قصف دهوك: لا قرار عراقياً بطرد حزب "العمال الكردستاني"

26 يوليو 2022
جندي عراقي في منتجع برخ، الجمعة الماضي (سافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

تتجه الأوضاع في مناطق أقصى شمالي العراق الحدودية مع تركيا إلى مزيد من التعقيد، بعد أيام من القصف الذي استهدف منتجعاً سياحياً شمالي محافظة دهوك، مخلّفاً 40 قتيلاً وجريحاً من المدنيين.

واتهمت بغداد أنقرة بالمسؤولية عن القصف فيما نفت الأخيرة. وشهدت الأيام الماضية تسجيل هجومين بطائرات مسيّرة، للمرة الأولى من هذا النوع في المنطقة الشمالية الحدودية مع تركيا، استهدفا معسكراً للجيش التركي داخل الأراضي العراقية، مع حديث عن وقوف جماعات مسلحة حليفة لإيران خلف الهجوم، هو ما تنظر إليه أربيل بقلق كبير.

وانتهت حصيلة الهجوم على منتجع "برخ" بـ 9 قتلى، بينهم طفلة إضافة إلى 31 جريحاً، وفقا لوزارة الصحة في أربيل، التي أكدت أيضاً أن الحصيلة قد ترتفع لوجود حالات خطرة بين المصابين.

ورفضت الحكومة العراقية نفي أنقرة وقوفها خلف القصف، وأغلقت الباب أمام احتمال أن يكون القصف ناجماً عن طرف ثانٍ، وهو حزب "العمال الكردستاني" الموجود بكثافة في المنطقة المحيطة بالمصيف.

شكوى عراقية لمجلس الأمن الدولي 

وأعلن العراق رسمياً تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، السبت الماضي، مؤكداً أنه طالب بعقد جلسة طارئة لبحث "الاعتداء التركي"، وفقاً لبيان وزارة الخارجية العراقية، الذي جاء بالتزامن مع بيان للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، دعا فيه إلى "إجراء تحقيق عاجل بالقصف المدفعي لدهوك".


نائب عراقي: وفقاً لوزير الدفاع فإن العراق غير قادر على طرد الكردستاني

وعلى الرغم من استدعاء بغداد للقائم بالأعمال العراقي في أنقرة نازدار إحسان شيرزاد، للمشاورة واتخاذ خطوات تصعيدية عديدة، إلا أن مسؤولاً رفيعاً في وزارة الخارجية العراقية قال أول من أمس الأحد، لـ"العربي الجديد"، إن بلاده تواصلت السبت الماضي، مع مسؤولين أتراك لبحث الأزمة. 

وكشف أن "تواصلاً شمل أيضاً سلطات أربيل من قبل مسؤولين أتراك، من أجل المشاركة في التحقيق بالهجوم الدامي بمصيف قرية برخ، شمالي دهوك، مع تأكيد الأتراك عدم صلتهم بالهجوم"، مرجحاً زيارة وفد تركي إلى بغداد لبحث الأزمة وشرح الموقف التركي حول الهجوم.

ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن الجانب التركي يعتبر أن عملياته داخل العراق "دفاعية وليست هجومية، ويطالب العراق بفرض سيطرته على أراضيه الحدودية وعدم السماح بتنفيذ هجمات ضد المصالح التركية من خلالها، ويعرض التعاون في مساعدة العراق بفرض سيطرته أيضاً".

وأقرّ المسؤول بأن "هناك مشاكل كثيرة تحول دون تحرك العراق عسكرياً لفرض سيطرته، بينها ما يتعلق بالخلاف مع إقليم كردستان في نشر قوات الجيش العراقي داخله، وأيضاً ما يتعلق بجوانب سياسية تكمن في معارضة بعض القوى السياسية لمثل هذا لتحرك"، في إشارة إلى القوى الحليفة لإيران والتي تقود التصعيد الحالي.

وفي مقابل التدويل العراقي لملف التدخل العسكري التركي في شمال البلاد، تؤكد أطراف سياسية عدم قدرة الحكومة العراقية على إخراج عناصر حزب "العمال الكردستاني" من البلاد، أو وقف أنشطته كما فعلت مع جماعة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة من قبل، عازية السبب إلى جوانب سياسية وأخرى عسكرية.

وفي آخر التطورات، كشف نائب في البرلمان العراقي شارك في جلسة السبت الماضي الاستثنائية، التي شهدت استضافة وزيري الدفاع جمعة عناد والخارجية فؤاد حسين والاستماع منهما للموقف الميداني بالمناطق الشمالية من البلاد، لـ"العربي الجديد"، أن "عناد ورئيس أركان الجيش الفريق عبد الأمير يار الله، أكدا خلال الجلسة المغلقة، أن المناطق التي ينتشر فيها حزب العمال الكردستاني غير خاضعة لسيطرة القوات العراقية أو البيشمركة، ولا تمتلك تلك القوات أي وجود فيها".

وبيّن النائب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه "حسب كلام عناد فإن العراق غير قادر بشكل فعلي على طرد حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية، بسبب الحاجة إلى شن عمليات عسكرية كبرى، مشابهة لعمليات تحرير الأراضي من تنظيم داعش، والعراق غير مستعد حالياً على المستويين الأمني والسياسي لشن مثل هذه العمليات الأمنية".

واعتبر النائب العراقي أن وجود "دعم توفره جهات سياسية وفصائل مسلحة لحزب العمال الكردستاني، يُصعب عملية تضييق مساحة أنشطة الحزب ويضعف موقف العراق أمام تركيا".

