قانونيون يتوقعون قبول محكمة العدل الدولية غداً طلب وقف الحرب على غزة

25 يناير 2024
من أمام محكمة العدل الدوليّة قبل أسبوعين (تصوير ربيع عيد/العربي الجديد)
+ الخط -

مع اقتراب موعد جلسة محكمة العدل الدولية في لاهاي، غدًا الجمعة، للنطق بطلب دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل المتعلق بوقف مستعجل للقتال في غزّة بتهمة الإبادة الجماعية، يرى عدد من خبراء القانون أن المحكمة سوف تقبل على الأرجح الطلب الذي قدّمته جنوب أفريقيا، أو على الأقل ستقبل عدداً من البنود التسعة منه.

وتلتئم محكمة العدل الدوليّة، غدًا الجمعة، عند الساعة الواحدة، في جلسة نطق قرار القضاة الخمسة عشر، بعد مداولات استمرت أقل من أسبوعين. ومن المتوقع وجود عدد من المتضامنين مع القضية الفلسطينيّة أمام مبنى المحكمة وشخصيات سياسيّة. كما سافرت وزيرة العلاقة الدولية والتعاون (الاسم الرسمي لوزيرة الخارجية) لجنوب أفريقيا ناليدي باندورا، أمس الأربعاء، إلى لاهاي لحضور جلسة المحكمة التي اعتبرت "تاريخيّة" كونها قد تُمهد لمحاكمة إسرائيل خلال السنوات القادمة، وتُعرف عن الوزيرة مواقفها المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني منذ سنوات وفي أكثر من مناسبة دوليّة.

وفي حديث مع "العربي الجديد"، قالت المحامية عبير بكر إن "إسرائيل لم توفر أي سند قانوني مقنع لدحض ادعاءات الفريق الجنوب أفريقي بالحاجة لاستصدار أوامر او تدابير مؤقتة، فالمدنيون يقتلون كل يوم والحرب مستمرة والأوضاع ما زالت كارثيّة ولم يحصل أي تحول جذري منذ تقديم الدعوى وحتى موعد انعقاد الجلسة".

وأشارت بكر إلى ضرورة النظر للسياق الذي تأتي فيه هذه الحرب، إذ "ركّز الرد الإسرائيلي على حق إسرائيل بالدفاع عن النفس وحصر الأمور بيوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول وما يليه، حتى لو أردنا أن نرى العدوان الإسرائيلي بسياق الدفاع عن النفس، وجب على الإسرائيليين أن يوضحوا ضمن أي قوانين. احتلال؟ نزاع مع منطقة إقليميّة محاذية؟ مع دولة؟ مع ماذا؟ هل يمكن حقًا التعامل مع علاقة استخدام القوة مع غزة فقط من مبدأ الدفاع عن النفس دون وضعه بالسياق القانوني الأكبر وهو الاحتلال؟"، وفقا لتساؤلات بكر.

وأضافت أن "علاقة إسرائيل بغزة لم تبدأ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، وأن وضع السياق لا يأتي كمحاولة لتبرير الجرائم ضد المدنيين الإسرائيليين في ذلك اليوم، بل لأنه قد يكون السؤال الأول الذي يجب فهمه هل الاحتلال أو السيطرة الإسرائيلية على غزة قبل السابع من أكتوبر قانونيّة؟ وإن كانت الإجابة نعم، عندها نلجأ لبحث موضوع الحق بالدفاع عن النفس، فحتى مالكم شو (المحامي البريطاني ضمن طاقم الدفاع الإسرائيلي)، تهكم على موضوع السياق ولم يوفر أي إجابة عن السؤال القانوني الأهم حول الفضاء القانوني الذي استمد منه مبدأ الدفاع عن النفس في الحالة العينية".

