إعادة استئناف جلسات البرلمان، إلى وقت آخر من قبل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتحت عذر "تجنّب التصعيد مع التيار الصدري".
القوى الكردية والعربية ما زالت تتوحد في موقفها حيال رفض الذهاب لتشكيل الحكومة من دون التفاهم مع التيار الصدري
وأبلغ مسؤولان سياسيان بارزان في بغداد، أحدهما نائب في البرلمان وعضو بارز في "الإطار التنسيقي"، "العربي الجديد"، أن محاولات لقاء الصدر في النجف من قبل اللجنة السياسية المقترحة لتفكيك الأزمة، والتي تشمل نيجيرفان البارزاني ومحمد الحلبوسي وهادي العامري، "لم تحقق أي تقدم، والصدر ما زال يغلق بابه أمام أي محاولات سياسية من هذا النوع".
وذكر النائب أن شخصيات إيرانية، لم يحدد هويتها، حاولت أيضاً عقد لقاءات مع الصدر خلال زيارتها النجف بمناسبة أربعينية الإمام الحسين، لكنه اعتذر عن استقبال أحد، معتبراً أن "العارف بتاريخ الصدر في مثل هذه الأزمات، عليه ألا يرتاح لذلك، ويتوقع تصعيداً في حال تم اتخاذ خطوة تجاه الحكومة أو استئناف عمل البرلمان".
وأكد المسؤول الآخر المعلومات المتعلقة باعتذار تحالف "السيادة" (بقيادة خميس الخنجر والمتحالف مع التيار الصدري) والحزب الديمقراطي الكردستاني، عن الدخول في أي مفاوضات حول الحكومة الجديدة قبل تسوية أوضاع "الإطار التنسيقي" مع الصدر.
وأضاف أن "الإطار التنسيقي كان يهاجم السيادة والديمقراطي الكردستاني بكونهما يقوّيان طرفاً شيعياً على آخر، واليوم وفق هذا المعيار لا يمكن للتحالفين الذهاب مع طرف شيعي دون الآخر".
بدوره، أكد قيادي بارز في "التيار الصدري"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن موقف التيار "ثابت في ما يتعلق برفض أي حكومة تُشكّل من قبل الإطار التنسيقي، وطلبه حلّ مجلس النواب وتحديد موعد للانتخابات المبكرة". وأكد أن "أي جلسة برلمانية لتشكيل الحكومة، سوف يمنعها الصدريون من خلال الاحتجاج الشعبي كما حصل سابقاً". وأضاف أن "محاولة فرض معادلة الخاسر والرابح من قبل بعض أطراف الإطار التنسيقي، في هذه الأزمة، لن يتقبلها جمهور التيار الصدري".
في غضون ذلك، لا يزال الخلاف الكردي - الكردي على منصب رئاسة الجمهورية مستمراً، مع تمسك الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، بمرشحيهما لرئاسة الجمهورية.
وقال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، مهدي عبد الكريم، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنه "حتى الساعة لا توجد أي بوادر لحل الأزمة السياسية في العراق، مع مخاوف من التصعيد في الشارع في حال أقدم الإطار التنسيقي على عقد أي جلسة برلمانية خلال الأيام المقبلة بلا تفاهم حول ذلك مع التيار الصدري".
سيمنع التيار عقد أي جلسة برلمانية لتشكيل الحكومة، من خلال الاحتجاج الشعبي
وأضاف عبد الكريم، أنه "كان هناك تفاؤل بحل الأزمة السياسية في العراق بعد انتهاء عطلة زيارة الأربعين، لكن مرّ أسبوع على انتهاء العطلة ولا حلول قريبة ولا توجد أي بوادر لحل الخلافات، مع تمسك كل جهة سياسية بموقفها من دون تقديم أي تنازل".
وحذّر القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، من أن "بقاء الأزمة السياسية بلا حلول خلال الأيام المقبلة، سوف يعمّقها، وسيدفع الأطراف السياسية إلى التصعيد السياسي والإعلامي، وقد يدفع إلى التصعيد الشعبي في الشارع".
سباقٌ مع الوقت لتفادي ضغط الشارع
من جهته، قال القيادي في "الإطار التنسيقي" عائد الهلالي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنه "حتى الساعة لا بوادر لحل الأزمة السياسية في العراق، على الرغم من كل المحاولات والوساطات، كما أنه لا يوجد أي موعد ثابت ومقرر للاجتماع بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والوفد السياسي الذي يمثل الأطراف السياسية الكبيرة في المشهد".
شخصيات إيرانية، حاولت عقد لقاءات مع الصدر خلال زيارتها النجف، لكنه اعتذر
وأقر الهلالي بـ"وجود صعوبة في عقد أي جلسة للبرلمان من دون وجود تفاهم واتفاق مسبق بين التيار الصدري والإطار التنسيقي"، مضيفاً أن "المضي بعقد الجلسة من دون موافقة الصدريين، ربما يدفع إلى التصعيد في الشارع من جديد من قبل أنصار الصدر". وأكد "استمرار المساعي لإيجاد حلول للأزمة السياسية والتي تجري من قبل أطراف عدة، لكن لا بوادر للحل القريب صراحةً، ونأمل حصول تفاهمات لحل الخلافات خلال الأيام المقبلة".
وكان "الإطار التنسيقي" قد جدّد تمسكه بمرشحه لرئاسة الحكومة، محمد شياع السوداني، وذلك في بيان أصدره يوم الإثنين الماضي بعد اجتماع لقياداته، واصفاً كل ما يثار غير ذلك، بأنه "إشاعات".
وتعليقاً على الوضع القائم، قال رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الإطار التنسيقي يحاول عقد جلسة لمجلس النواب بأسرع وقت قبل تظاهرات التشرينيين الذين أعلنوا عنها والتي ستكون في الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، خصوصاً أن الإطار التنسيقي متخوف من أن يكون هناك تحالف بين قوى تشرين والتيار الصدري، لذا يحاول التواصل مع الكتل السياسية لإيجاد تفاهمات سريعة لعقد جلسة للبرلمان خلال الأيام المقبلة".
وأضاف الشمري أن "حوارات الإطار التنسيقي ومحاولاتهم مع باقي القوى السياسية لم تثمر عن اتفاق لعقد جلسة للبرلمان لغاية الآن، لعدم وجود قناعات كاملة لدى تلك القوى، خصوصاً أنها متخوفة من طبيعة رد فعل أتباع التيار الصدري والقوى المدنية في حال عقد جلسة لمجلس النواب، لأنهم محبطون من الطبقة السياسية الحالية". واستبعد لهذه الأسباب "انعقاد أي جلسة برلمانية قريباً".
وبيّن الشمري أن الصدر "أعلنها سابقاً بتأكيد رفضه تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي لن تكون هناك مساحة قبول من الصدريين بتشكيل حكومة جديدة برئاسة السوداني، كما أن تظاهرات الصدريين ستعود في حال تم تحديد موعد لعقد جلسة للبرلمان، بمعزل عنهم، أو بحدوث توافق خارج عنهم".