قاعدة عسكرية إيرانية في الساحل السوري لكسر الاحتكار الروسي

14 اغسطس 2024
يوم افتتاح مبنى القنصلية الإيرانية الجديد بدمشق، 8 إبريل 2024 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في الساحل السوري**: يعمل الحرس الثوري الإيراني على إنشاء قاعدة بين جبلة وطرطوس لمراقبة حركة الملاحة في البحر المتوسط، خاصة الأسطول الأميركي.

- **التدخل الإيراني في سلاح البحرية السورية**: بدأ التدخل في 2007، مع تسليم زوارق صواريخ نور في 2009، وإنشاء مقر عمليات مشترك في 2013 لتنسيق حركة السفن الحربية الإيرانية.

- **التنافس الإيراني-الروسي في الساحل السوري**: رغم النفوذ الروسي القوي، تسعى إيران لتعزيز وجودها البحري لتحقيق مكاسب أمنية واقتصادية، مما يخلق تنافساً بين الجانبين.

تؤكد معطيات من الساحل السوري أن الحرس الثوري الإيراني بصدد إنشاء قاعدة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط في خطوة يبدو أن الهدف منها ترسيخ نفوذه أكثر في البلاد، ما يفسر الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع في محافظة طرطوس خلال العام الحالي. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن الحرس الإيراني يعمل منذ عام على إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في الساحل السوري والتي باتت في المراحل الأخيرة، فيما تتموضع في قطعة عسكرية للنظام السوري بين مدينتي جبلة وطرطوس.

إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في الساحل السوري

ويوضح الباحث العسكري في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القيادي في الحرس الثوري الإيراني رضا زراعي، كان المشرف على إنشاء القاعدة العسكرية قبل أن يُقتل مطلع مارس/ آذار الماضي، مع مرافقيه من حزب الله اللبناني بغارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى سكنياً بالقرب من ميناء بانياس". ويشير إلى أن الإعلام الإيراني نعاه في حينه على أنه ضابط بالفيلق الأول لمشاة البحرية الإيرانية، معتبراً أن طهران "تضع المجال البحري السوري ضمن خططها لتحقيق أهداف سياسية تتمثل بمد النفوذ والوصول إلى المتوسط، وعسكرية تتمثل بتعزيز قواتها في سورية".

ووفق موقع تلفزيون سوريا، أول من أمس الاثنين، تولى مهمة إكمال بناء القاعدة بعد مقتل زراعي، العميد في قيادة المنطقة الخامسة في القوات البحرية التابعة للحرس الثوري حميد رضي زاده، الملقب بالحاج غلام، والذي يقود "وحدة إيرانية - لبنانية مهمتها مراقبة حركة الملاحة في مياه البحر الأبيض المتوسط، وعلى وجه الخصوص حركة الأسطول الأميركي والقطع الحربية التابعة لجيوش دول غربية".

رشيد حوراني: الحضور العسكري الإيراني في الساحل السوري ينافس الوجود الروسي

وفي سياق إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في الساحل السوري يبيّن حوراني أن التدخل الإيراني في سلاح البحرية السورية يعود إلى عام 2007، مشيراً إلى أنها "استلمت في عام 2009، زوارق إيرانية تحمل صواريخ من طراز نور، بقاعدة ثنائية". ويوضح أنه في عام 2013، بدأ الوجود الإيراني في مقر عمليات مشترك لـ"القوى البحرية والقوى الجوية، وأجهزة الحرب الإلكترونية"، التابع لقوات النظام في ريف طرطوس، وذلك لـ"تنسيق حركة السفن الحربية الإيرانية داخل المتوسط ومراقبة السفن التجارية التي تقوم بنشاطات عسكرية كأن تحمل قطع الصواريخ في خزاناتها". ويلفت إلى أن هذا المقر "يرصد المسرح البحري ضمن البحر الأبيض المتوسط إضافة لحركة الطيران"، مضيفاً أنه "تم إنشاء وتجهيز مبنى في قيادة القوى البحرية منذ العام 2013، وخُصص طابق كامل للخبراء الإيرانيين فيه".

وكان النظام السوري قد أعطى شركة إيرانية، قبل أكثر من خمس سنوات، امتياز إنشاء مرفأ جديد في محافظة طرطوس بمنطقة عين الزرقا شمال منطقة الحميدية المحاذية للحدود مع لبنان، وامتياز إدارته وتشغيله لمدة زمنية تتراوح من 30 إلى 40 عاماً. ويرى حوراني أن "إيران تسعى من خلال وجودها البحري في سورية إلى تحقيق مكاسب أمنية متعددة، مستفيدة من تداخل دور عمل المؤسسات العسكرية البحرية السورية، بعمل المؤسسات المدنية". ويضيف أن "طهران تبحث أيضاً عن مكاسب اقتصادية، وجيوسياسية تتمثل بمد نفوذها في المنطقة"، بيد أن حوراني يرى أن المخطط الإيراني ربما لن يتحقق في الساحل السوري "بسبب النقمة الدولية على سياساتها الإقليمية"، وأن "الحضور العسكري الإيراني في الساحل ينافس الوجود الروسي وتحكّمه المطلق في سورية".