جنوب أفريقيا وضعت إسرائيل في مأزق

وأكدت بكر أن موقف جنوب أفريقيا بوضع النقاش القانوني ضمن سياق الاحتلال هو أمرٌ صائبٌ، وذلك "ليس لأنه عاطفي أو سياسي وإنما لأنه قانوني"، مضيفة "حتى تبحث المبرر لاستخدام الدفاع عن النفس أنت بحاجة أولا لتعريف الوضعيّة القانونيّة للمنطقة المهاجمة". 

يُذكر أن محكمة العدل الدوليّة ستعقد جلستها في 19 فبراير/ شباط بقضية طلب استصدار مذكرة قانونيّة حول مدى قانونيّة الاحتلال الإسرائيلي المستمر، ويشمل ذلك في صيغته الحالية قطاع غزة على الأقل حتى السادس من أكتوبر/ تشرين الأول، أي قبل اندلاع الحرب على غزة.

الصورة
مانديلا
نيلسون مانديلا حاضراً بين المتظاهرين في لاهاي 12 يناير 2024 (تصوير ربيع عيد/ العربي الجديد)

أمّا في ما يخص الادّعاءات الأوليّة في ما يتعلق بقضية إمكانية التقاضي الإجرائيّة واختصاص المحكمة أو صلاحيتها بالبت بالقضية، فاعتبرت المحامية الناشطة في مجال حقوق الإنسان أن الطاقم الإسرائيلي لم ينجح في إقناع المحكمة بأن لا صلاحية لها في الخوض بالقضيّة، قائلة: "إسرائيل فوضت المحكمة للتداول في نزاعات عند توقيعها على اتفاقية منع الإبادة الجماعيّة".

وأضافت حول مطالبة إسرائيل برفض الطلب والدعوى بحجة عدم وجود صلاحية لتداول الموضوع قضائيًا في ظل غياب نزاع ثنائي بينها وبين جنوب أفريقيا: "جنوب أفريقيا أسندت حقها بالتوجه للتقاضي على مفهوم (حقوق تتعلق بالجميع)، الذي تم تحديثه بعد الإجراءات في قضية غامبيا ضد ميانمار عام (2019). وهذا المفهوم يعني أن المبادئ والمعايير الأساسيّة في القانون الدولي، وعلى رأسها حظر الإبادة الجماعيّة، هي التزامات تقع على عاتق جميع الدول تجاه المجتمع الدولي ككل، وليس شرطًا أن تكون الدولة المشتكية جزءًا من الحدث".

واعتبرت بكر أنه من المفارقة في هذا الموقف أن القاضي الإسرائيلي أهرون باراك والذي يُمثّل دولة إسرائيل في المحكمة "هو أول من وسّع إمكانية التوجه للقضاء والاعتراف بمكانة المتوجه ومنحه الحق بالمثول أمام المحكمة حتى وإن لم يكن طرفًا في النزاع المباشر". أمّا في ما يخص ادّعاء إسرائيل في المحكمة أن دولة جنوب أفريقيا لم تترك مجالًا للحوار واستعجلت اللجوء للقضاء، فقالت: "لا يوجد أي اشتراط قانوني لمفاوضات أو جلسات استباقية بين الأطراف، أي أن جنوب أفريقيا غير ملزمة قانونيًا بأن تنصاع لشروط إسرائيل بالتفاوض قبيل الذهاب للمحكمة وعدم الانصياع لمطالب إسرائيل لا يجعل من سلوك جنوب أفريقيا غير قانوني. وطبعًا نظرًا لخطورة الوضع في غزة التي تحتم إيجاد حل سريع في ضوء تفاقم الأزمة الإنسانية وازدياد أعداد القتلى، فإن اللجوء السريع للقضاء هو الأمر المطلوب والملزم".

