انتهت معركة الانتخابات وعواصفها إلى الفشل، وسيتمكن الليبيون أخيراً من الاحتفال بذكرى استقلال بلادهم، يوم غد الجمعة، وسيضمنون أيضاً عدم استغلال أصواتهم الانتخابية في إعادة إنتاج مشهد الألم والأزمة في شكل آخر، عبر انتخابات لم يعرف حتى الآن من حدد يوم ذكرى الاستقلال موعداً لإجرائها.
واللافت في الذكرى المقبلة لاستقلال البلاد، أنها لن تلقى اهتماماً رسمياً، كما جرت عليه العادة خلال السنوات الماضية، ما يجعلها ليبية خالصة، من دون مشاركة أطراف وشخصيات باتت تمثّل مصالح الخارج وصراعاته، حتى وصلت إلى حد تقرير مصير البلاد تحت غطاء الديمقراطية التي لم تعرف منها شيئاً، وهي فقط اليوم تتلوّن بلون المرحلة. فتلك الأطراف والشخصيات هي من كانت تشكل طرفي الحرب، قبل أن تتموضع في خريطة الانتخابات وتختزل كل المشهد فيها.
وفور تداول وسائل الإعلام لصور تجمع المرشحيْن للرئاسة، اللواء المتقاعد خليفة حفتر ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا في بنغازي، أول من أمس الثلاثاء، فتّش مدونون ونشطاء عن تصريحات للرجلين للتذكير بمواقفهما السابقة، وسط تساؤلات عن صدق النية وراء المصافحات والترحيب الحار بينهما.
وأبرز ما أُعيد نشره فيديو يؤكد فيه باشاغا أن حفتر "لن يكون ضمن أي تسوية بتاتاً"، فضلاً عن وصفه إياه بـ"مجرم الحرب". أما حفتر، فيعتبر باشاغا "تركيا مولودا في ليبيا"، ولذا فهو "يدعم الغزو التركي" لليبيا.
غير أن الحدث الأكثر إدهاشاً، كان خروج سيف الإسلام القذافي من قمقمه ليعلن عن رغبته في ممارسة الديمقراطية عبر صناديق الانتخابات! هذا فضلاً عن الإقبال الكبير من جانب رموز النظام السابق على الانخراط في العملية الانتخابية كذلك.
كان الحراك الانتخابي طيلة الأشهر الماضية، يختزل الاستحقاق في عدد من الأجسام والشخصيات السياسية، التي لا يزيد عددها على خمسة أشخاص، كلهم من دون استثناء تورطوا في تفاصيل أزمة البلاد التي عصفت بعشر سنوات من عمر الثورة، من دون أي التفات للمترشحين الآخرين الذين ضمتهم قائمة الـ98 مترشحاً للانتخابات الرئاسية. أما أكثر من 5 آلاف مترشح للانتخابات البرلمانية، فلا حديث عنهم أصلاً إلا على هامش أخبار وبيانات المفوضية بين الحين والآخر.
ووسط غمار هذه المعارك والعواصف المتسارعة، كان الليبي متصلاً بالعملية الانتخابية فقط من خلال الرقم المتداول عن عدد الناخبين المسجلين رسمياً، والبالغ 2.5 مليون مواطن، وهو الرقم الذي لم يغب عن تصريحات أي مترشح للرئاسة، بالقول إنه جاء تحقيقاً لرغبة هذا العدد من المواطنين في الانتخابات والمضي نحو مرحلة الاستقرار الدائم. لكن غاب عن هؤلاء المترشحين أن هذا العدد بات يدرك جيداً أن الاستقرار لن يتحقق باستمرار وجود عوامل التأزيم التي تسعى للبقاء، وهذه المرة تحت غطاء العملية الديمقراطية.