لم تكن الخلافات بين قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان من جهة، وقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) من جهة أخرى، وليدة اللحظة، بل بدأت تتصاعد منذ العام 2021.
في مايو/أيار 2021، وقعت الخلافات حول النفوذ والسلطة، وكادت أن تتحول إلى معارك بين الطرفين، لكن وساطة رئيس الوزراء حينها عبد الله حمدوك، وأعضاء مدنيين من مجلس السيادة، نزعت فتيل الأزمة، وتوجت بمصالحة بين الرجلين في منزل حمدوك بضاحية كافوري، شمالي الخرطوم.
بعد المصالحة تلك، توافق الطرفان على قلب نظام الحكم، وإنهاء الشراكة مع قوى إعلان الحرية والتغيير، وسار المخطط التوافقي حتى يوم تنفيذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو اليوم الذي قال عنه حميدتي، إنه عايش معه خدعة الانقلاب الذي شاركت فيه قواته بفاعلية، بوجود أجندة للبرهان بإعادة نظام الرئيس المعزول عمر البشير للسلطة.
بعد أشهر، خرج قائد الدعم السريع للعلن، وأعلن فشل الانقلاب، والعجز عن تشكيل حكومة تنفيذية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وتدهورالأوضاع الأمنية، واعتكف في إقليم دارفور، غربي السودان، ثم تحدث عن أياد للاستخبارات العسكرية تحرك قلاقل في أفريقيا الوسطى، منتقداً آداء الأجهزة الأمنية الموالية لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
في الربع الأخير من العام الماضي، أعلن حميدتي وبشكل منفرد تأييده لمشروع دستور انتقالي أعدته نقابة المحامين السودانيين ينص على إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم، ودمج كل القوات الأخرى في الجيش السوداني، في عملية إصلاح أمني وعسكري شامل، تنتهي بقيام جيش مهني واحد وبعقيدة عسكرية واحدة.
ببروز مقترحات للتسوية السياسية بين العسكر والمدنيين، تحت رعاية إقليمية ودولية، في أغسطس/آب الماضي، بدا قائد الدعم السريع أكثر حماسة للتسوية، على عكس قائد الجيش الذي قبلها بتحفظ شديد.
في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقّع البرهان وحميدتي بصورة منفصلة على اتفاق إطاري مبدئي مع المدنيين لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، يكتمل بعقد 5 ورش تدرج توصياتها في الاتفاق النهائي. خصصت تلك الورش للإصلاح الأمني والعسكري، واستكمال عملية السلام، وتجديد خريطة الطريق لتفكيك نظام البشير، ولبحث ملف شرقي السودان، والعدالة والعدالة الانتقالية.
ورغم توقيعه على الاتفاق الإطاري، خرج قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في أكثر من مناسبة مشترطاً لتنفيذ تعهداته بالسير في الاتفاق الإطاري، دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وفي فبراير/شباط الماضي، وصلت الخلافات إلى ذروتها، وخرج قائد الدعم السريع ببيان رسمي يعلن فيه ندمه على المشاركة في انقلاب 25 أكتوبر، وتلا ذلك تعثر عقد ورشة الإصلاح الأمني والعسكري بسبب خلافات الطرفين.
في 15 مارس/آذار، وتحت رعاية ووساطة اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، وقّع البرهان وحميدتي على ورقة مبادئ الإصلاح الأمني والعسكري، التي حددت السقف الأقصى لدمج الدعم السريع في الجيش بعشر سنوات، ووافقا على قيام الورشة في الـ26 من الشهر نفسه، لكنها لم تنته إلى نتيجة، وانسحب منها ممثلو الجيش احتجاجاً على ما سموه عدم حسم الورشة للموضوعات المهمة الخاص بعملية الدمج.
تواصلت جهود أخرى لعقد مباحثات سرّية بين الطرفين، وناقشت مدة الدمج، والقيادة ما بعده، وهي من أهم النقاط التي وصلت المباحثات معها إلى طريق مسدود، فبينما رأى االطرف الأول أنها يجب أن تكون لقائد الجيش، رأت قوات الدعم السريع أنها يجب أن تكون لرأس الدولة وفقا لما جاء في الاتفاق الإطاري.
كذلك أخفقت كل الوسطات، بما فيها مبادرة القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، ومبادرة قيادات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة في العام 2020.
آخر عامل في تفجير الأوضاع، بدأ يلعب دوره خارج الخرطوم، وتحديداً بمدينة مروي شمال السودان، الخميس الماضي، بعد أن توجهت قوة من الدعم السريع للمدينة للتمركز بالقرب من مطار مروي، الذي تتواجد فيه قاعدة جوية يرجح أنها تضم عناصر من الجيش المصري لمساعدة الجيش السوداني في حرب منتظرة ضد الدعم السريع.
أثار تمركز تلك القوات حفيظة الجيش، الذي عزز وجوده في المنطقة بقوات إضافية، لتصل الأمور إلى ذروتها، أمس الجمعة، وتحولت اليوم السبت إلى مواجهة بدأت، يبدو أن طرفيها غير قادرين على وضع موعد لنهايتها.