بعد أكثر من أربع سنوات على توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الكولومبية و"القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك)، لإنهاء نزاع بدأ عام 1964، اتهمت المحكمة الخاصة بالسلام الكولومبية، مساء أمس الخميس، ثمانية من قادة "فارك" بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، طيلة عقود القتال. وعلى الرغم من ضرورة إحقاق العدالة، إلا أن الاتهامات أثارت المخاوف من احتمال إطاحة اتفاق السلام.
الاتهام هو الأول من نوعه منذ توقيع اتفاق السلام عام 2016
وتلت القاضية جولييتا لوميتر لائحة الاتهامات، مشيرة إلى أن "حرمان الناس من حريتهم ووضع الشروط للإفراج عنهم، فضلاً عن تهديد سلامتهم وحياتهم واتخاذهم رهائن كان جريمة حرب". وأضافت أن الجرائم لم تقتصر على الخطف "ولكن أيضاً القتل والتعذيب والعنف الجنسي والتهجير القسري"، أثناء الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 260 ألف شخص وشرّد الملايين. مع العلم أن "فارك" نظمت عمليات اختطاف مدنيين، بمن فيهم أميركيون، من أجل الحصول على أموال لتمويل حربها للإطاحة بالدولة الكولومبية. وذكرت المحكمة في حكمها المؤلف من 322 صفحة، أنها وثقت أكثر من 21 ألف حالة اختطاف وعملت مع أكثر من ألفي ضحية لإعادة بناء الأحداث وتحديد المسؤولين. وشدّدت في بيان على أن "القانون الجنائي الدولي يعتبر احتجاز الرهائن من أخطر انتهاكات القانون الإنساني الدولي". وطاولت الاتهامات رودريغو لوندونيو، المعروف باسمين حركيين، تيموليون خيمينز وتيموشنكو. وأمامه مع رفاقه 30 يوماً إما لقبول الاتهامات ومواجهة القيود على حرياتهم من خمس إلى ثماني سنوات، أو تقديم طعن للمحكمة، ما قد يؤدي إلى سجنهم 20 عاماً، في حال عدم أخذ المحكمة بمبررات الطعن. وذكر لوندونيو وخمسة قادة سابقون آخرون في بيان، أنهم يقيّمون خياراتهم مع محاميهم. لكنهم وصفوا التزامهم بنظام العدالة الانتقالية بأنه "لا رجوع فيه"، وشدّدوا على أنهم تعاونوا بالفعل مع تحقيقات المحكمة في عمليات الاختطاف.
وذكر الصحافي خوان فوريرو في صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن القرار هو الأول من نوعه ضد "فارك"، لافتاً إلى أن الباحثين في الصراع الكولومبي والضحايا والمفاوضين على اتفاق السلام، اعتبروا أن الاتهام إشارة للمنتقدين بأن "فارك" استفادت من عملية السلام، من دون خوف من العقاب. وقال مدير "مركز تحليل النزاعات"، وهي مجموعة بحثية مقرها في العاصمة بوغوتا، خورخي ريستريبو، إن الاتهام علامة مشجعة، إذ "لم نتمكن من قبل من توجيه اتهام كهذا ضد رجال العصابات".
مع العلم أنه سبق أن وافق حوالي 13 ألف متمرد من "فارك" على إلقاء أسلحتهم وتحوّلهم إلى حزب سياسي، مع مقاعد مضمونة في الكونغرس، بموجب اتفاق السلام. وتضمن اتفاق 2016 ضرورة "التعاون مع لجنة الحقيقة" لكشف أسماء الضحايا ومرتكبي الجرائم، والكشف عن تفاصيل الفظائع كجزء من عملية المصالحة. لكن اتهام المحكمة لقادة "فارك" بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، سيمنعهم من الحصول على عفو، وفقاً للباحث في مركز "ديجوستيسيا" للعدالة الانتقالية أليخاندرو خيمينيز، معتبراً أن الحكم "اعتراف بالضحايا".
في المقابل، وصفت عائلات الضحايا الحكم بـ"أول خطوة مهمة". واعتبرت سوزي أبيتبول أنها والعائلات ينتظرون ما سيكشفه المتمردون ونوع العدالة التي يتم إصدارها، ودعت إلى وجوب فقدان قادة "فارك" حريتهم مثلما فُقدت حرية من كانوا في الأسر. وكان زوج أبيتبول، النقيب في الشرطة إدغار دوارتي، قد بقي في أيدي "فارك" 13 عاماً، قبل مقتله في عام 2011، أثناء محاولة عسكرية فاشلة لتحريره. وشدّدت زوجته على "عدم إرسال قادة فارك إلى مزرعة ما"، في إشارة إلى احتمال فرض أحكام بسيطة عليهم، مشيرة إلى "ضرورة اعترافهم بجرائمهم".
أعلن قادة "فارك" أنهم سيقيّمون الحكم مع محاميهم
من جهتها، أبدت كارولينا شاري أملها في أن يُبعد قادة "فارك" أنفسهم عن العمل السياسي طوعاً لتنفيذ عقوبتهم. وكان والد كارولينا، كارلوس ألبرتو، قد قُتل على يد المتمردين. واعتبرت أن "قادة فارك اعترفوا بارتكاب عمليات خطف وانتهاك ضد الإنسانية، لكننا نريد منهم أن يقولوا (نعم فعلناها) من دون أن يتهرّبوا من المسؤولية".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أقرّ قادة "فارك" بمسؤوليتهم رسمياً عن قتل الزعيم المحافظ ألفارو غوميز هورتادو عام 1995. وذكرت المحكمة الخاصة بالسلام في حينه أن القادة أعلنوا في خطاب تحمل المسؤولية عن 6 جرائم قتل وقعت بين عامي 1987 و2002. ومن بين الضحايا الجنرال في الجيش فرناندو لانداسابال رييس، والمشرّع بابلو إميليو غوارين.
ومع أن "فارك" رمت السلاح في عام 2016، إلا أن منشقين عنها ومسلحين من جماعات أخرى واصلوا القتال. وفي تقرير له عن حصيلة العام الماضي، ذكر الجنرال في الجيش لويس فرناندو نافارو، أن الجماعات خسرت 5120 فرداً من عناصرها عام 2020. وأشار إلى أن الرقم يشمل القتلى والمعتقلين، والهاربين من "الجيش الوطني للتحرير" والمنشقين عن "فارك". وقال: "ليست لديهم القدرة على التعافي من الأضرار التي سببتها السلطات الكولومبية، ولهذا نعتقد أن خططهم تركز على الاحتواء، وهدفنا هو نقلهم إلى نقطة تحول".