انطلقت الثلاثاء الماضي الجولة الخامسة من المباحثات النووية، التي بدأت في 2 إبريل/نيسان الماضي في فيينا، بين إيران والولايات الأميركية بشكل غير مباشر، بواسطة الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي، بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، لإحياء الاتفاق عبر عودة طهران وواشنطن إلى التزاماتهما فيه.
وتتحدث جميع الأطراف عن "تقدم مهم" في هذه المباحثات. فإيران، من جهتها، تؤكد حصول تفاهمات عامة لحل الخلافات الرئيسية، لكنها، في الوقت ذاته، تشير إلى وجود قضايا عالقة، يستمر التفاوض حولها. كما أن المبعوث الروسي ميخائيل أوليانوف يتحدث بتفاؤل كبير عن نتائج المفاوضات حتى هذه اللحظة، متوقعاً التوصل إلى اتفاق قريباً، معتبراً أن الجولة الخامسة قد تكون الأخيرة. والجانب الأوروبي المتمثل في مندوب المفوضية الأوروبية للسياسة الخارجية إنريكه مورا أيضاً يتحدث بنبرة تفاؤلية، معرباً عن اطمئنانه من إمكانية الوصول إلى اتفاق في مفاوضات فيينا. أما الجانب الأميركي فلا يظهر هذه الدرجة من التفاؤل، مشيراً إلى تحقيق تقدم في هذه المفاوضات، التي وصفها رئيس وفده المفاوض في فيينا روبرت مالي أخيراً بأنها "بناءة"، لكنه، في الوقت ذاته، يؤكد أن "هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به". وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، إن بلاده لم تر بعد أي مؤشر على أن إيران ستفعل ما ينبغي لها فعله، من أجل التقيد بالالتزامات النووية في سبيل رفع العقوبات المفروضة عليها.
الكل مقابل الكل
وعن التقدم الحاصل في المفاوضات حتى هذه اللحظة، تقول مصادر إيرانية مواكبة لمفاوضات فيينا، لـ"العربي الجديد" إن الولايات المتحدة وافقت على رفع جميع العقوبات المرتبطة بالملف النووي الإيراني، والتي رفعت بموجب الاتفاق المبرم في العام 2015، وأعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرضها في 2018 بعد الانسحاب من الاتفاق، أو عقوبات أخرى لا تنسجم مع الاتفاق، "لكنها ما زالت ترفض إلغاء جميع العقوبات. ومقابل إصرار إيران على رفع كل العقوبات، تطرح التفاوض على كل الملفات العالقة بين الطرفين، أي البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية".
تربط واشنطن رفع كل العقوبات بمناقشة جميع الملفات
وتشير المصادر إلى أن رفع العقوبات المرتبطة بالملف النووي لم يكن يشكل مانعاً كبيراً أمام المفاوضات، حيث تؤكد واشنطن استعدادها لرفع العقوبات التي تشمل أهم القطاعات الاقتصادية الإيرانية، "لكن إيران ترى أن رفع هذه العقوبات وحدها لا جدوى منه، إذ من بينها عقوبات أساسية، وضعت مرة أخرى بموجب قانون مكافحة الإرهاب، مثل حظر القطاعين المالي والنفطي". وتوضح أن الإدارة الأميركية ظلت تتمسك بالعقوبات المتصلة بمكافحة الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان والبرنامج الصاروخي، خلال الجولات الثلاث الأولى، "لكنها أبدت مرونة خلال الجولة الرابعة حيال بعض العقوبات المرتبطة بمكافحة الإرهاب، ما شكل اختراقاً مهماً في المفاوضات". وتلفت إلى أنها أعلنت استعدادها لـ"تعليق العقوبات المفروضة على النفط والبنك المركزي الإيرانيين، اللذين أدرجتهما الإدارة الأميركية السابقة تحت إجراءات الحظر بموجب قانون كاتسا" (CAATSA)، وهو قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات، أقره الكونغرس خلال أغسطس/آب 2017.
يشار إلى أن الإدارة الأميركية أدرجت، في إطار قانون "كاتسا" في 2020، مرة أخرى، قطاعات اقتصادية إيرانية رئيسية، مثل البنك المركزي، والصندوق القومي للتنمية، وشركة النفط الوطنية، وشركة حاملات النفط الوطنية، على قائمة العقوبات، بحجة ارتباطها بـ"الحرس الثوري" الإيراني، المصنف من قبل واشنطن كـ"منظمة إرهابية"، في 2019. وهدفت الخطوة بالأساس إلى تفخيخ مسيرة عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي لاحقاً، وخاصة أن استطلاعات الرأي كانت ترجح فوز الرئيس جو بايدن، المؤيد للاتفاق، بالانتخابات الرئاسية الأميركية آنذاك.
