قمة جزائرية - تركية في ديسمبر: البحث عن تحالف استراتيجي

05 أكتوبر 2021
زار أردوغان الجزائر في يناير 2020 (الأناضول)
+ الخط -

تجري الجزائر وتركيا ترتيبات متقدمة لزيارة دولة من المقرر أن يقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى أنقرة، في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وتبحث تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، ورفعها إلى مستوى من الشراكة الاستراتيجية، رداً على زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر في شهر يناير/كانون الثاني 2020، مباشرة بعد تسلم تبون السلطة. وتبدو العلاقات الجزائرية - التركية مرشحة لقفزة جديدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، عقب زيارة تبون المرتقبة، إذ يرغب الأخير في الاستفادة من بعض عوامل تجربة النهوض الاقتصادي التي أنجزتها تركيا خلال العقدين الماضيين، خصوصاً أنه يراهن في هذا السياق على تخليص الجزائر من تبعات اقتصاد النفط.

يرغب تبون في الاستفادة من بعض عوامل تجربة النهوض الاقتصادي التي أنجزتها تركيا

وإذا كان أردوغان أجرى ثلاث زيارات إلى الجزائر، في 2014، وفي يونيو/حزيران 2018، وحرص على أن يكون أول رئيس دولة يزور الجزائر بعد انتخاب تبون، في يناير 2020، فإن الأخير يتوج بزيارته المرتقبة إلى تركيا، تغييراً في الوجهة الجزائرية نحو الشرق والجنوب، بعدما ظلت الوجهة الغربية تحكم ارتباطات الجزائر وتحالفاتها السياسية والاقتصادية. ويشجع على هذا المسار وجود توافقات سياسية مشتركة بين الجزائر وأنقرة في عدد من القضايا والأزمات في المنطقة، وتطلعات جزائرية لإسناد تركي في مجالات إعادة إحياء النسيج الصناعي وتطوير البنى التحتية، خصوصاً في ظل تراجع نفوذ اللوبيات السياسية والاقتصادية المنحازة إلى فرنسا وأوروبا في الجزائر، والتي كانت تعمل على تعطيل الاستثمارات الآتية من الشرق، والتشويش على أي مسعى لتطوير الجزائر علاقاتها مع دول آسيا ومع شركاء تتقاسم معهم الجزائر العمق الحضاري. ويسبق زيارة تبون، التي ستكون الأولى لرئيس جزائري إلى أنقرة منذ عقود، بقليل، استبدال الجزائر لسفيرها في أنقرة مراد عجابي، بالسفير والممثل الحالي لدى الأمم المتحدة، سفيان ميموني.

ويعتقد المحلل السياسي، رئيس منظمة الجزائر الدولية ومقرها إسطنبول، إدريس ربوح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك مجموعة من الحوافز السياسية والتوجهات المشتركة بين الجزائر وتركيا، تدفع باتجاه إنجاز علاقة استراتيجية بين البلدين، بناء على ما تحقق حتى الآن من قفزة لافتة في العلاقات. لكنه يرى أن تحقيق سقف التحالف الاستراتيجي "لا يزال أمامه مشوار كبير، لأن ذلك يتطلب مزيداً من ترجيح المصالح الاستراتيجية على حساب المصالح التجارية، التي مهما عظمت ستبقى لا تساوي شيئاً أمام مشروع العلاقة الاستراتيجية لتركيا مع الجزائر". ويلفت ربوح إلى أن الجزائر تثبت في الفترة الأخيرة عودتها الدبلوماسية القوية إلى الساحات المغاربية والعربية والأفريقية، وتتوجه نحو تعزيز الحضور الاستباقي والنشط في مختلف الأزمات في المنطقة، ما يعزز مكانتها في الساحات الإقليمية العربية والأفريقية، وهي الفضاءات الأهم للديبلوماسية والمصالح الاقتصادية التركية، وهنا يمكن أن تلتقي المصالح السياسية والاستراتيجية بين البلدين.