واستهدف الطيران الإسرائيلي أكثر من مرة مواقع في ريف طرطوس على الساحل، آخرها كان في يوليو/تموز الماضي، ما يدل على وجود نشاط عسكري إيراني في المنطقة التي يُنظر إليها على أنها منطقة نفوذ روسي بسبب وجود قاعدة حميميم في ريف اللاذقية المجاور، وهي مركز قيادة القوات الروسية في عموم سورية. كما يوجد فيها ما يسمى بـ"مركز المصالحة الروسي"(مؤسسة تركية-روسية مشتركة تأسست بالاتفاق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة)، وغرفة العمليات الرئيسية التي تُدار منها الأعمال القتالية في سورية.

ولروسيا قاعدة أخرى في طرطوس نشرت فيها منظومة صواريخ "أس 300"، والتي تأتي بعد حميميم لجهة الأهمية بالنسبة لموسكو، إذ تتيح مراقبة التحركات العسكرية في المتوسط. ومنح النظام السوري، في عام 2017، روسيا عقد إيجار لميناء طرطوس لمدة 49 عاماً، مع إمكانية التمديد لـ25 عاماً إضافية بعد انتهاء الفترة الأولى. ويبدو أن الجانب الروسي لم يعارض إنشاء قاعدة إيرانية في مناطق نفوذه غربي البلاد، ما دامت تساعده في مناكفة الغرب في مياه المتوسط.

وتعليقاً على الأنباء الواردة عن إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في الساحل السوري يبيّن الخبير العسكري السوري، ضياء قدور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الوجود العسكري "كان محدوداً في الساحل غربي البلاد"، مشيراً إلى أن "النشاط الإيراني هناك بدأ منذ نحو عام". ويضيف أن "سلاح البحرية التابع للنظام يملك قوارب إيرانية سريعة من طراز تير، إلا أن استخدامها ظل في نطاق محدود".

ضياء قدور: مقتل القيادي بالحرس الثوري الإيراني رضا زراعي أكد الشكوك حول تعزيز الوجود الإيراني في الساحل السوري

حماية المصالح الإيرانية

ويقول قدور إن رضا زراعي "هو أول ضابط بحري إيراني يُقتل في سورية"، لافتاً إلى أن "مقتله أكد الشكوك التي كانت موجودة بشأن مساعٍ إيرانية حثيثة لتعزيز الوجود في الساحل السوري". كما يوضح قدور أن "زراعي كان من أهم الخبرات الفنية الإيرانية في مجال الصناعة البحرية العسكرية الإيرانية"، مضيفاً أنه "يمكن النظر إليه على أنه كان من نخبة النخبة في قوات المنطقة البحرية الأولى في بندر عباس، وهي أقرب منطقة لمضيق باب هرمز، وتتولى الإشراف على عمليات الدفاع والهجوم هناك".

ويصف قدور إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في الساحل السوري بـ"التطور الخطير وغير المسبوق في مجريات الصراع"، كون هذه القاعدة تقع في منطقة تعتبر مجال نفوذ روسي حصري. ويبيّن أن "القاعدة تضم صواريخ من نوع نصر، وأخرى من نوع نصير، وقوارب من طراز سراج (قاذف للصواريخ)"، مضيفاً أن "المعلومات التي لدينا أن قوارب تير مزودة بصواريخ دودة القز (سيلك وورم، من إنتاج الصين) من طراز سي-802 (طورّته إيران)".

من جانبه، يرى الباحث السياسي السوري، وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الغاية من إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية في الساحل السوري "ليست هجومية، خصوصاً في ظل الوجود الأميركي في المتوسط"، مضيفاً أن "طهران تريد قاعدة تحمي مصالحها شرقي المتوسط والتي ترتبط ربما بإجراءات أخرى لحماية نفوذها البري في سورية".

وتساند إيران النظام السوري عسكرياً وأمنياً منذ الشهور الأولى لانطلاق الثورة السورية في عام 2011، إذ بدأت مذ ذاك العام بنشر مليشيات في عموم المناطق السورية، حتى باتت اليوم من أبرز اللاعبين الإقليميين في البلاد، بل باتت كما تشير المعطيات تتحكم بالكثير من مفاصل القرار العسكري والأمني والاقتصادي.