في حراك كواليس الأزمة الليبية.. هل ينجح حفتر في العودة إلى المشهد؟

21 ديسمبر 2020
يسعى حفتر لاستغلال أكبر قدر من الفراغ في المشهد الليبي (Getty)
+ الخط -

أدى تعثر مسارات الحل الليبي إلى اتساع رقعة الصراعات في كواليس الأزمة بين قادة البلاد، في وقت يرى فيه مراقبون أن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر عاد إلى مشهد تأزيم الأوضاع بهدف إعادة فرض نفسه، وسط تكهنات بعلاقته بالتوتر الحاصل في العاصمة طرابلس.

ويوافق اليوم الاثنين موعد اجتماع أكثر من 120 نائباً، بحسب بيانهم السابق في الثامن من الشهر الجاري، لعقد جلسة رسمية لانتخاب رئاسة جديدة للمجلس، في الوقت الذي ينتظر أن تعلن فيه البعثة الأممية أعضاء اللجنة القانونية المنوط بها التواصل مع مجلسي النواب والدولة لــ"وضع الترتيبات اللازمة للانتخابات الوطنية"، المقرر عقدها نهاية العام المقبل.

وأكد عدد من النواب، لــ"العربي الجديد"، أنهم لن يتمكنوا من عقد جلستهم المقررة اليوم بسبب تسرب خلافات كبيرة بشأن شكل رئاسة البرلمان المقبلة، وبروز مطالب نواب الجنوب الليبي في أن تنحصر الرئاسة بينهم، مقابل حصول الشرق والغرب الليبي على مناصب بارزة في السلطة التنفيذية الجديدة المنتظر أن يفرزها ملتقى الحوار السياسي، فيما يصرّ نواب من الشرق الليبي على أن يكون الرئيس الجديد من بينهم كشرط للقبول بإطاحة عقيلة صالح.

وتلافياً لانهيار اتفاق النواب على توحيد المجلس، الشهر الماضي، في طنجة المغربية، قرر عدد منهم عقد جلسة "تشاورية" عبر خدمة الفيديو خلال الساعات المقبلة من نهار اليوم. وأوضح عضو مجلس النواب، محمد عبد الحفيظ، أن عدداً من النواب توافقوا على عقد جلسة عبر تقنية الفيديو، بهدف التشاور في كيفية تعديل اللائحة الداخلية كأرضية قانونية تمكنهم من تغيير الرئاسة والتمهيد لجلسة رسمية لانتخاب الرئيس الجديد.

وفيما توقع عبد الحفيظ، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أن يزيد عدد المشاركين في جلسة اليوم على 100 نائب، يرى أن مناقشة تعديل اللائحة الداخلية ستتيح للنواب الاستمرار في لقاءاتهم بهدف جبر الهوة بينهم أولاً، وثانياً من شأن ذلك أن يوضح شكل الرئاسة الدورية المتفق عليها، إذ من الممكن أن تشارك كل الأقاليم الليبية في الرئاسة عبر الدورات البرلمانية التي ستتغير كل ستة أشهر.

رغم ذلك، يرى الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الجهود التي بذلها النواب في غدامس خلال جلساتهم الماضية "تواجه الانهيار إذا استمرت الخلافات". ويناط بمجلس النواب الموحد دور أساسي في مرحلة ما بعد توافق أعضاء ملتقى الحوار السياسي على اختيار سلطة تنفيذية جديدة، إذ يجب على هؤلاء النواب التصديق عليها. لكن استمرار ما يصفه كشادة بــ"تطور الانقسام" سيعوق عمل الملتقى أيضاً.

وحول الصعوبات التي يواجهها النواب في غدامس، يقول كشادة إن "الانقسام في الماضي كان بسبب الموقف من الحرب على طرابلس، ولذا كانت هناك جلستان في طرابلس وأخرى في طبرق، والآن حدث انقسام في شكل آخر، عبر طيف نيابي يقوده عقيلة صالح، مقابل أغلبية في غدامس نجحت في الاتفاق على توحيد المجلس، ولكنها اصطدمت بمطالب تغيير الرئاسة ومساعي صالح لعرقلتها". ويشير إلى أن "البعثة الأممية استبقت الوضع الحالي للمجلس بأن أوكلت مهامه إلى أعضاء ملتقى الحوار السياسي، بينما من جانب آخر لا يمكن الملتقى الانفكاك من الهياكل السياسية الحاكمة حالياً؛ فاللجنة القانونية لن تتمكن من إنشاء قانون انتخابات وتحديد المسار الدستوري إلا بعد توافقها مع المجلسين كما هو مقرر".

