على وقع انسحاب آخر جندي أميركي من أفغانستان بعد 20 عاماً على مهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في بلد ذي موقع جيو-استراتيجي، تتوالى الاتهامات لدول الحلف حول إخفاقاتها وسقوطها في كابول.
وعن خطورة الأزمة التي خلّفها الغرب خلفه في أفغانستان، بعدما كان راهن وجاهر بتأمين الاستقرار والأمان والحريات، مع تدريبه وتجهيزه القوات الأفغانية، اعتبر مدير مركز الأبحاث في مركز كونفرسيون الدولي في بون كونراد شيتر، والذي كتب ونشر العديد من الأبحاث حول أفغانستان على مدى 30 عاماً، في مقابلة عبر "إيه أر دي" الإخبارية أنه تم ارتكاب الكثير من الأخطاء الحاسمة.
الخطأ الأول أن الأمر لم يكن يتعلّق بالبلد نفسه، حيث كان العالم الغربي دائماً مهتماً جداً بمصالحه الخاصة، وهذا يعني أنه لم يحاول أبداً فهم أفغانستان، وتطوير مسار بلد شهد 40 عاماً من الحرب، سيما وأن البلد يحمل طابعاً اجتماعياً تقليدياً للغاية، وتم وضع النموذج السياسي للبلاد في واشنطن وبروكسل، ولم يتم التعامل مع ما يريده الأفغان أنفسهم بشكل صحيح. ويوضح شيتر، أنه كان هناك دائماً تناقضات عسكرية وسياسية، إذ تمّ شنّ حرب في البلاد ومطاردة "طالبان"، ومن ناحية أخرى تمّ وعد الأفغان بضمان أمنهم. وفي السياسة، تم التبشير بالديمقراطية، ولكن بعد ذلك تم فرض مصالح الغرب خلف الأبواب المغلقة.
وخلص الخبير شيتر إلى أن الأفغان عانوا من ازدواجية المعايير على مدار العشرين عاماً الماضية، حتى أنه تم بناء مؤسسات بدائية، وتم التركيز بشكل كبير على الأفراد، ونُفذت سياسات العملاء، وهذا ما يتعارض مع بناء المؤسسات في بلد لديه إمكانيات اقتصادية كبيرة، وغني بالمواد الخام، وما ينقص هو رأس المال الاجتماعي، لأن السكان يعانون من معايير تعليمية متدنية، وحيث تُعتبر أفغانستان حالياً واحدة من أفقر دول العالم.
وفي سياق آخر، شدد شيتر على أنه كان من المفترض أن يتم الحوار مع "طالبان" منذ العام 2001، إلا أنه تمّت شيطنتها مع هجمات 11 سبتمبر/أيلول، ما جعل من المستحيل التعاون معها، وساد الاعتقاد بعدها بأنه سيتم سحق "طالبان" وتحقيق نصر واضح، إلا أنها ومنذ العام 2003، أعادت تنظيم نفسها، ونمت قوتها بشكل مطرد، ليعود وينشغل الأميركيون بعدها بحرب العراق. وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "دي فيلت" أخيراً، إلى أنه وبحسب إدارة التوقعات في واشنطن، أصبح "التعاون مع طالبان "منذ فترة طويلة وفق صيغة مشتركة، وهناك الآن حديث عن "مصالح مشتركة".
وعن طبيعة الانشغال الغربي في أفغانستان، أبرز شيتر أنه كان هناك دائماً نقاش حاد بين الأوروبيين والولايات المتحدة بهذا الخصوص، ولطالما أكدت الأخيرة أنها لا تقوم "ببناء دولة" في أفغانستان. في المقابل، بالنسبة للأوروبيين، كان من المهم وضع الالتزام في إطار تنمية الدولة والمجتمع، فيما كان الأمر بالنسبة للأميركيين يتعلّق أكثر بكثير بالردّ على 11 سبتمبر، وسرعان ما تم إنجاز هذه المهمة إلى حدّ كبير، وعلى أبعد تقدير عندما تم تعقب أسامة بن لادن وقتله عام 2011. وأبرز شيتر أن الأميركيين مقتنعون دائماً بتفوقهم، لدرجة أنه يتجاهلون إلى حدّ كبير المجتمعات التي يدخلها جيشهم، ولم يكونوا مستعدين لعمليات كاسحة في أفغانستان، لافتاً إلى أنه فقط، وفي العام 2009، وبعد تسلّم الجنرال ستانلي ماك كريستال قائداً لقوة المساعدة الأمنية الدولية، نشأت فكرة أنه يجب كسب قلوب وعقول الأفغان، وبعدما لم يكن المطلوب الانخراط في الهياكل الاجتماعية هناك.
وعن تحديد السياسة الألمانية تجاه أفغانستان، من خلال اعتمادها على الأميركيين، اعتبر شيتر أنه كان بإمكان الحكومة الاتحادية الألمانية تقديم مفاهيمها الخاصة، وهذا ما لم يحدث، وكانوا سلبيين، وجددوا التفويض كلّ عام، ولم يرغبوا في معرفة الكثير عن البلد، مشدداً على ضرورة أن تستخلص ألمانيا والاتحاد الأوروبي الدروس من فشل التجربة الأفغانية.
وفي الإطار عينه، برزت مطالبات باعتماد مهمات الاتحاد الأوروبي من دون مساعدة الولايات المتحدة الأميركية، وبأن يتم استكمال عملية الإجلاء الممكنة من أفغانستان من دون دعمها، وهو ما كان محلّ جدل حول قدرة أوروبا على العمل بمفردها. وهنا تقول رونيا كيمبلين، والتي ترأس مجموعة أبحاث العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي في مؤسسة العلوم والسياسة، إن دول الاتحاد قدّمت 50 في المائة من الإنفاق العسكري الأميركي من خلال ميزانيتها الدفاعية، لكن قدراتها العسكرية لا تزيد عن العشر، أي أن الاتحاد ينفق الكثير من الأموال، ويحصل على القليل من القدرات العسكرية، وهذا ما يشلّ قدراته العملانية على التصرف وتشكيل أوضاع الأزمات، وسط تخوف حالي من هجمات "إرهابية معقدة" في جميع أنحاء العالم مستقبلاً، وحيث أشارت "دي فيلت" أخيراً، إلى أن سلطات الأمن الألمانية تتوقع أن يجتذب "داعش" - خراسان المزيد من الإسلاميين، وأن يتمّ استهداف الغرب بقوة، وألمانيا أيضاً في الأفق.
وإزاء ذلك، أبدى الرئيس المشارك لرئيس كتلة اليسار في البرلمان الأوروبي مارتن شيردوفان، قناعته بأن السياسة الخارجية للاتحاد يجب أن تستند دائماً إلى إرشادات السياسة الإنسانية والتنموية، ولا تعتمد على اتحاد عسكري. ومع ذلك، يتعين على المرء أن يناقش بطريقة هادفة ما إذا كان مبدأ الإجماع مفيداً بالفعل في قضايا السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية، أو ما إذا كان ينبغي لنا عدم اعتماد مبدأ الأغلبية في هذه القضايا.