قادة أوروبيون يدعون الناخبين الفرنسيين للتصدّي لليمين المتطرّف: قلق من احتمال فوز لوبان

22 ابريل 2022
فوز لوبان بالانتخابات قد يخلط الأوراق الأوروبية (ثييري موناس/ Getty)
+ الخط -

يثير منذ أيام احتمال فوز زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، على الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد غد الأحد، مشاغل وقلقاً أوروبياً، وأميركياً إلى حد ما.

ويعتبر التيار الاجتماعي الديمقراطي (يسار الوسط) والليبرالي الغربي، من اسكندنافيا شمالا إلى البرتغال جنوبا، على وجه الخصوص، أن العمل الأوروبي المشترك سيتعرض لضربة قوية في حال فوز لوبان. ورغم انشغال "دول الشمال" بالتهديدات الروسية لكل من فنلندا والسويد في حال انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي، فإن أوساط يسار ويسار الوسط تلتقي بشكل ملفت مع يمين الوسط التقليدي الأوروبي في تقييم مخاطر وصول اليمين المتطرف إلى قصر الإليزيه.

وغير بعيد عن ارتفاع منسوب القلق الأوروبي الشمالي، اندفع 3 من قادة دول محكومة بأحزاب اجتماعية ديمقراطية، المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيسا وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز والبرتغال أنطونيو كوستا، للتعبير عما يتخوفون منه في حال فقدوا بالفعل فرنسا كبلد مؤثر وكبير في سياق العمل الأوروبي، وخصوصا أنه شكل ثنائية مع ألمانيا في قيادة قاطرة الاتحاد الأوروبي.

تقارير دولية
التحديثات الحية

فبرغم أن الاستطلاعات منحت تقدما لماكرون، إلا أن انقسام المجتمع الفرنسي واحتمالية خسارة أوروبا لباريس لمصلحة التطرف القومي، بل واعتبار علاقة لوبان بالكرملين مصدر تهديد للعمل الأوروبي المشترك، دفعت بهؤلاء القادة الأوروبيين، أمس الخميس، إلى نشر مقال رأي مشترك في "لوموند". وتحت عنوان "نحتاج لفرنسا مدافعة عن قيمنا الأوروبية المشتركة"، ناشد شولتز وكوستا وسانشيز الناخبين الفرنسيين التصدي لـ"التعصب اليميني القومي".

مواجهة مفتوحة مع الرئيس الروسي

وحتى من دون ذكر اسمي المرشحين (لوبان وماكرون) بدت الرسالة الأوروبية واضحة: "الاختيار الذي يواجه الشعب الفرنسي حاسم لكل من فرنسا ولنا جميعا في أوروبا". واعتبر هؤلاء أن "الاختيار هو بين مرشح ديمقراطي يعتقد أن فرنسا تبقى أقوى كجزء من اتحاد أوروبي قوي ومستقل، ومرشحة من أقصى اليمين منحازة صراحة إلى أولئك الذين يهاجمون حريتنا وديمقراطيتنا". الانحياز إلى الكرملين، الذي تتهم به لوبان، وهو ما كرره ماكرون في المناظرة الأخيرة بينهما، يأتي في وقت حساس جدا لأوروبا والغرب عموما في مواجهة مفتوحة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

إيمانويل ماكرون (لويز ديلموت/ Getty)
مراهنة أوروبية على فوز ماكرون (لويز ديلموت/ Getty)

لا يخشى الأوروبيون فقط علاقة اليمين المتطرف الفرنسي بموسكو، بل في بقية القارة؛ كما في إيطاليا والنمسا والمجر وبولندا وألمانيا والسويد وشخصيات برلمانية دنماركية. ويلتقي يسار الوسط ويمينه (ليبراليون ومحافظون تقليديون) في التخوف من استقواء الشعبويين واليمين المتشدد بوصول لوبان إلى السلطة. بل إن تأثيرات فوزها تنسحب على واشنطن، القلقة أيضا من احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الرئاسيات القادمة بعد نحو عامين. وحذرت أمس الخميس النائبة الديمقراطية حاليا (الجمهورية سابقا) جين هارمان، خلال لقاء لها على محطة "إ م إس إن بي سي"، من النتائج السلبية لوصول لوبان إلى الحكم، ومما سمته "التأثير والتلاعب الروسي في الانتخابات الفرنسية". وشددت في الوقت نفسه، مثل القادة الأوروبيين، على الانعكاس السلبي لفوزها على وحدة الموقف الأوروبي وحليفه الأميركي في لحظات حرجة للحلف الغربي.

توسع معسكر أشباه بوتين

الخوف من خسارة فرنسا يدفع بالأوروبيين، ومعهم واشنطن، إلى التحذير من أن " قلب الرئيس الروسي بوتين جدول الأعمال العالمي، لم يجعل معسكر الشعبويين واليمين المتطرف يتراجعون في بلادنا عن اعتبار بوتين نموذجا أيدولوجيا وسياسيا بتكراره مطالبه القومية"، كما كتب القادة الثلاثة في "لوموند"، متهمين ذلك المعسكر بأنه "يتبنى سياسات بوتين حيال الأقليات والتعددية، وأحلامه بخلق دولة قومية من نوع (إثنية) واحد، ولا يجب أن ننسى ذلك، وإن حاولوا النأي بأنفسهم عن المعتدي الروسي".

