يستمر التصعيد الميداني في شمال كوسوفو، بين الشرطة والأقلية الصربية، غير أن إصابة 30 عنصراً من قوات حلف شمال الأطلسي "كفور"، المنتشرة في المنطقة منذ عام 1999، تنقل المواجهة إلى مستوى أكثر خطورة.
وكان التوتر قد اندلع يوم الجمعة الماضي، على خلفية رفض الصرب تسلّم كوسوفيين من أصل ألباني رئاسة بلديات يشكلون غالبية فيها، وذلك بموجب انتخابات محلية أُجريت في 23 إبريل/نيسان الماضي، وقاطعتها الأقلية البالغة نسبتها 4 في المائة من كوسوفو. والبلديات المعنية هي: ليبوسافيتش، وميتروفيتسا، وزوبين بوتوك، وزفيتشان.
إصابة 30 جندياً من الأطلسي
وأمس الثلاثاء، أعلنت "كفور"، ارتفاع عدد جنودها المصابين في الاشتباكات العنيفة مع الصرب إلى 30، مشيرة في بيان إلى أن 11 جندياً إيطالياً، و19 جندياً مجرياً "أصيبوا بجروح متفرقة، من بينها كسور وحروق جراء انفجار عبوات حارقة ناسفة". وأضاف البيان أن "ثلاثة جنود مجريين أصيبوا بسبب المقذوفات النارية، لكن إصاباتهم غير خطرة".
وكان الصرب قد اشتبكوا مع قوات البعثة في بلدية زفيتشان التي تبعد 45 كيلومتراً شمالي العاصمة، بريشتينا. وأوضح وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاجاني أن 11 جندياً إيطالياً أصيبوا "ثلاثة منهم في حال خطرة"، فيما عبّرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، مساء الاثنين، عن "تنديدها الشديد"، داعية "كل الأطراف إلى أخذ خطوة إلى الوراء وخفض التوترات". وأكدت ميلوني: "لن نتسامح مع مزيد من الهجمات على كفور"، مشددة على أنّه "من الضروري أن تتجنب سلطات كوسوفو مزيداً من الأفعال الأحادية".
وأشار وزير الدفاع المجري كريشتوف سالاي بوبروفنيتسكي في تعليق على "فيسبوك" إلى أن "أكثر من 20 جندياً مجرياً" بين المصابين، سبعة منهم بحال خطرة لكن وضعهم مستقر.
أمضى الرئيس الصربي ليل الاثنين ـ الثلاثاء مع جيشه على حدود كوسوفو
وأول من أمس الاثنين، أطلقت شرطة كوسوفو غازاً مسيلاً للدموع لتفريق متظاهرين صرب كانوا يحتجون أمام مبنى بلدية زفيتشان، وحاولوا الدخول إلى المبنى، بحسب "فرانس برس".
وحاولت "كفور" إبعاد المتظاهرين عن الشرطة، ثم بدأت لاحقاً بتفريق الحشود باستخدام الدروع والهراوات. ورد العديد من المتظاهرين بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة باتجاه الجنود، وجرى صدهم بسرعة على بعد مئات الأمتار من بلدية زفيتشان. وقالت شرطة كوسوفو إنها اعتقلت أربعة أشخاص.
وشدّد قائد "كفور"، الميجور جنرال أنجيلو ميشيل ريستوتشيا، على أنه "يتعين على كلا الطرفين تحمل المسؤولية الكاملة عما حدث، ومنع مزيد من التصعيد بدلاً من الاختباء خلف روايات كاذبة". وندّد بما وصفه بـ"هجمات غير مقبولة"، مؤكداً أن قوّته "ستواصل أداء مهمتها بحيادية".
ودان حلف شمال الأطلسي "بشدة"، مساء الاثنين، الهجمات "غير المقبولة" على قوته، مشدّداً في بيان على "وجوب أن يتوقف العنف فوراً". وتابع الحلف: "ندعو كل الأطراف إلى الامتناع عن أفعال تؤجج التوترات، والانخراط في حوار". ويبلغ عدد عناصر "كفور" في كوسوفو 3800 جندي.
وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إن 52 صربياً أصيبوا، ثلاثة منهم بجروح خطرة، فيما أصيب أحدهم "بعيارين ناريين أطلقتهما قوات خاصة (من إتنية) ألبانية". وتوجه فوتشيتش إلى "الأمة" مساء الاثنين، بالقول إنه سيقضي الليلة (ليل الاثنين ـ الثلاثاء) مع قواته على الحدود مع كوسوفو الذين جرى وضعهم في حالة تأهب قصوى، بناء على أوامره الأسبوع الماضي.
وأكد فوتشيتش أن "عواقب (الاشتباكات) كبيرة وخطيرة والمذنب الوحيد هو (رئيس وزراء كوسوفو) ألبين كورتي". وقال: "أكرر للمرة الأخيرة وأرجو من المجتمع الدولي التأكد من أن ألبين كورتي هو السبب. إذا لم يفعلوا ذلك، أخشى أن يكون الوقت قد فات بالنسبة لنا جميعاً". ووصف القوات الكوسوفية بـ"المحتلين".
وفي باريس، دانت وزارة الخارجية الفرنسية بـ"أشدّ العبارات أعمال العنف هذه"، داعية كلاً من بلغراد وبريشتينا إلى "العودة إلى طاولة المفاوضات" بهدف التوصّل إلى تسوية. وأضافت الوزارة في بيان أنه "لا يمكننا أن نتساهل مع تعرّض الاستقرار الإقليمي للخطر في ظل سياق دولي حرج. هذه مسألة تتعلّق بأمن أوروبا".
لافروف: هناك انفجار كبير يلوح في الأفق في قلب أوروبا
ودعا الاتحاد الأوروبي صربيا وكوسوفو إلى تطبيع العلاقات إذا كانا يريدان إحراز أي تقدم نحو الانضمام إلى الكتلة. من جانبه، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أول من أمس الاثنين، أن "الصرب يقاتلون من أجل حقوقهم في شمال كوسوفو"، معتبراً أن الجيش في حال تأهّب و"القرار سيتّخذه الرئيس الصربي".
وقال لافروف خلال زيارة لكينيا تعليقاً على تدخل الأطلسي عام 1999 ضد بلغراد والذي أنهى الحرب بين القوات الصربية والمقاتلين الألبان في كوسوفو: "هناك انفجار كبير يلوح في الأفق في قلب أوروبا" السابقة. وقال السفير الأميركي لدى كوسوفو جيفري هوفنير إنه يدين الهجمات على قوات حفظ السلام، داعياً إلى خفض التوتر.
الصرب ومقاطعة الانتخابات
وقاطع الصرب، الذين غادر ممثلوهم السياسيون الإدارات المحلية في شمال كوسوفو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في سياق مواجهة بين بلغراد وبريشتينا، الانتخابات البلدية التي نظمتها حكومة كوسوفو في إبريل لإنهاء الفراغ المؤسسي.
وفاز رؤساء البلديات الألبان في أربع بلديات معظم سكّانها من الصرب الذين قاطعوا هذه الانتخابات إلى حدّ كبير، إذ لم يشارك في الاقتراع سوى 1500 ناخب من أصل 45 ألفاً مسجلين. ويعيش نحو 120 ألف صربي في كوسوفو التي يبلغ عدد سكانها 1,8 مليون نسمة غالبيتهم الساحقة من الألبان.
واعتباراً من الجمعة الماضي، دعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا سلطات كوسوفو إلى "التراجع فوراً واحتواء التصعيد". وعبرت هذه الدول في بيان مشترك عن "قلقها إزاء قرار صربيا رفع مستوى تأهب قواتها المسلحة عند الحدود مع كوسوفو".
وتشهد كوسوفو (الإقليم الصربي السابق الذي أعلن استقلاله في 2008) مواجهات متكررة في الشمال، حيث تشجّع بلغراد الصرب على تحدي سلطات البلاد التي تسعى لفرض سيادتها على المنطقة بأكملها. ولم يكن التوتر الأخير مستجداً، غير أن تصاعده يُنذر بنشوب حرب جديدة في البلقان.
(الأناضول، أسوشييتد برس، فرانس برس، رويترز)