كيف علّقت المعارضة التونسية على دخول دستور قيس سعيّد حيّز التنفيذ؟

17 اغسطس 2022
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات أمس قبول مشروع الدّستور الجديد (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

اعتبر ممثلو الأحزاب المعارضة في تونس، أن دخول الدستور حيّز التنفيذ هو حلقة جديدة في مسار الانقلاب، وفصل جديد في مسار تكريس حكم الفرد على حساب مكاسب الديمقراطية التي تحققت في تونس بعد الثورة.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أمس الثلاثاء، قبول مشروع الدّستور الجديد، بعد رفض الطعون في نتائج الاستفتاء من قبل المحكمة الإدارية، وبعد نيله ثقة المصوّتين في الاستفتاء عليه بنسبة 94.60 بالمائة في 25 يوليو/تموز الماضي. ويدخل الدستور الجديد حيّز التنفيذ بإعلان النتائج النهائية بحسب القانون المنظم للاستفتاء.

وعلّق القيادي في حزب النهضة، العجمي الوريمي، في تصريح لـ"العربي الجديد" على التطورات، مشيراً إلى أن "هذا الدستور هو فصل جديد وحلقة أخرى من انقلاب قيس سعيّد"، مبيناً أنه "لن يغير شيئاً في المشهد، ولن يكون له دور في حلّ الأزمة، ولن يحلّ مشاكل التونسيين، بل إنه أضاف أزمة جديدة إلى الأزمة القائمة".

ولفت الوريمي إلى أن "الدستور مرتبط بصاحبه قيس سعيّد، الذي يرفض أن يحلّ المشكل، أو أن يشرك أي طرف في الحلّ، وما وقع هو محاولة لإضفاء مشروعية على ممارسته السلطة منذ الانقلاب إلى الآن، وهو يريد إضفاء شرعية على حكمه الفردي الاستبدادي الديكتاتوري". وبيّن أن "سعيّد بدل العودة إلى الشرعية التي يقضيها دستور 2014 بعد إعلان التدابير الاستثنائية بحسب الفصل الـ80، اختار أن يخلق شرعية جديدة، ويستديم الأمر 117 المنظم للسلطات وحوّله إلى دستور".

وشدد على أن "ما حدث هو تكريس لخياره الاستبدادي الدكتاتوري، على حساب مكاسب الثورة والدستورية والديمقراطية"، مشيراً إلى أن "دخول الدستور التنفيذ لن يحلّ المشكلة، وسيُفرض بالقوة التي اختارها قيس سعيّد، ولكنه سيضيّق في المقابل هامش الحل الوطني، وسيزيد من عزلته وعزلة نظامه، لأنه استمرار في الخطأ".

وبيّن أن "الشعب سيدفع كلفة باهظة جداً على هذا الدستور، على حساب حريته وعدالته الاجتماعية، واستقرار المؤسسات ومصداقيتها، والمشاركة السياسية".

"دستور انقلاب"

من جهته، رأى رئيس المكتب السياسي لحزب ائتلاف الكرامة يسري الدالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذا الدستور "فاقد للشرعية والمشروعية، وهو دستور لا نعترف به في ائتلاف الكرامة وكذلك في جبهة الخلاص، لأنه دستور انقلاب، تم توظيف الاستفتاء لإكسابه شرعية عبر 30 أو25 بالمائة من الأصوات المشكوك فيها، والتي لا نعلم من أين جاءت". وقال: "لا شيء تغير، سوف نبقى في صف المطالبين بإصلاح المسار الديمقراطي واسترجاعه من هذا الانقلاب على الدستور والشرعية وعلى مؤسسات الدولة، وسنواصل النضال من أجل ذلك".

ولفت إلى أن "من رفض الانقلاب والاستفتاء والدستور الاستبدادي لن يقبل بأن يكون شاهد زور، ولن يغير موقفه بسبب فرض الدستور بقوة الأمر الواقع أو يشارك في الانتخابات المقبلة ويعتبرها نزيهة وشفافة، فما بُني على باطل هو باطل".

واستغرب الدالي "مواقف بعض الدول، كفرنسا والسعودية والصين ومصر والإمارات والجزائر.. لمباركتها الاستفتاء وهذا الدستور".

خطوة تصعيدية

في غضون ذلك، اعتبر القيادي في حزب العمل والإنجاز أحمد النفاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "دخول هذا الدستور حيّز التنفيذ لن يغير شيئاً في قناعات المعارضة، أو في رسم مشهد سياسي جديد، وسيظل الحال على ما هو عليه، إلى حين القيام بإصلاحات حقيقية تحت الشرعية الدستورية الحقيقية".

