يخوض الرئيس التونسي قيس سعيّد اختباراً جديداً لشعبيته في الانتخابات المحلية، المقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وسط توقعات بضعف الإقبال على المشاركة، ما قد يُفسر بتقهقر جديد في شعبيته.
وتعد الانتخابات المحلية تمهيداً لاختيار أعضاء مجلس الجهات والأقاليم (عددهم 77 عضواً)، وهي المرحلة الثانية من أجندة سعيّد بعد مرور عام على انتخابات مجلس النواب، وتربط النخب السياسية والمدنية نسب الإقبال في الانتخابات المحلية بشعبية سعيّد على اعتبار أنها مشروعه الخاص، حيث حدد موعدها ووضع قواعدها واختار قوانينها بمفرده من دون إشراك أي طرف بعد أن تفرد بتمرير دستوره الجديد في استفتاء 25 يوليو/تموز 2022.
وعرفت تونس أدنى نسب إقبال على التصويت في الانتخابات التشريعية العام الماضي بدورتيها، حيث بلغت في الجولة الأولى 11.22 بالمائة فيما بلغت خلال جولة الإعادة 11.4 بالمائة، وفقاً للأرقام النهائية لهيئة الانتخابات، أي بعدد ناخبين قدر بـ895.2 ألف ناخب من إجمالي عدد المسجلين البالغ حوالي 7 ملايين و853 ألفاً و447 ناخباً، ليصف المعارضون هذه الأرقام بعلامة انهيار شعبية قيس سعيّد الذي فاز في انتخابات 2019 بأعلى نسب عرفها التونسيون بعد الثورة، بلغت 72.1 بالمائة من أصوات الناخبين في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية.
واعتبر المحلل السياسي شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الحدث الانتخابي كان يفترض أن تكون له أهمية كبرى باعتبار أن الانتخابات تعبر عن إرادة الشعب، لكن يمكن تصنيفه بأنه الـ"لا حدث"، ويثبت ذلك عدم الاهتمام الإعلامي والشعبي بهذه الفعاليات الانتخابية وكأنها غير موجودة"، وأضاف بن عيسى أن الانتخابات تأتي "في سياق مجموعة من المواعيد الانتخابية المتكررة التي أصبحت مملة وعبثية بالنسبة للمواطن، فلا فائدة ترجى منها باعتبار عدم انعكاسها على حياة المواطن المباشرة، وخاصة المعيشية مع ارتفاع الأسعار وفقدان المواد الأساسية".
ويرى بن عيسى أن الشعب غير مهتم بالانتخابات لأنها "لا تعكس إرادة الشعب، فهي تأتي في سياق حصار حرية التعبير والاعتقالات السياسية، والمؤسسة الانتخابية المشرفة عليها تعتبرها المنظمات الدولية غير مستقلة وغير محايدة، ما يعني أنها في خدمة السلطة، فهي لن تكون شاهدة على انتخابات حرة ومستقلة".
وعن ارتباط شعبية الرئيس بمدى الإقبال على الانتخابات، أوضح بن عيسى أنه "في هذا السياق، يمكن اعتبارها مجازفة من السلطة لأن عدم المشاركة هي إلى حد كبير عدم منح الثقة للرئيس، ولكنه كالعادة سيجد جملة من المسوغات والتبريرات لعدم المشاركة وضعف الإقبال وسيهتم بالنسبة التي تدعم أنصاره أو سيلتقط رقماً ليمنحه كل الدلالة والمعنى والمضمون ليحولها إلى الحدث".
قيس سعيد "لا يعبأ بنتائج الانتخابات"
وقال القيادي في حزب النهضة والرئيس السابق للجنة الانتخابية البرلمانية بدر الدين عبد الكافي، لـ"العربي الجديد"، إن "آخر اهتمامات الشعب التونسي اليوم هي الانتخابات المحلية، وما يدور حولها، لعدة عوامل، أبرزها: تردي الوضع المعيشي وفقدان المواد الأساسية والحياتية وأزمة التموين وتفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تلقي بظلالها على كل مجالات الحياة، بالإضافة إلى غموض هذه المجالس المحلية وصلاحياتها وأدوارها، وتراجع الثقة بالمؤسسات باعتبار أن جميع السلطات في يد فرد واحد".
وتوقع عبد الكافي "عزوفاً غير مسبوق عن الانتخابات من قبل التونسيين بسبب الوضع العام المتأزم في البلاد، وهو وضع لا يختلف عن الانتخابات الماضية، بل إن الوضع يزداد سوءاً بالمزيد من استهداف رجال الأعمال والإعلام والمجتمع المدني والحزبي".
واعتبر عبد الكافي أن "سعيّد لا يعبأ بنتائج الانتخابات مهما كانت درجة العزوف أو ضعف النسب، فهو غير آبه لرفض الشارع التونسي لمشروعه ولفظه لأجندته، وهو يواصل تثبيت الأجهزة التابعة لحكمه"، وبالتالي "فإن أي حديث عن اختبار جديد لشعبيته بهذه الانتخابات لا يعنيه، رغم التقهقر الواضح والمتواصل بالنظر إلى نسب التصويت والإقبال بين الدور الأول التشريعي، الذي مثل صفعة شعبية أولى، وفي دورة الإعادة كانت الصفعة الثانية".
من جهته، اعتبر القيادي في ائتلاف الكرامة زياد الهاشمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "في ظل أزمة اقتصادية خانقة وغير مسبوقة في تاريخ البلاد، وفي ظل نظام حكم فردي مطلق، أصبح الشعب التونسي غير مهتم بمسار سلطة الانقلاب".
وأضاف الهاشمي أن "أولويات الشعب التونسي اليوم أصبحت البحث عن السكر والزيت والطحين وكل المواد الغذائية الأساسية، ولم يعد يهتم بالانتخابات التي أصبحت ترفاً مقارنةً بحالته الاقتصادية التعيسة"، معبراً عن اعتقاده بأن "الشعب التونسي سيعيد إدخال قيس سعيّد في كتاب الأرقام القياسية مرة أخرى بأضعف نسبة مشاركة في تاريخ الإنسانية في انتخابات محلية".