ويرى المحلل السياسي أنه "لا يمكن أن تحقق أنقرة حضوراً قوياً ومرحباً به، إلا بالتعامل مع الكبار في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، وعلى رأسهم الجزائر، أما إذا طغت المصالح التجارية مع المغرب، وخصوصاً في الميادين الاستراتيجية والتي لها علاقة بتطورات النزاع في إقليم الصحراء، فأعتقد أن العلاقات الجزائرية التركية ستراوح مكانها في المستوى الاقتصادي والثقافي، دون الوصول الى الشراكة الاستراتيجية المأمولة". ويلفت ربوح إلى أن "هناك مستجداً سيكون حاضراً بقوة في العلاقات الجزائرية - التركية، وهو التطورات التي حدثت في شمال أفريقيا في الفترة الأخيرة، بعد توقيع المغرب لاتفاقية التطبيع واستضافة الرباط لوزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، يئير لبيد، وهذا يعني أنه سيكون على تركيا أن تحسب جيداً المكاسب والخسائر في علاقاتها مع دول شمال أفريقيا، وعلى رأسها الجزائر والمغرب". ويعبّر ربوح عن مخاوف جدية من أن تتغلب المصالح التجارية لتركيا مع المغرب على حسابات المصالح الاستراتيجية مع الجزائر، خصوصاً بعد تسليم أنقرة للمغرب دفعة من الطائرات المسيّرة من دون طيار من نوع بيرقدار.
وفي هذا السياق، وعلى الرغم من أن الجزائر توجهت في هذا المجال إلى اقتناء طائرات من دون طيار صينية الصنع، فإن ملف التعاون الأمني الذي سمح بتسليم أنقرة لمطلوبين لدى القضاء الجزائري، أبرزهم الضابط قرنيط بونويرة، السكرتير السابق لقائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح، والتعاون في مجالات التصنيع العسكري، يبقى أحد الملفات التي تبرز مع تطور الأحداث على المسرح الإقليمي، والتي يمكن أن تكون ثالث ملف يوضع على طاولة النقاش بين تبون وأردوغان، خلال الزيارة المرتقبة، بعد الملفين السياسي والاقتصادي. ويأتي ذلك خصوصاً أن الصناعات العسكرية التركية حققت نجاحات مهمة في الفترة الأخيرة، كما أن الجيش الجزائري يسعى إلى تطوير شراكاته وتنويعها والاستفادة من كل الخبرات والتكنولوجيات العسكرية الناجحة.

الجيش الجزائري يسعى إلى تطوير شراكاته والاستفادة من كل الخبرات والتكنولوجيات العسكرية الناجحة

لكن العامل الذي لن يغيب بكل تأكيد عن الزيارة المرتقبة لتبون إلى أنقرة، يبقى البعد الاقتصادي، وقد يكون العامل الأكثر حضوراً، خصوصاً أن تركيا نجحت في إزاحة فرنسا من على رأس قائمة المستثمرين في الجزائر، وباتت المستثمر الأول بمقدار 4.5 مليارات دولار، بمجموعة مصانع وشركات، لعل أبرزها مصنع الحديد "توسيالي" الذي بلغت صادراته 700 مليون دولار أميركي، إضافة إلى مساهمة لافتة للشركات التركية في قطاعات البناء والأشغال العمومية وترميم المنشآت التاريخية. وتعتزم أنقرة رفع هذه الاستثمارات إلى أكثر من 5 مليارات دولار، وفقاً لتعهدات أردوغان. كما أن تركيا تأتي ثانية على لائحة الشركاء التجاريين للجزائر، وهي مرشحة لأن تكون الأولى بعد إعادة فتح الخط البحري لنقل السلع والبضائع بين الموانئ الجزائرية والتركية، بعد تجميد دام منذ عام 1998.
ويعتبر المحلل الاقتصادي المهتم بالعلاقات الجزائرية - التركية، مراد ملاح، القمة التركية - الجزائرية، تتويجاً لتقارب سياسي وشراكة اقتصادية متميزة ولافتة بين الجزائر وأنقرة، وثمرة لحركية دبلوماسية نشطة أدّاها السفير الجزائري لدى أنقرة مراد عجابي والسفيرة التركية في الجزائر ماهينور أوزدمير غوكتاش، وهو ما ترجمه عدد الزيارات على مستوى وزراء الخارجية بين البلدين، وكذا زيارات أردوغان إلى الجزائر.
ويقول ملاح لـ"العربي الجديد"، إن "انضمام الجزائر إلى السوق الأفريقية المشتركة والرهان على الإصلاح الاقتصادي وبعث حركية التصنيع في الجزائر، كلّها عوامل تؤهل الجزائر أن تكون منصة ورافداً مهماً للمنتجات التركية عبر شراكة حقيقية تنطلق من مدخلات تصنيع محلية، إضافة إلى رغبتها في جلب استثمارات أجنبية مباشرة في قطاعات بإمكانها توفير مجالات شغل للشباب". ويلفت إلى أن "القوة الصناعية التركية توفر هذه الميزة من خلال قطاعات النسيج والبناء والصناعات الغذائية، وحتى الإلكترونية، وكلها قطاعات معروفة بحاجتها إلى العمالة ما بين الفنية والمتخصصة، وهو ما تتوفر عليه السوق الجزائرية من ناحية الموارد البشرية والموقع الجغرافي المهم، إضافة إلى قطاع المعادن بحكم تجربتهم في استغلال المناجم، خصوصاً في منطقتنا كما هو الحال في موريتانيا".
ويوضح ملاح أن "الرئيس الجزائري يعرف جيداً المدرسة التركية في الإنجاز، وهو مطلع جيد على أداء الشركات التركية، خصوصاً في ما أوكل إليها من مشاريع في الجزائر، عندما كان الرئيس تبون يشغل حقيبة وزارة السكن، وتركيا مؤهلة بشكل كبير لإسناد الجهود الجزائرية، إذ يمكن التأسيس على تجربة مصنع توسيالي للحديد الذي يمثل اليوم قاطرة الصادرات الجزائرية خارج المحروقات". ويرى أخيراً أن كل ذلك "يشكّل سبقاً اقتصادياً ومشهداً غير مألوف في خريطة الصادرات الجزائرية التي لم تتجاوز لعقود المليار دولار خارج قطاع المحروقات".