وتضيف المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن "ما تطرحه واشنطن هنا هو تعليق العقوبات على الصادرات النفطية والبنك المركزي الإيراني فقط، وليس رفعها"، مشيرة إلى أن ما يعقّد رفع إجراءات الحظر المفروضة في إطار قانون "كاتسا" أنها من صلاحيات الكونغرس الأميركي، وأن الرئيس يمتلك صلاحيات محدودة في ذلك. وتلفت إلى أن تعليق هذا النوع من العقوبات، المرتبطة بقانون مكافحة الإرهاب، مرهون بجداول زمنية تصل إلى ستة أشهر، على أن تتجدد المدة بعد انتهاء الفترة الزمنية، و"من هنا لدى طهران مخاوف من تلاعب أميركي بالأمر، واستخدام تمديد تعليق هذه العقوبات كأداة ضغط". يشار إلى أن البند 112 من قانون "كاتسا" يسمح للرئيس الأميركي بتعليق بعض العقوبات، لفترات زمنية تصل بالحد الأقصى إلى 180 يوماً من خلال إرسال تقرير للكونغرس، وعبر تبرير الأمر بأنه مرتبط بالأمن القومي الأميركي.
وفضلاً عما سبق فإن "الإدارة الأميركية تتعامل (مع الموضوع) وفق مبدأ التجزئة، وأعلنت موافقتها على رفع نحو 700 إجراء حظر من أصل نحو 1500"، حسب المصادر، التي توضح أنها "تعارض إخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة العقوبات، فضلاً عن كيانات وأشخاص آخرين"، مشيرة إلى أن واشنطن "تربط رفع كل العقوبات بمناقشة جميع الملفات".
مطالب أميركية
أما عن الخلاف الثاني، فتقول المصادر المطلعة، لـ"العربي الجديد"، إنه مرتبط بتطوير إيران برنامجها النووي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بعد إنهاء العمل بالكثير من تعهداتها بموجب الاتفاق النووي، رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، مشيرة إلى أنها "مستعدة للعودة لتنفيذ جميع تعهداتها المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، لكن واشنطن تطلب أكثر من ذلك". وتضيف المصادر أن الإدارة الأميركية ترى أنه بعد وقف إيران التزاماتها، قامت بتطوير قدراتها النووية إلى حد بعيد، ولذلك فإن العودة إلى تنفيذ تلك التعهدات لا تكفي، من دون إزالة آثار وقفها. وفي هذا السياق، حسب المصادر، طرحت واشنطن بشكل مجمل خلال المفاوضات ثلاثة مطالب، أولاً حول احتياطيات إيران من اليورانيوم المخصب بدرجات أعلى من 3.67 في المائة، وهو الحد المسموح به بالاتفاق النووي، وثانياً حول أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي أدخلتها في الخدمة خلال السنوات الأخيرة، وثالثاً بشأن تمديد بنود في الاتفاق النووي، لإطالة أمد قيود زمنية على نشاطات نووية، بعضها انتهت وأخرى ستنتهي خلال الأعوام المقبلة. يشار إلى أنه من القيود التي لا تزال قائمة، بيع وشراء السلع ذات الاستخدام المزدوج ومعدات تقليدية تنتهي صلاحيتها في 2023، أو تلك الواردة في القرار 2231 المكمل للاتفاق النووي، والتي ستنتهي في 2025.
بشأن المطلب الأول، تقول المصادر إن "لا مانع لدى إيران أن يتم التعامل مع احتياطيات اليورانيوم المخصب بأكثر من الحد المسموح به (3.67)، وفق القاعدة التي نص عليها الاتفاق النووي"، أي أن يتم نقلها إلى الخارج لبيعها، أو مقايضتها بالوقود بنسبة 20 في المائة لمفاعلاتها. أما حول المطلب الثاني، فتطالب الإدارة الأميركية، وفق المصادر، بتدمير أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي شغّلتها طهران في منشأتي "نطنز" و"فوردو"، "لكن إيران رفضت ذلك رفضاً قاطعاً"، لتطرح روسيا، بدعم صيني، حلاً لوضع جميع هذه الأجهزة في مكان داخل إيران تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على أن يتم إغلاقه بالشمع الأحمر.
