تبدأ روما، في 14 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، المحاكمة الغيابية للضباط المصريين الأربعة المتهمين بخطف وتعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي اختفى في 25 يناير/كانون الثاني 2016 قبل العثور على جثته في 3 فبراير/شباط. وبينما تراقب مصر عن كثب المحاكمة، في ظل تخوف من إصدار قرارات قضائية بالقبض على الضباط الأربعة، يسعى البرلمان الإيطالي لإحداث مفاجأة جديدة في هذه المرحلة من التقاضي، حيث سافر فريق من لجنة التحقيق البرلمانية إلى كامبريدج في بريطانيا، والتقى أمس الأول بالأكاديمية المصرية مها محفوظ عبدالرحمن، التي كانت المشرفة العلمية على أبحاث ريجيني وأعماله المختلفة خلال دراسته بالجامعة، والتي وجهته للسفر إلى مصر لإجراء أبحاثه حول النقابات المستقلة.
وتحاول هذه اللجنة إقناع عبدالرحمن بالسفر إلى روما، أو تسجيل مقاطع صوتية لتقديم شهادة بشأن طبيعة الدراسات التي كان يجريها ريجيني، وسبب توجيهه إلى مصر تحديداً، واهتمامه بها، وطبيعة العلاقة بينه وبين المؤسسات التعليمية التي درس بها في مصر وبريطانيا.
يعول الإيطاليون على معلومات مها عبدالرحمن لنفي الاتهامات المصرية لريجيني بالتجسس
وقال مصدر قانوني مصري على صلة بتطورات القضية، لـ"العربي الجديد"، إن فرص تقدم مها عبدالرحمن بهذه التسجيلات تبدو كبيرة هذه المرة، بعدما أبدت استعدادها للتعاون مع هذه اللجنة البرلمانية، على خلاف رفضها في العام 2017 التعاون مع الادعاء العام الإيطالي. وسوف تكون هذه المرة الأولى التي تدلي فيها مها بتفاصيل مهمة، يعول عليها الإيطاليون لنفي الاتهامات المصرية لريجيني بالتجسس، وإقامة علاقات مريبة مع مجموعات سياسية ونقابية مختلفة. وأوضح المصدر أن كشف معلومات جديدة لصالح ريجيني أمام المحكمة سوف يزيد أهميتها قانونياً لعدة أسباب، منها إضافة معلومات لملف القضية لم تكن معروفة من قبل في مرحلة التحقيق، وإنهاء مرحلة التشكيك في نوايا ريجيني بالسفر لمصر، فضلاً عن كشفها المرتقب عن تفاصيل اتصالات ريجيني بها في الفترة القصيرة السابقة على اختطافه.
وكانت مها عبدالرحمن قد تعرضت لضغوط كبيرة من الإعلام الإيطالي، ومحققي نيابة روما، لدفعها للحديث منذ مقتل ريجيني، لكنها اعتذرت أكثر من مرة، ما تسبب في استباحة الإعلام المصري، الموالي للنظام، الخوض في شخصيتها ونواياها وخلفياتها إلى حد الحديث أن هناك علاقة بينها وبين جماعة "الإخوان المسلمين". وحتى الآن يخلط الإعلام الرسمي المصري بينها وبين سيدة أخرى تدعى مها عبدالرحمن عزام. أما الملف الثاني الذي تُحضر لجنة التحقيق البرلمانية لعرضه أمام المحكمة فيتضمن عدداً من الشهادات غير المروية في التحقيقات القضائية الرسمية، أدلى بها وزراء ومسؤولون عن اتصالاتهم بشخصيات مصرية رفيعة المستوى، في الأيام الأولى بعد اكتشاف الحادث، بمن في ذلك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وذلك لنسج سردية محكمة تؤكد سعي القاهرة منذ يوم اكتشاف الجثة إلى إخفاء الحقيقة وتضليل الإيطاليين، لولا الضغوط السياسية المبكرة التي مورست لتطوير تعاون قضائي حقيقي بين البلدين.
والضباط الأربعة المتهمون الذين سيُحاكمون غيابياً بقتل ريجيني هم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال شريف. وبحسب القانون الإيطالي يمكنهم جميعاً مخاطبة الادعاء العام لنفي الوقائع، كما يمكنهم المطالبة بالمثول أمام الادعاء للإدلاء بأقوالهم. وأولهم صابر، الذي أصبح حالياً مساعد وزير الداخلية للأحوال المدنية، وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني، بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر. وسبق أن استعدت القاهرة لقرار محتمل بالقبض على الأربعة، أو إلزامها بتسليمهم، بإصدار قانون يسمح للحكومة بأن تطلب من المحكمة الدستورية العليا تعطيل قرارات المحاكم الأجنبية وقرارات المنظمات الدولية ضد مصر، بحجة مخالفتها للدستور المحلي.
تحاول اللجنة نسج سردية محكمة تؤكد سعي القاهرة منذ يوم اكتشاف الجثة إلى إخفاء الحقيقة وتضليل الإيطاليين
وبالتوازي مع هذه التطورات، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية عن اتصالات جديدة بين مصر وإيطاليا، ناقشت بعض مستجدات الأوضاع في ليبيا والتنسيق الأمني والعسكري في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية تطرقت إلى ضرورة العمل على زيادة التبادل التجاري بين البلدين واستئناف العلاقات الثقافية والتعليمية والصحية. لكن الرد جاء من الخارجية الإيطالية بصعوبة هذا الأمر حالياً بالنظر لتعقد قضية ريجيني. وقالت المصادر إن روما أبلغت بأن جميع أشكال العلاقات التي من الممكن إجراؤها بعيداً عن التعاقدات الخاصة بالمستثمرين والتسليح والأمن، تعتبر حالياً في حكم الموقوفة، فضلاً عن وقف المفاوضات بشأن القروض والمساعدات وغيرها من الاتفاقيات والبروتوكولات، لحين تحقيق تقدم في قضية ريجيني. وأضافت المصادر أن الجانب الإيطالي قدم مقترحاً ببدء الاتصالات بين الجهات القضائية المختصة في البلدين لاستحداث اتفاق للتعاون القضائي وتسليم المتهمين، وهو ما كان غيابه من أسباب تعثر القضية بهذه الصورة، وإجراء تحقيقات منفصلة في كل بلد والخروج بقرارات متناقضة رسمياً، لكن مصر ترفض هذا المقترح في الوقت الحالي، خصوصاً أن التفاوض حوله ربما يزيد العلاقات سوءًا.