يبدي حقوقيون فلسطينيون قلقهم من تدهور حالة حقوق الإنسان في الضفة الغربية، بعدما وثقت منظمات حقوقية عدة حالات من الضرب المُبرح الذي تعرض إليه المتظاهرون والمعتقلون، على يد عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، خلال قمع الاحتجاجات على مقتل المعارض السياسي نزار بنات في 24 يونيو/حزيران الماضي. ومن بين الانتهاكات الإضافية التي رُصدت السحل والتحرش بالمتظاهِرات والصحافيات وتهديدهن، وتعذيب في المعتقلات ومراكز التوقيف ورش رذاذ الفلفل. كما وثقت المؤسسات سلوك أفراد بالزي المدني هاجموا المتظاهرين ونزعوا هواتفهم، تزامناً مع حملة "تضليل" على وسائل التواصل الاجتماعي ضد المتظاهرين والصحافيين.
عصام عابدين: أجهزة العدالة فقدت شرعيتها الدستورية لأنها فشلت في حماية حقوق الفلسطينيين وكرامتهم
يوضح المستشار القانوني لمؤسسة الحق الفلسطينية أشرف أبو حية لـ"العربي الجديد"، أن عشرات الشكاوى وصلت إلى المؤسسة من المتظاهرين وعائلاتهم وصحافيين ونشطاء ومواطنين، معربين عن خشيتهم التعرض لما هو أسوأ. ويقول أبو حية إن "أغلب الشكاوى التي تلقتها المؤسسة، تتعلق بانتهاكات تعرض إليها صحافيون ونشطاء خلال التجمعات السلمية التي أعقبت مقتل الناشط نزار بنات، أو تلك التي تتعلق باستدعاءات الأجهزة الأمنية، التي تشير العديد من الدلائل إلى استهداف أفرادها، وبعضهم بالزي المدني، للمتظاهرين، ما استدعى تقديم بلاغ جزائي للنائب العام". ويؤكد أن اعتداءات الأجهزة الأمنية على المتظاهرين تخالف قانون خدمة قوى الأمن، الذي يُحدد أداء وقواعد سلوك قوى الأمن المنوط بها إنفاذ الأمن، كما أن التخفي بالزي المدني يُربك المواطنين في التعامل مع هذا المشهد، كما يُربك المؤسسات الحقوقية للإمساك بدلائل علاقة هؤلاء الأفراد بالأجهزة الأمنية.
ودانت أكثر من 100 منظمة حقوقية فلسطينية وعربية ودولية، آخرها منظمة العفو الدولية، ممارسات الأجهزة الأمنية بحق المتظاهرين والمعتقلين عقب مقتل بنات. ويقول الحقوقي والخبير القانوني عصام عابدين، لـ"العربي الجديد"، إن "تلك الممارسات تمت دون رادع أو محاسبة من رئيس الحكومة محمد اشتية، أو أدوات الرقابة ومؤسسات العدالة في النيابة والقضاء، التي تحولت إلى أدوات للانتهاكات بدلاً أن تكون ملجأ المواطنين". ويؤكد أن ما سبق يجعل حالة الانهيار التي يعيشها الفلسطينيون تحاصرهم من كل مكان، دون أي بادرة تغيير، أو إصلاح جدي، تقودها الإرادة السياسية التي أسقطت حق التفويض الشعبي للفلسطينيين باختيار ممثليهم في البرلمان والرئاسة عبر الانتخابات.
ويعتبر عابدين أن "أجهزة العدالة فقدت شرعيتها الدستورية، لأنها فشلت في حماية حقوق وكرامة الفلسطينيين. كما أن انضمام فلسطين للاتفاقيات الدولية يفتح مسارات مهمة أمام الفلسطينيين لمحاسبة الجناة دولياً بموجب هذا الانضمام، وعليه يجب أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدور أكثر فعالية لتعرية الانتهاكات (الجرائم)، خاصة الممنهجة، ومحاسبة مرتكبيها على مستوى آليات الأمم المتحدة والقضاء الدولي، بحثاً عن الإنصاف الدولي، بعد أن فشلت العدالة الفلسطينية، بل قبلت أن تكون أداة لتغطية الجرائم الممنهجة التي لا تسقط بالتقادم".
رائد عصفور: النيابة العامة، وهي مدخل الإحالة للقضاء، تخضع لأوامر المستوى السياسي والأمني
والحالة التي يشوبها، بحسب عابدين، الانهيار الشامل بمنظومة حقوق الإنسان، تستدعي عملاً جماعياً مثابراً، وخطة واضحة، و"خلية أزمة" تقودها مؤسسات المجتمع المدني، بالشراكة مع المؤسسات الإعلامية، تقوم على رصد وفضح الانتهاكات، ومساءلة مرتكبيها محلياً ودولياً. ويقول: "لا يمكن مواجهة هذا الانهيار عبر ردود فردية مؤقتة، وسط حالة تدهور عارمة ومتسارعة لحقوق الإنسان وتجاهل السلطة الحاكمة لجيل بأكمله، واستمرارها في نهج ازدراء حقوق الإنسان، وكأن ليس له أي قيمة في الحياة السياسية. كما أن أية مخارج تستثني الانتخابات العامة المتزامنة، والإصلاحات في الأمن ومنظومة العدالة، لن تجدي نفعاً".
ويرى حقوقيون أن السلطة التنفيذية ما زالت تتغول على صلاحيات السلطة القضائية، ما يسمح بالاعتقالات والتنكيل بالمتظاهرين وعائلاتهم والمدافعين عنهم، وهو ما يؤكده القاضي السابق في المحكمة العليا الفلسطينية قبل إحالته إلى التقاعد القسري رائد عصفور لـ"العربي الجديد". ويوضح عصفور: "لم تتوجه النيابة العامة الفلسطينية إلى مسرح جريمة قتل نزار بنات ولم تقم بدورها، وأحيلت القضية إلى لجنة تحقيق، ولا يجوز ذلك بحكم القانون، في ظل وجود جسم قانوني مُختص، وهي النيابة العامة، التي تعطي إذنها للطب الشرعي بتشريح الجثمان. لكن ذلك تم بقرار من رئيس الوزراء، في مخالفة واضحة لقانون الإجراءات الجزائية، وبعدها توقف النيابة المدنية المتهمين بالقتل وتحقق معهم، قبل إحالتهم للنيابة العسكرية، ثم للقضاء العسكري، لمحاكمتهم".
ويتابع عصفور أن "النيابة العامة، وهي مدخل الإحالة للقضاء، تخضع لأوامر المستوى السياسي والأمني. ومن ذلك حالة قمع المتظاهرين والمعارضين السياسيين للسلطة، وتفسير النصوص القانونية في غير مواضعها، وتوقيف المتهمين بالذم والقدح وإثارة النعرات الطائفية، ثم تمديد التوقيف بحجة التحقيق الذي لا يلزم التحقيق (تهمة غير جنائية أو تستدعي التحقيق المطوّل)، ثم إحالة الموقوف للقضاء، الذي يفعل بالمعتقلين الأمر نفسه". ويؤكد أن ممارسات أفراد الأمن، خاصة بالزي المدني، "في حال أثبت ذلك"، واعتداءاتهم على المتظاهرين قد ترقى إلى "جريمة فساد" بموجب قانون مكافحة الفساد، وبحكم أن طريقة العمل أخطر من مستوى الضرر.