أنهى رئيس المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، زيارة لشرق ليبيا التقى خلالها عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، وسلّم الأخير رسالة دعم وتأييد من الرئيس المصري

وينتظر أن تعلن البعثة الأممية، اليوم، أعضاء اللجنة القانونية، فيما سترجئ إعلان أعضاء اللجنة الاستشارية، بحسب مصادر مقربة من أعضاء ملتقى الحوار. وتقول المصادر، التي تحدثت لــ"العربي الجديد"، إن اللجنة القانونية التي حددت البعثة، في إعلان سابق، أعمالها اليوم الاثنين، تتألف من 17 عضواً من أعضاء الملتقى، وسيعلن عنها اليوم من جانب البعثة، وتبدأ أشغالها بالتواصل مع اللجان القانونية في مجلسي النواب والدولة، في الوقت الذي سترجئ فيه البعثة إعلان تشكيل لجنة التوافقات بين أعضاء الملتقى، التي أطلقت عليها البعثة، في بياناتها الأخيرة، مسمى اللجنة الاستشارية، إلى وقت آخر. وتؤكد المصادر أن البعثة لم تعلم أعضاء الملتقى عن أسباب تأجيل تسمية أعضاء اللجنة الأخيرة.

وعلى صعيد منفصل، أنهى رئيس المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، زيارة لشرق ليبيا التقى خلالها عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، وسلّم الأخير رسالة دعم وتأييد من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ولم تعلن قيادة حفتر عن اللقاء، لكن بياناً لمجلس نواب طبرق أكد أن صالح بحث مع المسؤول المصري "عدداً من الملفات والقضايا بين البلدين الشقيقين والجهود التي تبذلها جمهورية مصر العربية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا والمنطقة والأمن القومي المشترك للبلدين الشقيقين"، فيما كشف برلمانيون من طبرق، لــ"العربي الجديد"، أن زيارة المسؤول المصري على علاقة بتجدد الخلافات بين صالح وحفتر، التي انتهت إلى اشتعال مواجهات مسلحة في مدينة طبرق، مقر مجلس النواب، ولا يزال التوتر حاصلاً بسببها بين أطراف قبيلة موالية للرجلين في المدينة.

وأكدت ذات المصادر أن المسؤول المصري أبلغ صالح وحفتر بأن القاهرة غير راضية عن تزايد الخلافات بينهما، وحثتهما على ضرورة حلحلتها والتقليل من مستوى التوتر. ولا تزال طبرق تعيش حالة من التوتر والترقب في ظل مساعي قبلية واسعة لرأب الخلاف بين قبيلتي القطعان والمنفة التي انحازت إلى حفتر من جانب، وقبيلة مريم الموالية لصالح من جانب آخر، بعد صدام مسلح عاشته المدينة لعدة ساعات، الخميس الماضي، على خلفية صراع على مراكز إدارية في المدينة. لكن الناشط السياسي الليبي المهجر من بنغازي، عقيلة الأطرش، يؤكد استمرار وقوف حفتر وراء توتير الأوضاع القبلية في المدينة بداعي سعيه إلى السيطرة عليها، خصوصاً أنها تضمّ المقر الرئيس لمجلس النواب الذي يشكل ثقل عقيلة صالح السياسي في البلاد.

المسؤول المصري أبلغ صالح وحفتر بأن القاهرة غير راضية عن تزايد الخلافات بينهما، وحثتهما على ضرورة حلحلتها والتقليل من مستوى التوتر

لكن الأطرش يرى، في معرض حديثه لــ"العربي الجديد"، أن ثقل القاهرة في معسكر شرق ليبيا لن يسمح بانجراف الأوضاع لمزيد من التأزيم، لافتاً إلى أن الأخيرة لن تسمح بانجراف المنطقة لتصعيد أكبر، في وقت يتصل فيه الملف الليبي بالسخونة التي يعيشها ملف شرق المتوسط.

وبعد تأكيد مصادر ليبية، لــ"العربي الجديد"، أن ثمة حراكاً لقادة البلاد في كل الاتجاهات في كواليس الأزمة تتشكل في غضونه خريطة تحالفات جديدة وفق تبدلات في موازين القوى، من بينها تواصل غير مباشر بين رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، وحفتر، نقلت صحف إيطالية عبر مصادر مقربة من رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، أن الأخير أبلغ حفتر، خلال لقائه به الخميس الماضي في بنغازي، مقترحاً سياسياً من جانب السراج يقبل فيه الأخير باختيار حفتر لرئيس وزراء جديد.

