كرّ وفرّ بين الجيش المصري والعائدين إلى سيناء

09 اغسطس 2023
قوات للجيش بين المواطنين في العريش، 2018 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

يعيش العائدون إلى محافظة شمال سيناء، شرقيّ مصر، بعد تهجير دام عشر سنوات، حالة من الكرّ والفرّ مع قوات الجيش المصري، التي تتقلب في قراراتها بين السماح والرفض للمواطنين بالدخول إلى قراهم، سواء في جنوب مدينة الشيخ زويد ورفح، أو في مناطق الساحل. ويأتي ذلك وسط دعوات من الأهالي للمشايخ ورموز القبائل بالتدخل لدى الجهات الأمنية التي أشرفت على طرد المجموعات القبلية لتنظيم "داعش" من شمال سيناء العام الماضي، بدعم من الجيش المصري الذي يقف في وجه عودتهم اليوم.

ويقول أحمد السويركي، أحد سكان تجمع الجرايشة التابعة لقرية الظهير جنوب مدينة الشيخ زويد، لـ"العربي الجديد"، إن "الجيش بين الفينة والأخرى يُشكل حملة عسكرية، يطارد فيها الأهالي ويطلب منهم مغادرة المنطقة، أو التهديد بالاعتقال". ويلفت إلى أن هذه الحملة "تأتي رغم أننا نجلس في أراضينا ومنازلنا التي هُجّرنا منها قسراً في عام 2015 نتيجة العمليات العسكرية لقوات الجيش في مواجهة داعش، حتى أصبحنا جزءاً من المعركة وشاركنا القوات المسلحة بعملية طرد التنظيم من مدننا وقرانا".

ستصدر قرارات بالعودة لمن لا يمسهم مشروع طرق جديدة

ويضيف السويركي: "تواصلنا مع المشايخ والنواب والرموز وقادة المجموعات القبلية، وطلبنا منهم التواصل مع مكتب استخبارات حرس الحدود وقوات الجيش في معسكر الزهور بالشيخ زويد، لوقف التهديد المستمر لحياتنا ووجودنا على أرضنا". ويشير إلى أن آخر هذه التهديدات "حصل قبل أيام، حيث اعتُقِل عدد من أبنائنا، وهُدِّدت النساء والأطفال، وأُجبِروا على ترك ما بقي من منازلهم، في ظل عدم وجود خطة حكومية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في سيناء، والاكتفاء بتوسيع الطرق والمحاور في المحافظة".

لا تبريرات لتهديد العائدين إلى سيناء

وعاد العشرات من المهجرين خلال شهري مارس/آذار وإبريل/ نيسان 2022 إلى قراهم التي هجروا منها نتيجة هجمات تنظيم "ولاية سيناء"، فيما لم توفر الحكومة أساسيات الحياة في تلك المناطق، ومن بينها الكهرباء والمياه والاتصالات، رغم وعود متكررة بذلك لم ينفذ أي منها حتى الآن.

ولم يقدم الجيش المصري أي تبريرات لتهديد المواطنين وإجبارهم على ترك منازلهم خلال الفترة الحالية، في خضم الحديث عن بدء تطبيق خطة بناء عدد من التجمعات السكانية، لإسكان أهل قرى شمال سيناء فيها، بدلاً من قراهم الأصلية ومنازلهم وأراضيهم التي رُحِّلوا منها بموجب قرار عسكري، ليتسنى لقوات الجيش ملاحقة "داعش" خلال السنوات الماضية.

وتبلغ مساحة الأراضي التي ستُنزع ملكيتها من المواطنين، أضعاف الأراضي التي ستُبنى عليها التجمعات السكانية الجديدة. فالمواطنون كانوا يمتلكون آلاف الأفدنة، وكانت منازلهم متناثرة، وليست متلاصقة كما ستكون حالها في التجمعات الجديدة.

وفي قرى مدينة رفح، لم يختلف الحال كثيراً، إذ حاول سكان قرى غرب رفح التي تقع خارج المنطقة العازلة المقدرة بخمسة كيلومترات والتي صدر فيها قرار رئاسي بهدم كل شيء عام 2014، العودة إليها مجدداً، متخطين الحواجز العسكرية والكمائن (الحواجز) المحيطة بالمنطقة، للاطمئنان على ما بقي من منازلهم وأراضيهم. إلا أنهم للمرة الثالثة يتعرضون للملاحقة من قبل قوات الجيش، التي أمرتهم بالمغادرة قبل غروب الشمس، معلّلين ذلك بعدم وجود قرار يسمح لهم برؤية قراهم ومنازلهم، وفق ما يذكر أبو أحمد الأرميلي، أحد سكان قرية المطلة غرب رفح.

للمرة الثالثة، يتعرض سكان قرى غرب رفح للملاحقة

ويبيّن الأرميلي أن عشرات المواطنين عادوا يوم الجمعة الماضي إلى قرى المطلة وبلعا وجوز أبو رعد والوفاق والمراجدة والسكادرة، في محاولة منهم لرؤية منازلهم التي دمرت بفعل آلة الحرب، ولأداء صلاة الجمعة للمرة الأولى منذ ثماني سنوات لم يرفع خلالها الأذان في تلك القرى. إلا أن قوات الجيش التي تساهلت في بادئ الأمر مع المواطنين الذين دخلوا بشكل جماعي إلى المناطق التي أصبحت خالية من الإرهاب تماماً، عادت وطلبت منهم المغادرة وعدم العودة مجدداً، بحسب المواطن.

تعويضات وشروط

وتأتي هذه التطورات، في ظل ما كشف عنه مصدر في مجلس مدينة رفح لـ"العربي الجديد"، بأن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تعمل في الوقت الحالي على تحديد مساحات واتجاهات طرق دولية ستشق مدينتي رفح والشيخ زويد، لتربط بين منطقتي وسط سيناء وميناء العريش الذي يجري توسعته بمعرفة وزارة الدفاع، بعد إخلاء السكان المحيطين به. وفي ظل هذا المشروع القومي الجديد، ستحدد قوات الجيش المناطق التي ستمر بها الطرق الجديدة، من ثم ستصدر قرارات بالعودة إلى من لا يمسهم المشروع. أما من سيلتهم الطريق منازلهم أو قراهم، فسيُعوَّض عليهم بالشكل القانوني، وفقاً لما تراه محافظة شمال سيناء ويجري التعامل به مع عمليات التعويض في سيناء عموماً.

وأوضح المصدر أن الطريق سيمتد من محافظة جنوب سيناء إلى وسط سيناء وصولاً إلى شاطئ مدن شمال سيناء، وخصوصاً منطقة الميناء، وكذلك في اتجاه خطة سكة حديد الفردان، التي ستعمل داخل المحافظة خلال الأشهر المقبلة، بعد إنجازها، حيث إنها تصل حالياً أطراف مدينة بئر العبد، في طريقها إلى العريش، ومن ثم منطقة الحسنة بوسط سيناء.

المساهمون