وشدّد على أن "بقاء حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، يعني استمرار العمليات العسكرية التركية، الجوية أو البرية، في الأراضي العراقية. وهذا ما أكده وزير الدفاع والقادة العسكريون المرافقون له، ولهذا جرى الحديث على ضرورة إخراج حزب العمال الكردستاني لمنع أي اعتداءات تركية جديدة على الأراضي العراقية في المستقبل".

واعتبر النائب أن "تسجيل هجمات بطائرات مسيّرة مؤشر على وجود تعاون بين بعض الفصائل المسلحة ومسلحي حزب العمال، بسماح الحزب لتلك الفصائل بالدخول لمناطق نفوذه ومهاجمة قواعد تركية، وهذا ما يقلق سلطات الإقليم وأيضاً يهدّد بتعقيد المشاكل أكثر".

لكن محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، رأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "العراق يمكنه الحدّ من مساحة وجود مسلحي الكردستاني وليس كلها، كما أنه يمتلك القدرة على تجفيف منابع الدعم الذي يحصل عليه حزب العمال الكردستاني، لكون الأخير يتحرك بحرية في مناطق كثيرة من العراق، وليس المناطق الجبلية النائية فقط".

ولفت إلى أنه "فيما يتعلق بالمناطق النائية وبالتحديد منطقتي جبل قنديل وجبل سنجار، فإن العراق يحتاج إلى دعم وتنسيق أولاً مع إقليم كردستان، المتضرر من حزب العمال، وكذلك يحتاج إلى تفاهم وإسناد من تركيا، لاسيما الإسناد الجوي في بعض المناطق الجبلية النائية".

واعتبر أن "طرد الكردستاني من العراق يحتاج إلى رفع الدعم عنه، والذي توفره جهات سياسية وجماعات مسلحة داخل العراق".

بدوره، أوضح عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ياسر إسكندر وتوت، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "النواب شددوا خلال لقائهم وزير الدفاع والقادة العسكريين الذين حضروا معه جلسة البرلمان، على ضرورة أن يكون هناك موقف حازم من الوجود غير الشرعي لحزب العمال الكردستاني داخل الحدود العراقية، خصوصاً أن هذا الوجود هو المبرر الذي يدفع تركيا لشن هجمات جوية وبرية على الأراضي العراقية، وفق ما تعلنه أنقرة رسمياً وتؤكد عليه خلال كل الاجتماعات الرسمية مع المسؤولين العراقيين".

وأضاف وتوت أن "المناطق التي ينتشر فيها حزب العمال الكردستاني هي مناطق غير خاضعة لسيطرة القوات العراقية، ويتخذ منها مقرات عسكرية ومواقع تدريب ومخازن سلاح له، ولهذا فإن الحكومة مطالبة بالتحرك لإنهاء انتشاره بهدف سحب أي حجة لأنقرة في ما يتعلق بوجوده العسكري داخل أراضينا. لكن بحسب إفادة وزير الدفاع، فإن هناك صعوبة في ملف إخراج حزب العمال الكردستاني، ناجمة عن أسباب سياسية وعسكرية، لمح إليها الوزير من دون كشفها بشكل صريح".

في المقابل لخّص رئيس مركز "التفكير السياسي"، في بغداد إحسان الشمري، الأزمة بأنها "اندفاع تركي جغرافي داخل العراق، بسبب صمت حكومات بغداد ما بعد 2003".

ولفت الشمري إلى أن "هذا الصمت فسح المجال لتحول حزب العمال الكردستاني إلى أزمة عراقية، خصوصاً أن الحزب دخل على خط صراع القوى والنفوذ في الداخل العراقي، وعمل على تشكيل تحالفات واتفاقات مع أطراف سياسية وأخرى مسلحة في بغداد، لغرض تحقيق أهداف وأجندات عدة".

لا قرار عراقياً بمواجهة "الكردستاني"

وبيّن الشمري أن "تركيا تعلم جيداً أن لا قرار عراقياً لإخراج حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية، كما حصل سابقاً مع منظمة مجاهدي خلق، فتركيا باتت تدرك أن حزب العمال الكردستاني بات يُستخدم أيضاً من قبل أطراف دولية وإقليمية لغرض إيجاد مساحات ضغط على أنقرة، ولهذا السبب تحولت القضية إلى أزمة إقليمية ـ داخلية".


إحسان الشمري: إخراج الكردستاني من العراق يتطلّب إرادة سياسية

وأضاف أن "التخادم الذي يجري بين الأطراف الداخلية والإقليمية أثّر على موضوع القرار الرسمي العراقي بشأن إخراج حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية والتعامل معه. بالتالي إن إخراج هذا الحزب يتطلب إرادة سياسية، ولهذا السبب ستستمر الأزمة السياسية والأمنية بين العراق وتركيا، إضافة إلى العمليات العسكرية التركية الجوية والبرية داخل الحدود العراقية".

وينشط الآلاف من مسلحي حزب العمال الكردستاني في مناطق مختلفة من شمال العراق، منذ تسعينيات القرن الماضي، تقع أغلبها بمحاذاة الحدود مع تركيا، أبرزها سلسلة جبال قنديل الواقعة في المثلث العراقي التركي الإيراني، ومناطق سوران وسيدكان وزاخو والزاب وحفتانين وبرادوست وكاني ماسي، في شمال أربيل وشرقي دهوك، ويستفيد مسلحو الحزب من المناطق الجبلية الوعرة والكهوف التي وفرت لهم ملاذاً مناسباً طيلة السنوات الماضية.

وتعتبر عملية "قفل ــ المخلب"، التي أطلقتها وزارة الدفاع التركية في إبريل/نيسان الماضي داخل العراق، الثالثة من نوعها في غضون عام واحد، ويشارك فيها سلاح الجو ووحدات برية خاصة، في قرى ومناطق عراقية حدودية ضمن إقليم كردستان، تستهدف مواقع ومخابئ لمسلحي "الكردستاني".