كارثة الزلزال وشبهة التسييس والتمييز

10 فبراير 2023
دخلت أول قافلة مساعدات مكونة من 5 شاحنات إلى شمال سورية بعد 4 أيام من الزلزال (فرانس برس)
+ الخط -

التعامل الأميركي مع الجانب السوري في فاجعة الزلزال كان غيره مع الجانب التركي، أو هكذا بدا، تأخر استجابة واشنطن لمتطلبات عملية الإنقاذ والمعونات الإنسانية السورية، مقارنة بسرعتها على الجانب التركي، أثار تساؤلات عما إذا كانت الحسابات السياسية قد لعبت دورها في التمييز بين طرفي النكبة. 

الإدارة الأميركية، وبالذات وزارة الخارجية، نفت ذلك أكثر من مرة، وربطت التأخير بالعراقيل الحدودية التي حمّلت مسؤوليتها لموسكو كما لدمشق. وشددت على مساواتها في دعم "الحليف... والشعب السوري" على السواء. إلا أن ما لا جدال فيه هو أن المساعدات للشمال السوري المنكوب جاءت "أقل من المطلوب وبعد فوات الآوان". وهذا ما فتح الباب لعلامات الاستفهام .

وزارة الخارجية كررت التذكير بأن العقوبات المفروضة على النظام السوري بموجب قانون قيصر "لا تعيق المساعدات الإنسانية ولا تقف في طريقها"، كما قال المتحدث نيد برايس أكثر من مرة في الأيام الأخيرة. فهي مصمّمة لتجفيف مصادر "تمويل النظام وقدراته العسكرية " ولا علاقة لها بمثل هذه المساعدات. 

وعزا برايس التباطؤ في وصول العون اللازم في الوقت المناسب إلى إقفال المعابر الحدودية مع تركيا، باستثناء معبر باب الهوى الحدودي، ولو بصورة متقطعة. وعندما سُئل عما إذا كانت الإدارة تزمع الاستعانة بمجلس الأمن لإصدار قرار بفتح بقية المعابر في هذا الظرف غير الاعتيادي، كان جوابه بنعم ملتوية من دون تحديد موعد لطلب اجتماع للمجلس، متذرعا بفشل المحاولات السابقة في هذا الموضوع بسبب الفيتو الذي هددت به روسيا لمنع فتح بقية المعابر وحصرها بباب الهوا. 

وقال إن البديل كان في التعويل على "شركائنا في الداخل" لتوزيع المعونات، من غير الإفصاح عن هؤلاء الشركاء "حفاظا على سلامتهم" كما قال، مع الاعتراف بأن بعض هذه المساعدات قد تعرض للسرقة وجرى توزيعها في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

وإذ لا ينكر المشككون أن إشكالات المعابر قد تكون ساهمت في تأخير وصول المساعدات، إلا أن حيثيات الإدارة لم تكن كافية لإزالة الشكوك بخصوص التمييز، حسب ما أوحت به ظواهر التحرك لتخفيف هول الكارثة. وكان من اللافت أن يصدر بيان عن وزير الخارجية في وقت متأخر ليلة الخميس/ الجمعة، يعرب فيه عن الترحيب والارتياح بدخول أول دفعة مساعدات مكونة من خمس شاحنات إلى شمال سورية عبر معبر باب الهوى. لكن عبور الحدود بهذه المساعدة بعد 4 أيام من وقوع الزلزال بدا بمثابة رفع عتب، وجدد السؤال عن أسباب الانتظار كل هذه المدة في مهمة تقاس فيها أهمية التحرك بالساعة.  

وشملت برودة الاهتمام أيضاً الكونغرس الذي ما زال مشغولا، خاصة الجمهوري منه، بالمساجلة مع الإدارة في موضوع المنطاد الصيني. فقط في يوم وقوع الزلزال، صدر بيان عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور بوب مينينديز، دعا فيه إلى مواصلة تقديم الاحتياجات اللازمة "لتركيا وللشعب السوري". 

ثمة من لا يعفي النظام السوري من المسؤولية، من زاوية أنه بدلا من المبادرة إلى فتح كافة المعابر الحدودية مع تركيا، لجأ إلى اغتنام الفرصة للمطالبة "برفع العقوبات"، وهو يعرف أن مثل هذا المطلب "غير وارد" تحقيقه في الوقت الراهن. فاللحظة كانت تقتضي تحييد مسألة العقوبات. لكن الحسابات السياسية للأطراف المعنية لها دورها حتى في مواجهة كوارث من عيار هذا الزلزال المهلك .