مع نشر مجموعة العشرين إعلاناً توافقياً في اليوم الأول من قمتها المنعقدة في نيودلهي، توقف بعض المراقبين على خلو بيان القمة المشترك من أي إشارة مباشرة واضحة إلى روسيا وحربها في أوكرانيا، على عكس ما كان يأمل الرئيس الأميركي جو بايدن، فيما أشار آخرون إلى فشل الإدارة الأميركية في تحصيل موافقة الدول المشاركة على منح فرصة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمخاطبة القمة عبر تقنية الفيديو.
وبدلاً من الإشارة الصريحة، اكتفى بيان القمة بالتلميح إلى موسكو عبر دعوة "جميع أعضاء تجمع العشرين (ومنهم روسيا) إلى وجوب الامتناع عن التهديد واستخدام القوة بهدف الاستيلاء على أراضي الغير"، كما شدّد على رفض "التهديد باللجوء إلى السلاح النووي".
ومع أن ذات الخلافات كانت تطفو على السطح في قمة المجموعة التي انعقدت العام الماضي في بالي، إلا أن إعلان القمة السابقة أشار إلى روسيا بشكل واضح، ولو من خلال التذكير بقرار الأمم المتحدة الذي طالب روسيا بـ"الانسحاب الكامل وغير المشروط من الأراضي الأوكرانية". كما أتاحت القمة الماضية الفرصة للرئيس الأوكراني لمخاطبتها عبر تقنية الفيديو، على عكس القمة المنعقدة حالياً في الهند.
عدم استجابة الدول الأعضاء لرغبة واشنطن في هاتين النقطتين جرى ربطه "بتبدل الأحوال"، إذ "استجدت أمور كثيرة منذ العام الماضي"، وهو ما قاله وزير خارجية الهند سوبرامنيام جايشانكار.
تفسير الوزير الهندي المبطّن بدا وكأنه يشير إلى تطورات وعثرات وتراجعات خارجية وأميركية داخلية، انعكست سلباً على رئاسة بايدن، وهو ما أدى إلى تناقص تأثير واشنطن في مقررات القمة. من بين هذه العوامل هبوط في وضع بايدن الذي ذهب إلى قمة الهند وسط تصدعات في رئاسته، كما في المشهد السياسي الأميركي عموماً.
كانت حالة الرئيس الأميركي الذهنية مثار تساؤلات وعلامات استفهام في واشنطن، ولو بشكل مبالغ فيه، إذ يجرى تسليط الضوء بشكل سريع على أي تلعثم أو "لخبطة" في الذاكرة أو "مبالغة" في رواية ما عن نفسه أو عائلته. ومع أن مثل "هذه الظواهر لا تعني بالضرورة أنه فقد القدرة على التفكير السوي"، كما يقول الخبير والمؤلف فرانكلين فاور، لكن تقدمه في السن يُسهل عملية الترويج ضده. وعلى الأرجح، بحسب خبراء الانتخابات، فإن هذا هو السبب وراء تعثره في تسويق ترشيحه رغم أنه حقق إنجازات محلية نوعية ومهمة.
بقي وضع بايدن الانتخابي شبه بائس ومهدّد، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سيتفوق على بايدن، على الرغم من كل المتاعب القانونية والمحاكمات التي تلاحقه، خصوصاً مع حالة الذعر وحبس الأنفاس التي يشهدها حزبه، وتلميحات بعض أعضاء الحزب بضرورة مطالبته بالانسحاب أو محاولة ترشيح ديمقراطي بديل. كما يعاني الحزب الجمهوري من نفس العوارض، إذ يتعذر عليه حتى هذه اللحظة الاتفاق على شحص واحد على الأقل لمنافسة ترامب.
كل هذه العوامل والاضطرابات الداخلية في الانتخابات الأميركية لا تساعد بايدن في قمة دولية كانت واشنطن معتادة على أن تتولى فيها دور القبطان. ومع أن دور الإدارة الأميركية قد تراجع، إلا أنها محتاجة إلى هذه المكانة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وذلك لمحاولة ضمان تماسك هذا التجمع الذي بدأت تظهر عليه ملامح التفسخ، مقارنة بالوحدة الذي تميزت بها قمة "بريكس" التي انعقدت مؤخًراً في جنوب أفريقيا، والتي تطمح لتكون البديل عن صيغة العشرين.
وتعززت صورة التفسخ هذه مع غياب الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، ولو أن عدم مشاركة الأول مرتبطة على الأرجح بحربه في أوكرانيا، وتغيُّب الثاني ربما جاء تعبيراً عن مقاطعةٍ لمكان القمة بسبب التوتر الحدودي الأخير بين بكين ونيودلهي، إلا أن هنالك اعتقاداً آخر بأن عدم حضور شي جاء، على الأقل في شق منه، لتجنب اللقاء مع بايدن بعد تجربة لقائهما على هامش قمة بالي في إندونيسيا العام الماضي، والتي انتهت التوافقات الأولية خلالها ليس فقط بالفشل، بل أيضاً بتصاعد التوتر بين البلدين.
وثمة من لا يستبعد أن يكون غياب شي وبوتين سيتكرر في الأوقات القادمة، كبداية انسلاخ عن مجموعة العشرين لصالح تعزيز وتوسيع كتلة "بريكس" كمنافس، إن لم يكن كبديل في المستقبل المنظور.