رغم الآمال الكبيرة التي كانت معلقة على قمة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة الناتو في بروكسل أمس، إلا أنها لم تحقق سوى توافق وحيد، وهو إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وتقويتها واستمرار لقاء الوفود، دون إحراز تقدم في مواضيع أخرى.
وجاءت القمة فيما يعتبر اللقاء الأول بين الرئيسين بعد تولي بايدن الحكم قبل خمسة أشهر، وخلال هذه الفترة لم يلتقيا سوى عبر اتصال هاتفي وحيد، ويعود سبب ذلك إلى كثرة الملفات الخلافية بين البلدين.
وقالت مصادر تركية مطلعة، تعليقاً على القمة التي جرت في بروكسل، لـ"العربي الجديد"، إن "أهم نتيجة حصلت في القمة هو التوافق على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وتقويتها، لأن الفترة السابقة كانت قد وصلت إلى مرحلة تشبه القطيعة، دون أن تكون هناك لقاءات بين مؤسسات البلدين، وانقطاع الزيارات المتبادلة".
وأضافت المصادر أن "المرحلة الجديدة هي عودة اللقاءات، وخاصة بين وزارتي دفاع وخارجية البلدين، والعمل على الملفات التي فيها قدر من التوافق ومواصلة الحوار بها، وترحيل المشاكل العالقة مؤقتاً، والتي تستعصي على الحل في القريب".
وفيما يخص قضية شراء تركيا صواريخ "إس 400"، والرد الأميركي عليها، قالت المصادر إن "الطرفين حافظا على مواقفهما في هذه القضية، وجرى التوافق على عدم التصعيد في هذا الملف، ويشمل ذلك عدم شراء تركيا منظومة جديدة من هذه الصواريخ، وعدم تفعيل المنظومة الحالية في الوقت الحالي، مقابل عدم التصعيد الأميركي وعدم فرض مزيد من العقوبات، ويرتبط بهذا الملف موضوع تصدير تركيا صناعاتها الدفاعية لبعض الدول، حيث سيتم الحوار بين البلدين حول هذا الموضوع".
وفيما يتعلق بالملف الأفغاني، فإن الحوارات مستمرة بين الطرفين، وعرضت تركيا على أميركا دوراً لباكستان التي قد تفك العقدة أمام وجود القوات التركية في مطار كابل، ولكن هذا يصطدم أيضاً بموقف الحكومة الأفغانية، وستظهر الأيام المقبلة حقيقة ما جرى من مشاورات بعد عدم تطرق الناتو في بيانه الختامي لملف المطار.
أما ملف دعم أميركا قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ووحدات الحماية الكردية، فإن واشنطن حافظت على مواقفها، بحسب نفس المصادر، ولم يتلق الجانب التركي مواقف إيجابية تتعلق بهذا الملف، ما يدل على أنها العقدة الأبرز بين الجانبين، إذ سبق لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار قوله إن "النقطة الخلافية الأهم والكبرى بين أنقرة وواشنطن تتجلّى في دعم أميركا للوحدات الكردية التي تعتبرها تركيا مرتبطة بحزب العمال الكردستاني"، فيما تنفي أميركا وجود ارتباط كهذا.
وحظيت القمة التركية الأميركية باهتمام إعلامي كبير في تركيا، معولة على عودة العلاقات إلى سابق عهدها بما يليق بحليفين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتفهم المواقف التركية، ولكن لم يرشح ما هو مهم من نتائج بين البلدين.
وتداولت وسائل الإعلام التركية على نطاق واسع مصافحة بايدن لأردوغان قبيل بدء جلسة الناتو، على أنه هو من بادر بالسلام على أردوغان، ونفس الأمر جرى في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتأكيداً على الاهتمام التركي بملف تصنيف الوحدات الكردية وجماعة فتح الله غولن ضمن التنظيمات المحظورة، قال الإعلام التركي إن أردوغان قدم لنظيره الأميركي كتيباً يتضمن معلومات عن التنظيمات المسلحة وتهديدها لتركيا، وارتباطاتها، مدعمة بالوثائق.
وتداولت وسائل الإعلام صورة خلال اللقاء المشترك يظهر الكتاب بعنوان "كفاح تركيا مع الإرهاب"، ويتضمن العمليات العسكرية والأمنية التركية ضد الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني، وجماعة "الخدمة"، وتنظيم "داعش" الإرهابي، وقدم أردوغان الكتاب، إضافة إلى بايدن، إلى كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
ويتألف الكتاب، وهو باللغة الإنكليزية، من 3 أقسام، ويتضمن استهداف هذه التنظيمات لتركيا، والجهود التي بذلتها أنقرة لإزالة التهديدات القادمة من هذه التنظيمات، والآمال التركية التي تعول عليها في تعاون الحلفاء معها في هذه المواجهة".
ولعل أبرز ما يتضمنه الكتاب هو وثائق تظهر ارتباط الوحدات الكردية بحزب العمال الكردستاني، والهجمات التي نفذتها في سورية وتركيا، والمظالم التي ترتكبها الوحدات بحق أكراد سورية، والانتهاكات، وتجنيد الأطفال بقوة السلاح، وجرائمها ضد الإنسانية.
أما فيما يخص جماعة "الخدمة"، فإن الكتاب تطرق إلى أن هذه الجماعة تعتبر خطراً عالمياً نتيجة أسلوبها في الابتزاز والتغلغل داخل المنظمات والمؤسسات، وتفاصيل المحاولة الانقلابية في عام 2016، وضرورة تسليم زعيم الجماعة فتح الله غولن المقيم في أميركا للعدالة الدولية.
وبخلاف ما رشح عن القمة من مصافحات وحوارات وتصريحات ومؤتمرات صحافية، اكتفت الصحف التركية بتحليل القمة بأنها فرصة من أجل البدء بصفحة جديدة في العلاقات، بانتظار أن ترشح معلومات وتفاصيل أكبر عقب عودة الرئيس التركي إلى البلاد، إذ إنه انتقل إلى أذربيجان في زيارة تستغرق يومين.
وعقب القمة أمس، وصف بايدن لقاءه الأول وجهاً لوجه مع نظيره التركي بأنه "إيجابي ومثمر"، قائلاً إن البلدين "سيحققان تقدماً في العلاقات الثنائية، وإنهما أجريا مناقشات مفصلة حول كيفية المضي قدماً في عدد من القضايا، وستواصل وفود البلدين المباحثات".
من ناحيته، قال أردوغان إن لقاءه مع نظيره الأميركي في بروكسل "كان إيجابياً وإنه وجه له دعوة لزيارة تركيا، واتفقا على استخدام قنوات الحوار المباشرة بشكل فعال ومنتظم بما يليق بالحليفين والشريكين الاستراتيجيين".