كان تصويت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مساء الخميس، على قرار بتشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة سابقة تاريخية، بحسب ما يرى حقوقيون فلسطينيون.
وقرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أمس الخميس، إطلاق تحقيق دولي حول انتهاكات لحقوق الإنسان ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل منذ إبريل/نيسان الماضي، وأيضاً في "الأسباب العميقة" للتوترات.
وصدر القرار بتأييد 24 صوتاً ورفض تسعة أصوات وامتناع 14، وذلك خلال جلسة طارئة للمجلس التأمت بناء على طلب من باكستان بوصفها منسقا لمنظمة التعاون الإسلامي، والسلطة الفلسطينية.
واعتبر مدير "مؤسسة الحق" الفلسطينية شعوان جبارين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القرار حمل سابقتين تتعلقان بشمول التقرير ما يخص الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948، والحديث عن لجنة دائمة ومستمرة".
ومنذ العام 1948، وفقًا لجبارين، فإنه "لم تكن هناك لجنة تحقيق دولية تتعلق بالفلسطينيين في مناطق العام 1948، ما يعكس وحدة الشعب الفلسطيني، والبناء على وحدته في الميدان أخيراً من خلال المطالبات الدولية"، مؤكدا أن "هذه نقطة صيغت باحترافية في المشروع الذي تم التصويت عليه، بأن اللجنة ستتولى بحث جذور مشكلة التمييز على الأساس الإثني والقومي"، مفسراً أن "ذلك يعني الأبارتهايد والتمييز العنصري".
وأوضح جبارين أن "القرار شكل لجنة دائمة ومستمرة، ولم يتحدث عن سقف زمني، بل تحدث عن سقوف زمنية في تقديم التقرير، ولكنه تعامل معها على أنها مستمرة، وهذه سابقة ثانية.. لقد اعتدنا أن لجان التحقيق لها مهمة محددة. كما طلب القرار بأن تربط اللجنة في تقريرها الجرائم بالأشخاص، ما يعني توسيع الاختصاص والصلاحية، ووجود مطالبات محددة من اللجنة".
و"السابقة التاريخية في هذا القرار ليست بصدور قرار بلجنة تحقيق، فقد شكلت لجان تحقيق أعوام (2009، و2012، و2014)، وكانت فلسطين حاضرة دائماً في هذا المحفل الدولي، ولذلك تشن إسرائيل وشركاؤها حملتها على المجلس الذي تزعم أنه منحاز ويناقش بعين واحدة، في حين أن الحقيقة أنها ترتكب جريمة مستمرة ودائمة"، يوضح جبارين، مضيفا: "صحيح أن فلسطين حازت على أكبر عدد من الجلسات الطارئة في المجلس منذ نشأته، لكن السبب حجم جرائم الاحتلال".
وأشار مدير "مؤسسة الحق" إلى أن السنوات الثلاث الماضية "حملت صعوبات ناشئة عن خوف العديد من الدول من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وصعود اليمين في أكثر من دولة، وكان ذلك واضحاً في التصويت الحالي".
واعتبر المتحدث ذاته أن "القرار يعني موقفاً عالمياً داعماً للفلسطينيين، رغم وجود مصوتين ضده، أو ممتنعين عن التصويت، لكن من امتنعوا كان امتناعهم بسبب وجود نقاط محددة حاولوا تعديلها، وفي النهاية مرّ القرار، واللجنة ستضع الأمور بنصابها، وستضم شخصيات وقامات محترفة متخصصة ومهنية ومستقلة".
أشار مدير "مؤسسة الحق" إلى أن السنوات الثلاث الماضية "حملت صعوبات ناشئة عن خوف العديد من الدول من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وصعود اليمين في أكثر من دولة، وكان ذلك واضحاً في التصويت الحالي"
وحول إمكانية تطبيق القرار، في ظل إعلان الاحتلال نيته عدم التعاون مع اللجنة، قال جبارين: "إن التعاون لا يعني شيئا، لأن إسرائيل طوال الوقت غير متعاونة وتعربد، لكن اللجان تقوم بدورها وتصدر التقارير التي يؤخذ بها".
أما عن ترجمة التقارير، فإن جبارين يؤكد أن "غياب الإرادة السياسية لترجمتها لإجراءات عملية محددة بمواجهة الجريمة الدولية الإسرائيلية سيستمر"، لكنه استدرك قائلاً: "لا نريد تحميل اللجنة أو المجلس وتقريره الذي سيصدره أكثر مما يحتمل، وسيضاف ذلك لسجل إسرائيل الإجرامي، ويبنى عليه لاحقاً أمام المحكمة الجنائية الدولية وفي محافل عدة، وفي أي نقاش قانوني حول القضية الفلسطينية".
ويرى أن "الناس ربما يكونون محقين بسلبية القرار، لكن تقريراً مثل هذا النوع لا يحرر فلسطين، ونتطلع إليه على أساس أنه ساحة عمل، وفي ذلك قدر كبير من النجاح".
في السياق ذاته، أكد مدير "مركز القدس للمساعدة القانونية" عصام عاروري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القرار إيجابي في إطار إنهاء الحصانة لإسرائيل التي مكنتها من إدارة الظهر لكافة القوانين الدولية، وهي بداية لطريق طويل سيؤدي لاستمرار التراكمات الإيجابية لصالح حقوق الشعب الفلسطيني".
وأشار عاروري إلى أن "القرار سيشمل ليس العدوان الأخير على قطاع غزة فقط، بل ما سبقه من أحداث واعتداءات للاحتلال منذ بداية شهر رمضان في القدس والمسجد الأقصى، التي ترافقت مع حملات ترهيب شنها المستوطنون بالقدس والضفة الغربية بدعم من قوات الاحتلال، وما تلا ذلك من عدم احترام القوانين الدولية الإنسانية وقانون الحرب، بما يشمل عدم التناسبية والاستهداف الواضح للأهداف المدنية، خاصة في قطاع غزة، إضافة لجرائم المستوطنين تجاه الفلسطينيين بحماية قوات الاحتلال كجزء من نظام الأبارتهايد الذي أسس له الاحتلال".
وفي حال رفضت إسرائيل التعاون مع لجنة التحقيق، فإن عاروري يؤكد أن "جزءًا كبيرًا من تلك الجرائم بالإمكان إرسال بعثة بشأنها إلى قطاع غزة، والوصول للضحايا الآخرين بطرق عديدة. وإن كان ادعاء إسرائيل وقوع ضحايا مدنيين لديها، فلماذا تمنع لجنة التحقيق؟!".
وأوضح المتحدث ذاته أن "المطلوب فلسطينياً، لدعم القرار الأممي، ضرورة المساعدة بالتوثيق الجيد لجرائم الاحتلال، بتشريح جثامين الشهداء واستصدار تقارير طبية، والمعاينة على الأرض، وتأجيل إزالة آثار العدوان وعدم المساس بها، إلا بحالات اضطرارية خشية على الأهالي، من أجل تسهيل الوصول للحقيقة وتوثيقها".
ورغم صدور قرارات أممية مماثلة سابقاً، إلا أن عاروري يرى أن "القرار الحالي يعد الحالة الأوضح، ويفتح المجال واسعاً أمام عمل دبلوماسي وقضائي، يشمل محكمة جرائم الحرب، ويسهل المداولات الدولية وفضح جرائم الاحتلال، وهو مقدمة للضغط على إسرائيل وفرض عقوبات عليها، خاصة حظر اتفاقيات تصدير الأسلحة إليها".