وذكّر بأن كل "الفريق السياسي المعارض قاطع روزنامة قيس سعيّد في كل المحطات التي اقترحها، بدءاً من الاستشارة، ووصولاً إلى ما سُمّي الاستفتاء الذي لم تتوافر فيه الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى عملية انتخابية سليمة".

وقال النفاتي إن "كل المؤشرات تقول إن الجسم المعارض في تونس لن يقبل بهذا الدستور لعدة أسباب، أهمها أنه يعتبرونه من مخرجات الانقلاب، وما بني على باطل فهو باطل. زد على ذلك ما شاب العملية الانتخابية من شبهات قوية في التزوير، وهو ما مثّل تصعيداً من قبل السلطة القائمة في اتجاه الأزمة السياسية في البلاد. وبناءً عليه لا تزال المعارضة في ديناميكية نضالية نشيطة لمعارضة المسار غير الدستوري ومخرجاته".

وبيّن النفاتي أن "دستور قيس سعيّد يُعتبر خطوة تصعيدية لفرض أمر واقع، علماً أنه صادر من قرار أحادي لم تشارك فيه كل الأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات وهيئات وطنية. وهو ما يجعله فاقداً للمشروعية، وإن المحكمة الإدارية تفاعلت مع الطعون المقدمة تفاعلاً شكلياً، دون النظر في دستورية الخطوة وفي المناخ العام الذي أحاط بالعملية الانتخابية، وهذا من صلب مهام المحكمة الدستورية التي ساهم السيد قيس سعيّد في عرقلة تشكلها"، بحسب تعبيره.

بدوره، اعتبر القيادي في حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري محمد الجلاصي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "دخول الدستور حيّز النفاذ هو ترسيخ لحالة الاستثناء، واستدامة لتنفيذ الأمر الرئاسي 117 المنظم للسلطة، الذي علّق به دستور 2014 واستحوذ من خلاله على السلطات، فهذا الدستور سيكرس ويؤسس حكم الاستبداد وحكم الفرد في نظام أكثر من رئاسي ممثل في شخص قيس سعيّد، وهو ما عشناه طوال الفترة الاستثنائية".

وشدد على أنه "لن يتغير شيء، فالرئيس هو الماسك للسلطات، وهو من يعيّن الحكومة ويشرّع بمفرده، فهو دسترة للأمر 117 واستمرار للحكم الفردي".

وبيّن أن "موقف الحزب مبدئي برفضه تعسف الرئيس وتأويله دستور 2014 بشكل انفرادي، فعارض الانقلاب على الدستور، وموقفه ثابت لن يتغير". ولفت الجلاصي إلى أن "الحزب قبل انقلاب 25 يوليو، كان موقفه مبدئياً، لاعتبار أن مشاكل تونس اقتصادية وليست في تغيير الدستور، فمنذ 2019، تأزم الوضع ورئيس الجمهورية لم يلعب دوره كحكم بين الفرقاء السياسيين، بل اختار أن يكون خصماً وسبّب تأزيم الوضع واستثمر في المشهد الرديء".

أمّا القيادي في حراك مواطنون ضد الانقلاب، زهير إسماعيل، فوصف في تعليق لـ"العربي الجديد" دخول الدستور حيّز النفاذ بـ"اللاحدث"، "فالرجل مرّ إلى تنفيذ دستوره حتى قبل عرضه على الاستفتاء"، ذلك أن "دستور قيس سعيّد الذي خطّه بنفسه وتدارك ما تسرّب إليه من أخطاء هو في حقيقته توسيع للمرسوم 117 الانقلابي". وأشار إلى أن "النسب المشار إليها في الندوة مشكوك في صحتها، وترتبط بشبهات تزوير قوية، تدعمها أسباب فعلية، منها أن هيئة الانتخابات منصّبة ومن ثم غير مستقلة، مع غياب شبه مطلق لمراقبين مستقلين. ومع ذلك فإنّ النسب المعلنة لا تستجيب للمعايير الدولية في الاستفتاء على الدساتير".

وتابع: "ما بقي في الذهن بعد كلّ هذا، أن نسبة 75% من الجسم الانتخابي قاطعت الاستفتاء، سواء مقاطعة نشيطة أو سلبية. فالأصل في الدساتير أنّها تعبير عن عقد جماعي ينظم علاقة الدولة بالمجتمع والعلاقة بين المؤسسات والأفراد، لذلك يكون حولها إجماع وليس نسبة 25% منهم"، حسب تعبيره.

وقال إسماعيل إن "عمر دستور سعيّد مرتبط بمصير الانقلاب، وهو لا يحتاجه لدسترة حكمه الفردي المطلق الذي فرضه بقوة الأجهزة قبل كتابته"، خاتماً حديثه بالقول: "سيكون نصاً منسياً في وقت قياسي".

المساهمون