جاء رد الفعل الانتقامي الروسي، أخيراً، عبر فرض إجراءات عقابية بحق ممثلين عن الحكومة الألمانية، من ضمن قائمة شملت أسماء آخرين في دول الاتحاد الأوروبي، ليزيد العلاقات توترا مع برلين وبروكسل، بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي عقوبات، وجمد ممتلكات لمقربين وكبار المسؤولين في إدارة الكرملين، من بينهم رئيس جهاز المخابرات الداخلية ونائبا وزير الدفاع.
ويأتي ذلك كله على خلفية تأكيدات مختبرات في السويد وفرنسا وألمانيا أن عملية تسميم أليكسي نافالني، أبرز معارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تمّت بغاز نوفيتشوك، فيما يعتبر الأوروبيون أيضا أن العملية لم تكن لتحدث من ون علم وموافقة وكالة الاستخبارات الروسية، وهو ما ينفيه الكرملين، رافضًا كذلك التجاوب مع طلبات ألمانيا في ما يخص التحقيق.
وعلى وقع هذا التصعيد الروسي بحق ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، برز تعليق للكاتب الصحافي جاك شوستر، اعتبر فيه أنه "حان الوقت للتصريح وبوضوح أن العلاقات الروسية الألمانية أسوأ من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة"، داعيا برلين "للتصرف وعدم الصمت، بدلا من الاستمرار بمواجهة كل استفزاز بلطف"، مبرزا أن "الهجمات العدائية لموسكو كتسميم المعارضين في أوروبا، مثل سيرغي سكريبال في بريطانيا وسلميشان شانغوشفيلي في برلين، تشكل انتهاكا للقانون الدولي، واحتلال شبه جزيرة القرم يؤكد ذلك".
ورأى شوستر أن "التجربة تثبت أن التعامل بهدوء له تأثير منشط على جميع الحكام الاستبداديين والشموليين"، داعيًا إلى "ردّ قاس"من قبيل "تخلي الحكومة الاتحادية عن مشروع نورد ستريم 2 لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر البلطيق".
من جهته، قال المتحدث باسم السياسة الخارجية للاتحاد المسيحي في البوندستاغ، يورغن هاردت، إن العقوبات الروسية ضد ألمانيا ودول الاتحاد مؤشر على التوتر في موسكو، وتسلط الضوء مرة أخرى على مشاكل روسيا مع الديمقراطية وسيادة القانون، ورأى أنه سيأتي يوم "ونقول فيه إن قضية نافالني كانت بداية نهاية حكم بوتين".
وعلّقت صحيفة "دي فيلت"، أمس الأربعاء، على رد الفعل الروسي بالقول إن "قضية نافالني اتخذت بعدا واسعا، ومن وجهة نظر الدولة الروسية، لا يمكن أن يكون هناك سياسيون مستقلون في البلاد يشككون في سلطة بوتين، لذا فان الكرملين يعتبر نافالني ليس أكثر من أداة للفاعلين وللاعبين الأجانب الذين يسعون وراء هدف التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا وزعزعة استقرارها".
وعلاوة على ذلك، ترى الصحيفة أن "احتضان ألمانيا لنافالني، الذي جعل أدوات سلطة بوتين هدفا للسخرية والاستهزاء بفضحه أجهزتها، قد يعقد العلاقات أكثر مع برلين. عدا عن أن منحه حق اللجوء في ألمانيا قد يبقيه معارضا شرسا من المنفى، وله أن يستمر في التواصل عبر الفيديو مع مؤيديه من المعارضين". وفي هذا الإطار، اعتبر المتحدث باسم السياسة الخارجية داخل الحزب الليبرالي الحر غراف لامبسدورف، في حديث لـ"شبيغل أونلاين"، أن الحكومة الروسية تريد أن تثبت قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد الغرب. مع العلم أن بوتين، وفي مؤتمره الصحافي السنوي، تحدث عن تورط نافالني المزعوم مع أجهزة المخابرات الغربية.
تجدر الاشارة إلى أن نافالني أعلن، الاثنين الماضي، أن أحد موظفي أجهزة المخابرات الداخلية الروسية تواصل معه تحت اسم مستعار، وخلال المحادثة جعله يعترف بالتورط في محاولة اغتياله، ووثق نافالني المكالمة الهاتفية التي استمرت لأكثر من 45 دقيقة في مقطع فيديو، سجّل أكثر من 12 مليون مشاهدة في يوم واحد على قناته في "يوتيوب"، مبرزا أنه بقي على قيد الحياة فقط لأن قائد الطائرة التي كان على متنها في رحلة داخلية في سيبيريا، قرر الهبوط اضطراريا على مدرج مطار أومسك عندما ظهرت عليه الأعراض وتم نقله على الفور إلى المستشفى.
في المقابل، وصف مسؤولو الكرملين الفيديو بالمزيف، ولم يتردد المتحدث باسم بوتين دميتري بيسكوف في وصف ما كشف عنه مؤخرا بـ"أوهام الاضطهاد وجنون العظمة"، أما الموظف فتفيد التقارير بأنه تعرض للاعتقال.