قانون جديد للنقابات في الجزائر: للتنظيم أم للتضييق على الحريات؟

03 يناير 2022
شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من التضييقات على النقابات المستقلة عن خط السلطة (العربي الجديد)
+ الخط -

بدأت الحكومة الجزائرية في التحضير لمسودة قانون جديد، يتعلق بآليات تأسيس النقابات العمالية والمهنية، وكيفيات ممارسة العمل والحق النقابي، لتكييف النظم الحالية مع بنود الدستور الجديد، الذي جرى الاستفتاء عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

وناقش مجلس الوزراء، أمس الأحد، مسودة القانون الجديد، فأوصى الرئيس عبد المجيد تبون الحكومة بإشراك النقابات القطاعية في استحداث آليات قانونية لتقييم الأداء النقابي، وبأن تضمن مسودة القانون الجديد ضوابط التمثيل الحقيقي للنقابات، بعيدا عن التمييع الذي حصل في البلاد خلال الفترة الماضية، حيث توجهت السياسات السابقة للسلطة نحو تعويم الساحة النقابية بعدد كبير من النقابات في مختلف القطاعات المهنية، خاصة الصحة والتعليم، لإضعاف النقابات المستقلة التي أقلقت السلطة بمعارضتها لسياساتها. 

أوصى الرئيس تبون الحكومة بإشراك النقابات القطاعية وبأن تضمن مسودة القانون الجديد ضوابط التمثيل الحقيقي للنقابات بعيدا عن التمييع

ويشدد القانون الجديد على ضرورة "الفصل بين العمل النقابي والمسؤولية في التسيير والانتماء السياسي"، ما يعني "منع تغول" الأحزاب السياسية داخل التنظيمات النقابية، إذ تهيمن على النقابات العمالية، لا سيما الموالية للسلطة، أحزاب السلطة، واستخدمتها في دعم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، وخياراته السياسية، وإسناد هذه الأحزاب في الاستحقاقات الانتخابية، إضافة إلى منع الجمع بين العمل النقابي والتسيير الإداري في الوقت نفسه.  

وعلى الرغم من أن بيان مجلس الوزراء أشار إلى أن الرئيس تبون يعتبر أن "ممارسة الحق النقابي ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية، خاصة أن دستور 2020 يكفل ويكرس هذا الحق، وهو ما يفرض مراجعة قانون كيفيات ممارسة النشاط النقابي، ينبغي أن تتماشى ولوائح المكتب الدولي للعمل"، فإن النقابات العمالية المستقلة ما زالت متخوفة من النوايا الحقيقية للسلطة بشأن تحرير العمل النقابي، وغير واثقة من وجود رغبة حقيقية لدى السلطة لتحريره، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت سلسلة من التضييقات على النقابات المستقلة عن خط السلطة وملاحقة ناشطين نقابيين بسبب مواقفهم.

وخلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان تكتل النقابات المستقلة، والذي يضم 14 نقابة تنشط في قطاعات التعليم والصحة التضامن والتكوين والإدارة العمومية والبريد، قد أصدرت سلسلة من اللوائح والبيانات التي تدين فيها ما اعتبرته "تضييقا على الحريات النقابية"، كما كان التكتل قد رفع لائحة مشتركة في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى رئيس الحكومة، أيمن بن عبد الرحمن، لدعوته إلى "التراجع عن سياسات التضييق على  الحريات النقابية، ووقف التضييق على النقابات المستقلة، وإطلاق حوار اجتماعي تكون النقابات عضوة فيه".

النقابات المستقلة، ما زالت متخوفة من النوايا الحقيقية للسلطة بشأن تحرير العمل النقابي

ويعتقد ناشطون أن السلطة في الجزائر قلقة من السيطرة الواضحة للنقابات المسقلة على قطاعات حيوية، كالصحة والتعليم، وتعطيلها لهذه القطاعات في أكثر من مرة، وإجبار الحكومة على الاستجابة لمطالبها المهنية والاجتماعية من جهة، إضافة إلى القلق من الدور الكبير الذي لعبته النقابات والكوادر النقابية في تأطير مظاهرات الحراك الشعبي ومطالبه السياسية بعد فبراير 2019. 

وفي السياق نفسه، قال النقابي والقيادي السابق في النقابة المستقلة للتعليم في الجزائر، مسعود عمراوي، في قراءة نشرها حول المبادرة الحكومية لتعديل قانون الحق النقابي، إن تعديل قانون العمل النقابي يجب أن يركّز على "تعزيز الحقوق الـمكتسبة للعمال، وتعزيز حماية المندوب النقابي ضد أي قرار تسريح تعسفي، وأن تكون التعديلات مدعمة للحريات النقابية، ومراجعة لعملية التمثيل النقابي، والسماح بتأسيس فيدراليات، وكونفدراليات واتحادات عمالية"، إضافة إلى إلغاء اشتراطات حول التمثيل النقابي الذي يفرض على النقابة أن تحوز 20 في المائة على الأقل من عمال وموظفي القطاع كي تكون نقابة قابلة للتفاوض مع السلطات في القضايا والمطالب المهنية والاجتماعية.

ويرى الكاتب المتابع للنشاط النقابي في الجزائر، محمد طيبي، أن إشارة الرئاسة إلى أن مراجعة قانون كيفية ممارسة النشاط النقابي "ينبغي أن تتماشى ولوائح المكتب الدولي للعمل، ومراعاة ضوابط التمثيل الحقيقي للنقابات، بعيدا عن التمييع".

وقال طيبي: "قد يمثل ذلك خطوة مهمة في مجال إعطاء حريات أكبر لممارسة النشاط النقابي في بلادنا، والذي تراجع مثله مثل كل النشاطات السياسية والمدنية"، مضيفا أن هناك مشكلة تتعلق "بكوننا نجهل إلى اليوم تمثيل كل نقابة في بلادنا، وذلك بالأرقام وفي كل قطاع، بالرغم من أن القانون المطبق حاليا تطرق إلى آليات ذلك، لكن ذلك لم يحترم".

وعبر عن اعتقاده أن "السلطة ترفض إعطاء أرقام حتى لا تحرج ما تسمى النقابة المركزية الموالية للسلطة، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، التي تقهقر تمثيلها النقابي، وحلت محلها النقابات المستقلة التي أصبحت لها الكلمة الطولى في العديد من القطاعات، كالتعليم والصحة على الخصوص".

المساهمون