يبدو أن طموح حفتر هذه المرة للعودة للمشهد يأتي من باب قبوله بالشراكة مع قادة من طرابلس

ويتحرك حفتر في ظل تعثر مسارات الحوار لاستثمار أكبر قدر من الفراغ الذي تعيشه البلاد، من أجل العودة إلى المشهد وفرض نفسه مجدداً كرقم في المعادلة الليبية، فيما يبدو أن حلمه في السيطرة على العاصمة طرابلس لم ينتهِ بعد، رغم فشله العسكري. وعلاوة على اتصالاته بالسراج عبر وساطة إيطالية، سبق أن عقد اتفاقاً نفطياً مع نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد امعيتيق، بوساطة روسية، أعلن عنه في سبتمبر/ أيلول الماضي. ويبدو أن طموح حفتر هذه المرة للعودة إلى المشهد يأتي من باب قبوله بالشراكة مع قادة من طرابلس. وبحسب قراءة الضابط السابق والخبير الأمني لطفي الأسود للمستجدات، ليس قرار السراج بسحب تبعية قوة الردع الخاصة، أبرز قوة في العاصمة طرابلس، من وزارة الداخلية إليه مباشرة له ببعيد عن الحراك الذي يدور في الكواليس. ووفق حديث الأسود، لــ"العربي الجديد"، فإن عودة قائد كتيبة ثوار طرابلس، هيثم التاجوري، إلى طرابلس، والتصريحات التي هاجم فيها أخيراً بشكل حاد وزارة الداخلية، تأتي في السياق ذاته، مرجحاً وجود خيط رفيع يربط حفتر بما يجري في العاصمة طرابلس من تبدل شكل خريطة السلاح والقوى.

وتنقسم القوى المسلحة في طرابلس بين فصائل منحدرة من مصراتة موالية لوزير الداخلية فتحي باشاغا، وأخرى من طرابلس موالية للسراج، عرفت في إحدى مراحل الصراع بــ"قوة حماية طرابلس"، وتضم قوة الردع الخاصة وكتيبة ثوار طرابلس ولواء النواصي وكتيبة أسليم، وهي القوة التي دعا التاجوري إلى إعادة إحيائها في تصريحاته الجديدة ليل السبت الماضي.

وفي مقابل إعلان وزارة الداخلية بحكومة الوفاق "بدء وضع خطة مشتركة من مختلف الإدارات التابعة والجهات ذات الاختصاص لتأمين العاصمة وطوقها"، مساء أمس الأحد، أعلن التاجوري، في مقابل ذلك، "إعادة هيكلة" قوة حماية طرابلس، و"توزيع المهام بين الأفراد وأمراء السرايا كل حسب التخصص والكفاءة"، مؤكداً، في بيان له اليوم الاثنين، أن القوة "ستعيد رسم خريطة طريق عمل تخدم المصلحة العامة وتحافظ على وحدة الوطن ووئام المواطن وسيادة الدولة الليبية". لكن لم ينسَ أن يستدرك قائلاً إن حفتر "لن ينجح في مساعيه للعودة من أبواب أخرى لطرابلس، بل وللمشهد بكامله".

وبينما يرجّح الأسود اندلاع مواجهات مسلحة بين قوى غرب البلاد في طرابلس، في ظل الصراع على مناصب السلطة التنفيذية الجديدة، فإنه يعتقد أن حراكاً حقوقياً يستهدف نقل جرائم حفتر إلى مستوى المطالبة بمحاكمته "قد ينجح قريباً".

وسعت عديد المنظمات الحقوقية إلى رفع دعاوى قضائية ضد حفتر في محاكم الولايات المتحدة، لكونه يحمل جنسيتها. وأمس الأحد طالبت مؤسسة الديمقراطية لحقوق الإنسان الأهلية، السراج، بسرعة مخاطبة الإدارة الأميركية بشأن عدم "تمتع" حفتر بأي حصانة رسمية. وبحسب بيان المؤسسة، فإن المخاطبة التي وجهتها إلى السراج جاءت على خلفية طلب محكمة أميركية، تنظر في دعاوى قضائية ضد حفتر، من وزارة الخارجية الأميركية  النظر في ادعاء محامي حفتر بأنه يتمتع بحصانة رسمية ليبية تمنع استدعاءه للمحاكمة. وفي وقت يؤكد فيه الأسود أن تهمة حفتر الأساسية تتمثل بتورط قواته في ارتكاب جرائم حرب، آخرها جريمة المقابر الجماعية في ترهونة، يلفت إلى أن قرارات حفتر الأخيرة بشأن إعادة تسمية مليشياته تهدف إلى محاولة التهرب من الملاحقة القضائية حول الجرائم التي ارتكبتها مليشياته. وكانت قيادة حفتر قد أصدرت، الخميس الماضي، قراراً ينص على استبدال اسم اللواء 128 المعزز، الذي يقوده نجله خالد، باسم "لواء حمزة بن عبد المطلب المعزز"، واللواء 106 المعزز، الذي يقوده نجله صدام، باسم "لواء خالد بن الوليد المعزز".

المساهمون