الصورة
مظاهرات لاهاي
"لديهم أسماء. لديهم أحلام. تذكروا ضحايا الإبادة الجماعيّة في غزّة".. لافتة حملها المتظاهرون أمام محكمة العدل الدولية في 11 يناير 2024 (تصوير ربيع عيد/ العربي الجديد)

وعن محاولات إسرائيل تسييس توجه جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدوليّة، قالت بكر: "وضعت جنوب أفريقيا إسرائيل بمأزق أيضًا في كل ما يتعلق بالتشكيك بالنوايا. فلا نتحدث عن دولة عدو ولا نتحدث عن دولة لديها نزاع على الحدود وما إلى ذلك. لذا لجأت إسرائيل للطعن بالنوايا الحسنة لجنوب أفريقيا بأنها استضافت ممثلا عن حماس وكأنها داعمة له، وهذا هراء إن لم يكن ادعاء سخيفًا. لم يأت الطرف الإسرائيلي بأي أدلة قد تدل على وجود أسباب سياسيّة هجينة تقف وراء مطلب التقاضي". 

وأضافت بكر أن "جنوب أفريقيا لم تتردد بإدانة أحداث السابع من أكتوبر ووصفها بكلمات قاسية مثل "فظائع"، ولكنها شددت في الوقت نفسه على أن تلك الأحداث لا يمكن أن تكون مبررًا لفظائع أخرى تمارس ضد مدنيين".

وخلصت بكر إلى القول إن "محاولات إسرائيل الطعن بادّعاء جنوب أفريقيا حول وجود نية من قبل إسرائيل لارتكاب إبادة جماعيّة، لم تكن طعنًا موفقًا من الناحية القانونيّة، كذلك الأمر بالنسبة للطعن بالحقائق المرفقة التي قدّمتها جنوب أفريقيا في الدعوى".

تدابير مؤقتة لوقف إطلاق النار

وفي حديث مع سونيا بولص، الأستاذة المشاركة في قسم القانون الدولي لحقوق الإنسان في جامعة نبريجا الإسبانيّة، قالت: "أتوقع أن تُصدر المحكمة قرارًا بالتدابير المؤقتة نظرًا لعدة أمور، منها القضايا السابقة المشابهة، مثل حالة أوكرانيا وحالة غامبيا، إضافة إلى الحالة الإنسانيّة الصعبة التي يشهدها الناس في غزّة، التي وصلت حد الجوع وتفشي الأوبئة"، مضيفة أن "المحكمة لن تنظر إذا كانت كل الوقائع تدل على إبادة جماعيّة، بل إذا كان جزء من الوقائع يُمكن تأطيرها كتهمة إبادة جماعيّة، وهذا كاف لاستصدار ما طلبته جنوب أفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة، والتي تشمل وقف عمليات القتال في غزة ومنع طرد الناس من بيوتها أو تدمير الأدلة وغيرها".

وأضافت بولص، متحدثة لـ"العربي الجديد": "قد لا تقبل المحكمة كل البنود التسعة التي قدّمتها جنوب أفريقيا، وقد تقول لإسرائيل أيضًا إن عليها ضرورة الالتزام بالقوانين الدوليّة، لكن القرار النهائي لا يمكن أن يُقرأ على نحو ربح أو خسارة فقط، هناك عدّة مستويات، وحاليًا المحكمة ستقرر بالنسبة للتدابير المؤقتة، وجنوب أفريقيا قدّمت مداخلة ممتازة في ما يخص التدابير المؤقتة".

وتابعت: "حتى لو لم يكن القرار كما توقعنا، إلا أنه ستكون له أهمية من ناحية الضغط من قبل الرأي العام، ويمكن أن يقوّي الحركات المناهضة للحرب، كما يمكن لدول فرديّة ومؤسسات أو شركات أن تقطع علاقاتها مع إسرائيل".

وأشارت بولص إلى أنه "حتى لو أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة، فلا بد من توخي الحذر بشأن التأثير المباشر لقرار محكمة العدل الدولية، فقد تجاهلت إسرائيل بشكل صارخ قرارات مجلس الأمن الدولي الملزمة في الماضي، ولقد تصرفت بشكل مخالف لفتوى (رأي استشاري) محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية لبناء الجدار في الأرض الفلسطينيّة المحتلة عام 2004، والتي سلطت الضوء بشكل لا لبس فيه على عدم قانونيّة بناء إسرائيل للجدار، وعلى الرغم من أن الرأي الاستشاري ليس ملزمًا قانونًيا، إلا أنه لا يزال يمثل تفسيرًا للقانون الدولي من قبل أعلى محكمة دوليّة، ورفض إسرائيل قبول هذا التفسير يدل بشكل كبير على نهجها تجاه القانون الدولي".

