أصدرت النيابة العامة المصرية ونظيرتها الإيطالية بيانا مشتركا يعلن انتهاء التحقيقات المشتركة بين البلدين في قضية مقتل جوليو ريجيني، دون تحقيق النتيجة المرجوة بالتوصل إلى الجناة الحقيقيين.
وعكس البيان المشترك وجود خلاف كبير بين الطرفين، حيث أكد البيان ما نشره "العربي الجديد" على مدار الشهر المنصرم من نية نيابة الجمهورية بروما إنهاء التحقيقات في الواقعة بالاشتباه في خمسة أفراد ينتمون لأجهزة أمنية بتصرفات فردية منهم، دون صلة بأي جهات أو مؤسسات حكومية مصرية، وعرض هذا الاشتباه وفق الإجراءات القضائية الإيطالية على قاضي التحقيقات الأولية في روما لتقييمه واتخاذ الإجراءات القضائية بشأنه.
وقالت النيابة المصرية إنها "تتحفظ" على الرؤية الإيطالية، موضحة أنه رغم إحاطتها وتقديرها للإجراءات القانونية الإيطالية، إلا أنها تتحفظ تماما على هذا الاشتباه ولا تؤيده، إذ ترى أنه غير مبني على أدلة ثابتة، مؤكدة تفهمها للقرارات المستقلة التي سوف تتخذها نيابة الجمهورية بروما في هذا الشأن.
وعادت النيابة المصرية إلى الحديث مرة أخرى- بعد نفيها ذلك منذ أكثر من عامين- عن ضلوع عصابة سرقة في خطف وقتل ريجيني، وهي الرواية التي سبق وأسقطها الطرفان تماما من حساباتهما.
وأضافت النيابة المصرية: "توصلنا إلى أدلة ثابتة على ارتكاب أفراد تشكيل عصابي واقعة سرقة متعلقات ريجيني بالإكراه، حيث عثر على تلك المتعلقات بمسكن أحد أفراد التشكيل، وأيدت شهادات بعض الشهود ذلك، كما ثبت منَ التحقيقاتِ ارتكابُ التشكيلِ جرائم مماثلة كان مِن بين المَجني عليهم فيها أجانب؛ منهم شخص إيطالي الجنسية خلاف الطالب المجني عليه، وأنهم استعملوا في ارتكابِ جرائمهم وثائق مزورة تنسبهم– على غير الحقيقة- إلى جهة أمنية مصرية، وسوف تتصرَّفُ النيابة العامة المصرية في تلك الواقعة على هذا النحو".
وبناء عليه، انتهت النيابة المصرية إلى أنها ستتصرف في القضية بالغلق المؤقت لعدم وجود دليل على هوية الجناة.
عادت النيابة المصرية إلى الحديث مرة أخرى- بعد نفيها ذلك منذ أكثر من عامين- عن ضلوع عصابة سرقة في خطف وقتل ريجيني، وهي الرواية التي سبق وأسقطها الطرفان تماما من حساباتهما
وسبق أن كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن الاتصال الأخير بين رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في العشرين من الشهر الجاري، تضمن إخطار القاهرة رسميا بقرب تحريك دعوى غيابية ضد الضباط الخمسة المشتبه، منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، بضلوعهم في خطف الطالب جوليو ريجيني وقتله بالقاهرة بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2016.
وأضافت المصادر أنه بالتواصل مع الجانب الإيطالي دبلوماسيا وقضائيا خلال الأيام التالية للاتصال مع المدعي العام بروما، تبين أنه قد أعد بالفعل مذكرة ادعاء لتقديمها إلى المحكمة المختصة خلال الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل، وأنه نظرا لعدم امتلاك روما أي معلومات شخصية عن الضباط الخمسة المشتبه بهم، عدا أسماء غير كاملة ووظائف بعضها قديمة، فإنه من المحتمل توجيه مذكرة الادعاء وطلب المثول أمام المحكمة إلى السفارة المصرية في روما أو القنصلية، باعتبارها القائمة على المصالح المصرية في إيطاليا وفقا للاتفاقات الدبلوماسية بين البلدين والقانون الدولي الجنائي، في ظل عدم وجود اتفاقية تعاون قضائي تنظم مثل هذه الحالة بين البلدين.
ورجحت المصادر أن يتم الإعلان عن التقدم بهذه المذكرة وتسجيلها في المحكمة ضد المتهمين الغائبين في أحد أيام 3 و4 و5 من الشهر المقبل، إلا إذا تقدمت النيابة العامة المصرية قبل هذا التاريخ المرتقب بمعلومات جديدة من شأنها تعطيل تحريك الدعوى.
وتأتي هذه المستجدات تأكيدا للمعلومات التي انفردت بها "العربي الجديد" في الثلاثين من الشهر الماضي، في أعقاب لقاء عقده بالقاهرة النائب العام المصري حمادة الصاوي وفريق من النيابة المصرية الموكل إليه التعاون القانوني في القضية، مع فريق من مكتب المدعي العام بروما، حيث كشفت المصادر القضائية والدبلوماسية المصرية أن الوفد الإيطالي تحدث خلال الاجتماع ضمنيا عن احتمال اضطراره إلى إصدار قرار بغلق القضية مؤقتا بتوجيه اتهامات للشخصيات المصرية التي تم التوصل إليها في التحقيقات، ورفع أسمائهم إلى الإنتربول إذا لم تبد السلطات المصرية تعاونا في الكشف عن التفاصيل الحقيقية للحادث، بعيدا عن سيناريوهات التدليس والتلاعب التي حاولت الترويج لها سابقا، وبعيدا أيضا عن أي ادعاءات بتورط ريجيني في أنشطة تجسس أو تخابر.
والضباط الخمسة هم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبد العال شريف، وأمين الشرطة محمود نجم.
واللواء طارق صابر كان خلال الواقعة يعمل مديرا لقطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر.
أمّا الضابط الثاني، وهو العقيد آسر كمال، والذي كان يعمل رئيساً لمباحث المرافق بالعاصمة، وتوجد دلائل على أنه هو الذي أشرف على رسم خطة تعقّب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام، وقد تمّ نقله بعد الحادث بأشهر عدة للعمل بمحافظة أخرى.
أما المقدم مجدي شريف، فقد سبق أن نشر ادعاء روما اسما رباعيا تقريبيا له هو "مجدي إبراهيم عبد العال شريف"، وهو الضابط الذي أبلغ عنه ضابط أفريقي بأنه سمع منه حديثا عفويا أثناء تدريب للضباط الأفارقة في كينيا عام 2017، اعترف فيه بتورطه في قتل ريجيني، أو "الشاب الإيطالي" كما وصفه، إلى حد القول إنه "لكمه عدة مرات" بسبب "الاشتباه في كونه جاسوسا بريطانيا".
وتتجه التحقيقات الإيطالية إلى أن الضابط مجدي شريف شارك ثلاثة ضباط آخرين، غير الخمسة المشتبه بهم، أو خلفهم في إدارة ملف ريجيني، وأنهم جميعا قاموا بتكوين شبكة من المخبرين حول ريجيني، والتي تضم- حسب السيناريو الإيطالي- كلا من زميلة ريجيني المقربة الباحثة نورا وهبي، وشريكه في السكن محمد السيد الصياد، ونقيب الباعة الجائلين.