قضية التمويل الأجنبي في مصر: الملف لم يغلق بعد

22 مايو 2021
ضُمت مؤسسات حقوقية تكافح التعذيب والإخفاء للقضية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

في السادس من مايو/ أيار الحالي، أصدر قاضي التحقيق المنتدب في القضية رقم 173 لسنة 2011، المعروفة إعلامياً بقضية "التمويل الأجنبي"، قراراً بحفظ التحقيقات مع 18 مؤسسة وكياناً، لأنه "لا وجه لإقامة الدعوى" نظراً "لعدم كفاية الأدلة". بل إن حيثيات الحكم تناولت دور المجتمع المدني في مصر بمنحى إيجابي، في سياق تقدم الأوطان ودعم المجتمع.
لقي الحكم ترحيباً كبيراً، واعتُبر بمثابة إغلاق لقضية التمويل الأجنبي المفتوحة منذ 10 سنوات، خصوصاً أنه جاء في أعقاب حكم آخر صدر في مارس/ آذار الماضي، بإنهاء التحقيقات مع 20 منظمة أخرى في نفس القضية. ومن قبلهما، صدر حكم في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، شمل 20 مؤسسة وكياناً، ليصل العدد النهائي للمنظمات التي تم حفظ التحقيقات معها في القضية ككل إلى 58 مؤسسة، كلها ثبتت براءتها تماماً.

التحقيقات حفظت مع منظمات مجتمع مدني تنموية وليست حقوقية

ظاهرياً، هذا التطور أغلق ملف واحدة من أطول القضايا في القضاء المصري، امتدت لعشر سنوات، دون حفظ للتحقيقات أو إحالة للمحاكمة، ولا شيء سوى أبعاد سياسية في الأفق. لكن هذا الحكم، الذي حصد ترحيباً حقوقياً محلياً ودولياً، يخفي خلفه جوهر الأزمة من دون حل، وهو الأفق السياسي للعداء الممتد بين النظام المصري، والمنظمات الحقوقية التي لم يشملها قرار الغلق.

بنظرة أعمق، فإن التحقيقات قد حفظت مع منظمات مجتمع مدني تنموية، وليست حقوقية، وليس لها علاقة مباشرة بالأبعاد السياسية للقضية. وكثير منها منظمات قبطية، أو وثيقة الصلة بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، مثل الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، والجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، ومركز التنوير للتنمية وحقوق الإنسان، ومؤسسة محمد علاء مبارك الخيرية، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وجمعية النهضة الريفية بشبين الكوم بمحافظة المنوفية، وجمعية رواد البيئة، وغيرها.

لكن القضية ما زالت سارية مع منظمات المجتمع المدني الحقوقية، المتشابكة مع كل القضايا السياسية التي تؤرق النظام الحالي، كما أرقت سابقيه، مثل قضايا التعذيب والإخفاء القسري والحريات الشخصية. وضمن هذه المنظمات: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز أندلس لدراسات التسامح والمساواة، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وغيرها.

ولفهم سبب الإبقاء على سير التحقيقات مع تلك المنظمات خاصة، لا بد من العودة إلى النصف الثاني من عمر القضية، وتحديداً لعام 2016، مع إعادة فتح القضية لضم المؤسسات الحقوقية الجادة المعنية بمكافحة الفساد والتعذيب والإخفاء القسري، مثل مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب والعنف، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومركز القاهرة لحقوق الإنسان، ضمن 37 منظمة أخرى تم ضمها للقضية في هذا الوقت، رغم أن القضية بدأت في ديسمبر 2011 بـ17 منظمة فقط. وكان من الممكن غلق ملف القضية، مع الإفراج وترحيل الأجانب المتهمين فيها، ضمن 43 شخصاً قبض عليهم في ديسمبر 2011. كما كان من الممكن غلقها في فترة حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، بالحكم الصادر في يونيو/ حزيران 2013، بمحاكمة 43 من العاملين في المؤسسات المشمولة في القضية، بأحكام غيابية تتراوح بين سنة و5 سنوات مع إيقاف التنفيذ.

كما كان من الممكن جداً غلقها تماماً، بأن يشمل الحكم الأخير، الصادر في 6 مايو الحالي، جميع المنظمات المشمولة في القضية. لكن هذا لم يحدث، وتم الإبقاء على منظمات، بسبب العداء المباشر بين مؤسسيها والنظام، والذي يتمثل في الأحكام المباشرة الصادرة بحق مؤسسيها، والتضييق عليهم بتجميد أموالهم ومنعهم من السفر على خلفية هذه القضية. ليس هذا وحسب، بل إن المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، مثلاً، تعرض، في ديسمبر 2019، للضرب وإغراقه بمواد الطلاء في الشارع، بعد تحطيم سيارته في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، والقبض على المحامي الحقوقي العامل بالشبكة عمرو إمام، وضمه للقضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، باتهامات "مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي".

تم الإبقاء على منظمات بسبب العداء المباشر بين مؤسسيها والنظام

كما أن بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، حكم عليه غيابيًا في أغسطس/ آب 2020، بالسجن المشدد 15 سنة، لاتهامه بنشر أخبار كاذبة والتحريض ضد الدولة، وإهانة القضاء، في القضية رقم 5370 لسنة 2020 جنايات الدقي، المقيدة 91 لسنة 2020 حصر أمن دولة، لـ"قيامه بإنشاء حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، وإذاعة وبث أخبار كاذبة من خلاله، والتحريض على العنف، وإهانة السلطة القضائية". هذا بخلاف التضييقات الأمنية التي واجهتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والتي لم تكن لتمر سوى بتدخلٍّ دولي من الجهات والسفارات الأوروبية المانحة.

ومع ذلك، فقد توسمت هذه المنظمات الحقوقية المشمولة في القضية، في النظام المصري، بصيصاً من الأمل. وتقدمت قبل صدور الحكم الأخير بأيام بورقة موقف جماعي، شملت 7 إجراءات ضرورية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، فيما وصفته بـ"الاختبار الحقيقي لجدية أي تعهدات رسمية تتردد في الآونة الأخيرة حول إصلاحات، أو انفراجة، في الملف الحقوقي". وتبدأ هذه الإجراءات السبعة بـ"الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطياً، أو المحكوم عليهم، من جميع التيارات السياسية بالآلاف بسبب نشاطهم السلمي"، وتنتهي بـ"رفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية، والتي تجاوز عددها 600 موقع محجوب، بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي".

المساهمون