مارين لوبان (ليدوفيش ماران/ فرانس برس)
مخاوف من أن تخلق مارين لوبان المفاجئة (ليدوفيش ماران/ فرانس برس)

وما من شك في أن أوروبا قلقة من توسع معسكر ساسة الطراز القومي المتعصب (ويسري ذلك على المجر وبولندا والتشيك وغيرها) الذي لم يخف إعجابه بالحكم في موسكو، على صعيد الهوية القومية والدينية، ومركَزة ثقافة وسلطة محافظة لا تروق لمعسكر الليبراليات الغربية.

صحيح أن أوروبا تعيش أيضا مأزق التخلي عن الطاقة الروسية، لكن موقف اليمين المتشدد في القارة، بما فيه موقف لوبان، يرى أنه ما من داع لفرض عقوبات على قطاع الغاز والنفط الروسي. ذات التوجه انتهجه رئيس وزراء المجر المحافظ فيكتور أوربان أخيرا، في سياق انتخابي أعاد له السيطرة بالانتخابات. بل عبرت لوبان بوضوح عما يدور في عموم معسكر اليمين المتطرف الأوروبي، بمعارضتها تزويد فرنسا الأوكرانيين بأسلحة ثقيلة، معتبرة أن ذلك "سيؤدي إلى جر الفرنسيين نحو الحرب مع روسيا".

78888

خنق مؤسسات الاتحاد الأوروبي

خشية أوروبا من ذهاب باريس بعيدا عن المشروع الأوروبي يدفع بشكل غير مسبوق قادة دول إلى ما يشبه التدخل في الانتخابات الفرنسية. فبالنسبة لهم هم لا يحتاجون إلى عودة مشهد ضعف القارة وانقساماتها في أعقاب استفتاء الخروج البريطاني في 2016. فلوبان، وبالأحرى الجناح اليميني المتشدد، رغم عدم التمسك صراحة كما في السابق بمسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أن الحديث عن "إصلاح الاتحاد الأوروبي من الداخل" يراه مؤيدو وحدة حال القارة بمثابة "خنق لمؤسساتها المشتركة".

سيرة سياسية
التحديثات الحية

مع تولي فرنسا في بداية العام الحالي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة ليزيكو أن 27 في المائة من الفرنسيين فقط يرون ميزة في عضوية بلادهم في الاتحاد، بينما اعتقد 33 في المائة أن العيوب أكثر من المزايا، فيما اعتبر 39 في المائة أن المزايا والعيوب توازن بعضها بعضاً. ومما لا شك فيه أن وعود لوبان بجعل القانون الفرنسي أولوية على القوانين الأوروبية يعني بالنسبة للأوروبيين والفرنسيين من أصحاب التوجه الأوروبي حدوث فوضى موسعة، تضاف إلى فوضى يتسبب بها جناح قومي متشدد يحكم في وارسو وبودابست.

لوبان خلال زيارتها لبوتين (ميخائيل كليمينتييف/ فرانس برس)
لوبان خلال زيارتها لبوتين عام 2017 (ميخائيل كليمينتييف/ فرانس برس)

وعلى ما يبدو، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا زادت الضغوط على مجمل معسكر اليمين المتطرف في أوروبا. واضطرت لوبان إلى جعل مسافة بينها وبين الغزو الروسي، بينما ظل الساسة ووسائل الإعلام يستعيدون إشادتها ببوتين بعد ضمه شبه جزيرة القرم، وزيارتها له في الكرملين في 2017، وينبشون في قضية اقتراضها في 2014 نحو 10 ملايين دولار من بنك روسي وثيق الصلة ببوتين.

ماكرون: اليمين المتطرف يعيش على مشاعر الخوف والاستياء

من جانب آخر، أقر الرئيس الفرنسي بفشله في تهدئة قدر من الغضب في البلاد، وهو ما تستغله منافسته لوبان لدفع حملتها الانتخابية.

كان الرئيس المنتمي لتيار الوسط والمؤيد لأوروبا يتصدر قبل يومين من التصويت استطلاعات الرأي، بفارق نحو عشر نقاط عن منافسته المناهضة للهجرة والمتشككة في الاتحاد الأوروبي.

لكن النسبة المرتفعة المحتملة للممتنعين عن التصويت والغضب من بعض سياسات ماكرون، وأسلوبه الحاد في بعض الأحيان، أمور تجعل إعادة انتخابه مسألة غير محسومة، وفق ما أوردته "فرانس برس".

وقال ماكرون لراديو "فرانس إنتر"، اليوم الجمعة، إن لوبان "تمكنت من اغتنام بعض ما لم نتمكن من اغتنامه، اغتنام بعض الأمور التي لم أتمكن من فعلها لتهدئة قدر من الغضب والاستجابة سريعا لما يريده الناخبون".

وأضاف: "اليمين المتطرف يعيش على مشاعر الخوف والاستياء".

وتقول لوبان إن ماكرون يجسد "نخبوية خذلت الشعب". وتشمل سياساتها فرض حظر على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، ومنح المواطنين الفرنسيين الأولوية في الوظائف والمزايا، والحد من قواعد أوروبا بشأن السفر عبر الحدود.

وقالت لراديو "أوروبا 1" اليوم الجمعة: "هو لا يحبّ الفرنسيين".

المساهمون