وفي ما يتعلق بالقضايا الخلافية مثل تلك التي رفعتها جنوب أفريقيا، قالت بولص "إن المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة تتطلب من جميع الدول الأعضاء الالتزام بقرارات محكمة العدل الدوليّة في القضايا التي تكون طرفًا فيها، وفي حال عدم الامتثال، يجوز لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحكم، ولكن نظرًا للتحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فمن الصعب أن نتصور كيف سيلعب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دورًا في فرض قرار مستقبلي نظرًا لصلاحيات حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به الولايات المتحدة".

وقارنت بولص بين قضية غامبيا وغزّة في ما يتعلق بدور البعثات الدوليّة، قائلة: "في قضية غامبيا، اعتمدت محكمة العدل الدوليّة بشكل كبير على النتائج التي توصلت إليها البعثة الدوليّة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ميانمار، والتابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتبرير إصدار تدابير مؤقتة، فوفقًا لنتائج بعثة تقصي الحقائق لعام 2018، كانت الجرائم المرتكبة في ولاية راخين، والطريقة التي ارتكبت بها، مماثلة في طبيعتها وخطورتها ونطاقها لتلك التي سمحت بإثبات نية الإبادة الجماعية في سياقات أخرى. وفي تقريرها لعام 2019، خلصت بعثة تقصي الحقائق أيضًا إلى أنه (لأسباب معقولة... لا يزال شعب الروهينغا معرضاً لخطر الإبادة الجماعية بموجب شروط اتفاقية الإبادة الجماعية)".

أمّا في حالة غزة، فقالت بولص: "كما أبرزت جنوب أفريقيا، فإن إسرائيل تعرقل وصول الهيئات الدوليّة لتقصي الحقائق إلى المنطقة. ولذلك، هناك محاولة من جانب جنوب أفريقيا لرسم فسيفساء من المعلومات التي يمكن أن تثبت الادعاء بأن المجتمع الدولي يشهد إبادة جماعيّة في طور التكوين، فالطلب يشير إلى عدد لا يحصى من البيانات الصادرة عن رؤساء الأمم المتحدة ووكالاتها والجهات الفاعلة الدوليّة الأخرى، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر". 

وأضافت بولص: "من بين تلك الإشارات، يعتمد الطلب على بيان أصدره ثمانية مقررين خاصين في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، حذروا فيه من أنهم (ما زالوا مقتنعين بأن الشعب الفلسطيني معرض لخطر جسيم للإبادة الجماعيّة). ونشير أيضًا إلى التحذير الصادر في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، حيث حذر 15 مقررًا خاصًا للأمم المتحدة و21 عضوًا في فرق العمل التابعة للأمم المتحدة من أن (الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في أعقاب السابع من أكتوبر، لا سيما في غزة، تشير إلى إبادة جماعية في طور التكوين. ويسلط البيان الضوء على الأدلة على تزايد التحريض على الإبادة الجماعية، والنية العلنية لتدمير الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال)".

وخلصت بولص إلى القول: "من شأن القرار المناسب أن يمثل أيضًا تبريرًا وانتصارًا أخلاقيًا للضحايا الفلسطينيين، ويشكل اعترافًا دوليًا بالضرر الجسيم الذي لحق بهم، وهو انتصار لا ينبغي الاستهانة به. فقد جاء في قرار لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بشأن الإفلات من العقاب: (بالنسبة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، فإن المعرفة العامة بمعاناتهم والحقيقة حول مرتكبي هذه الانتهاكات، بما في ذلك المتواطئون معهم، هي خطوات أساسية نحو إعادة التأهيل والمصالحة)".

المساهمون