رفضت إيران طلباً أميركياً بتدمير أجهزة الطرد المتطورة
وتؤكد المصادر أن الإدارة الأميركية "لم تقبل حتى الآن بهذا المقترح، وثمة أفكار أخرى تجري مناقشتها للوصول إلى حل حول موضوع أجهزة الطرد المركزي"، مضيفة أنها تربط تعليق العقوبات على البنك المركزي والقطاع النفطي الإيراني بهذا الموضوع. وتهدف الإدارة الأميركية من خلال تلك الخطوات إلى زيادة فترة الاختراق النووي إلى أكثر من عام، والتي تحتاجها إيران للوصول إلى مرحلة يمكنها فيها صناعة الأسلحة النووية، وخاصة بعد أن سجلت خطواتها النووية طفرة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتوضح المصادر أن المطلب الثالث يتضمن رفض واشنطن إلغاء الحظر التسليحي على طهران، والذي انتهى بموجب الاتفاق النووي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020، لتُمدد فترة هذا الحظر، متمسكة بالأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن استمرار هذا الحظر.
الخطوة الأولى
أما الخلاف الآخر فيرتبط بطريقة العودة إلى الاتفاق النووي وتنفيذه. ما زال الجانب الإيراني يصر على أن تتخذ الإدارة الأميركية الخطوة الأولى، من خلال رفع جميع العقوبات، وثم تقوم طهران بالتحقق من ذلك قبل تنفيذها تعهداتها. وتقول المصادر المطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن "واشنطن قبلت مبدئياً أن تتخذ الخطوة الأولى، لكنها تعارض رفع العقوبات مرة واحدة، وهي توافق على رفع جزء منها في المرحلة الأولى، لتتحقق بعد ذلك من التزام إيران بتعهداتها النووية". وتضيف المصادر أن واشنطن ترجئ رفع أو تعليق بقية العقوبات التي سيتم الاتفاق عليها، إلى ما بعد التحقق من الالتزامات النووية الإيرانية، "لكن طهران تتمسك بموقفها بعودة الطرفين بالكامل إلى تعهداتهما مرة واحدة"، عبر رفع العقوبات مرة واحدة ومن ثم عودة إيران إلى كامل تعهداتها النووية بعد التحقق من إلغاء العقوبات. علماً بأنه بعد التوقيع على الاتفاق النووي في العام 2015، اتخذت إيران الخطوات الأولى من خلال تنفيذ تعهداتها، حيث تم رفع العقوبات عنها بعد تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من هذا الأمر، لكنها هذه المرة تطالب بالعكس، بحجة أن الولايات المتحدة هي التي انتهكت الاتفاق في بادئ الأمر من خلال انسحابها منها، وهو ما قبلت به الإدارة الأميركية بشكل مبدئي، "لكن من خلال رفع جزئي للعقوبات مقابل عودة إيران الكاملة لتنفيذ تعهداتها النووية، ومن ثم رفع الجزء الآخر من العقوبات"، حسب المصادر.
صياغة المسودات
تؤكد المصادر أن عملية صياغة نصوص المسودات، التي تذكر بعض الأطراف أنه قد بدأ العمل عليها، "ليست حول صياغة مسودة الاتفاق النهائي، بل صياغة ما تم الاتفاق عليه حتى الآن بشأن رفع العقوبات والخطوات التي على إيران اتخاذها"، مشيرة إلى أنه "بعد حل النقاط الخلافية المتبقية حول الملفين، سيتم إدماج المسودات في واحدة للاتفاق النهائي". وتضيف أن "الوقت يشكل عامل ضغط على مفاوضات فيينا للوصول إلى حلول وسط بشأن النقاط الخلافية المتبقية، وخاصة بعد تمديد إيران الاتفاق المؤقت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لشهر واحد فقط (حتى 23 يونيو/حزيران المقبل)"، قائلة إن "الأطراف كثفت جهودها بعد إطلاق الجولة الخامسة لهذا الغرض". غير أن هذه المصادر استبعدت الوصول إلى حلول للقضايا العالقة خلال الجولة الخامسة، و"ربما يستدعي الأمر جولة سادسة، إلا إذا حصلت مفاجآت خلال الأيام المقبلة من خلال إيجاد حلول سريعة للخلافات" التي تؤكد أنها "ما زالت كبيرة". لكن المصادر تؤكد أن "عدم وجود بديل للاتفاق النووي للتعاطي مع الملف النووي الإيراني يشكل عامل ضغط على الإدارة الأميركية المنشغلة بأولويات داخلية وأخرى خارجية، لتقديم تنازلات مهمة في مسألة العقوبات على طهران لإحياء الاتفاق. وإيران، أيضاً من جهتها، بسبب أزمتها الاقتصادية المستعرة قد تجد نفسها مضطرة للقبول بحلول حول القضايا العالقة، لا تلبي جميع مطالبها، وتقدم أيضاً تنازلات".