في الذكرى الـ76 لقيامها... مستقبل إسرائيل محور تساؤلات

16 مايو 2024
نتنياهو خلال إحياء ذكرى الجنود القتلى، مايو الحالي (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إسرائيل تحيي الذكرى الـ76 للاستقلال في ظل حرب مستمرة لثمانية أشهر دون تحقيق أهدافها، مما يثير القلق حول مستقبلها ويعمق التشاؤم بين الإسرائيليين.
- البروفسور يوفال ناح هراري وآخرون ينتقدون السياسات الإسرائيلية الحالية، محذرين من أن استمرارها قد يؤدي إلى الدمار، ويدعون إلى تغيير جذري في التعامل مع الفلسطينيين وتعزيز التحالفات الدولية.
- استطلاعات الرأي تكشف عن تراجع التفاؤل بين الإسرائيليين حول مستقبل الدولة والديمقراطية، مع انقسامات حول أولويات العمليات العسكرية والتعامل مع الأسرى، مما يعكس حالة من الإحباط والانقسام.

أحيت إسرائيل منتصف الأسبوع الحالي الذكرى الـ76 لـ"يوم الاستقلال" الذي جاء على أنقاض الشعب الفلسطيني وتهجير غالبيته العظمى، وتدمير البلدات والقرى العربية وسط تساؤلات حول مستقبل إسرائيل ومصيرها. يأتي "يوم الاستقلال" هذا العام في ظروف لم تشهدها إسرائيل من قبل، فهذه أول مرة تحيي فيها هذه الذكرى وهي تخوض حرباً لا تعرف متى وكيف ستنتهي، دخلت شهرها الثامن من دون حسم ومن دون تحقيق أهدافها الاستراتيجية المعلنة، بالتوازي مع استمرار وتصاعد الاشتباكات العسكرية على الحدود الشمالية مع حزب الله.

في "ذكرى الاستقلال" تشاؤم وإحباط حول مستقبل إسرائيل وهي تتورّط في حرب قد تتوسّع وتطول، بحثاً عن ترميم قدرة الردع والعقيدة العسكرية ومكانة المؤسسة العسكرية في صناعة القرار، وخدمة أهداف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو السياسية الشخصية، منها إطالة عمر حكومة اليمين المتطرف، ومنها تأخير المحاسبة والمساءلة حول الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

سيناريوهات متشائمة حول مستقبل إسرائيل

حالة التشاؤم القائمة حالياً حول مستقبل إسرائيل تتضح في عدد من المقالات التحليلية والصحافية. البروفسور يوفال ناح هراري، أحد المؤرخين والمفكرين الإسرائيليين المركزيين في العقد الأخير، الذي يؤثر على تشكيل الوعي العام للنخب الإسرائيلية، والمحاضر العالمي المتخصص في التاريخ العسكري والحروب، كتب مقالاً مطوّلاً في 18 إبريل/ نيسان الماضي في صحيفة هآرتس تحت عنوان "تموت نفسي مع فلسطين: إذا لم نقم بتغيير جذري، فإننا نتجه نحو هزيمة تاريخية". قال هراري إن إسرائيل أمام مفترق طرق يوجب اتخاذ قرارات سياسية تاريخية، ستُحدّد مصيرها ومصير المنطقة برمتها لأجيال عديدة. وللأسف، وفقاً لهراري، "أثبت بنيامين نتنياهو وشركاؤه مراراً وتكراراً أنهم غير مؤهلين لاتخاذ مثل هذه القرارات. السياسة التي اتّبعوها لسنوات عديدة هي التي قادت إسرائيل إلى الهاوية. وحتى الآن لم يُظهروا أي ندم على أخطاء الماضي، أو أي استعداد لتغيير الاتجاه. إذا استمروا في اتخاذ القرارات هنا، فسوف يقودوننا والمنطقة بأكملها إلى الدمار".

هراري: إسرائيل أمام مفترق طرق يوجب اتخاذ قرارات سياسية تاريخية، ستُحدّد مصيرها ومصير المنطقة برمتها لأجيال عديدة

وأضاف هراري: "بعد أحداث السابع من أكتوبر المروعة، كان يجب على إسرائيل العمل لإطلاق سراح المختطفين ونزع سلاح حماس، لكن هذه لم تكن أهدافها الوحيدة. ففي ضوء التهديد الوجودي الذي تشكّله إيران وعملاء الفوضى التابعون لها، كان على إسرائيل أيضاً أن تعزز التحالف مع الديمقراطيات الغربية، وتعزز التعاون مع العناصر المعتدلة في العالم العربي وتؤسس نظاماً إقليمياً مستقراً. لكن حكومة نتنياهو تجاهلت كل هذه الأهداف، وبدلاً من ذلك سعت إلى الانتقام. وتسبّبت عن عمد في وقوع كارثة إنسانية هائلة على 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، مما أدى إلى تقويض الأسس الأخلاقية والسياسية لوجود دولة إسرائيل". وتابع: "كما أن الكارثة الإنسانية في غزة وتدهور الوضع في الضفة الغربية يؤديان أيضاً إلى تغذية الفوضى، وتشويه تحالفنا مع الديمقراطيات الغربية. ولكن إذا لم نقم بتغيير جذري في تعاملنا مع الفلسطينيين، فإن غطرستنا ورغبتنا في الانتقام ستقوداننا إلى هزيمة تاريخية".

هراري عاد وكتب مقالاً يحمل مضموناً مشابهاً عشية يوم "استقلال إسرائيل" في موقع يديعوت أحرونوت حول مستقبل إسرائيل بعنوان "في الذكرى السادسة والسبعين لاستقلالها، إسرائيل مطالبة بالحسم في مسائل ستُحدّد مستقبلها". وقال فيه: "تحتفل دولة إسرائيل بعيد استقلالها الـ76، لكن بدون أجواء احتفالية... في ضوء التهديد الوجودي من الضروري أن ندرس بعمق مكانتنا في العالم، والأهداف طويلة المدى للمجتمع الإسرائيلي. ويجب ألا ننتظر حتى تنتهي الحرب. كما كان هناك صراع داخلي منذ سنين حول طبيعة إسرائيل. لن نكون قادرين على كسب الحرب ضد حماس وحزب الله وإيران، إذا لم نتمكن من تحديد من نحن وما هو مكاننا في العالم".

هراري الذي رأى أن الخطر الأساسي على المشروع الصهيوني وإسرائيل هو سيطرة اليمين المتطرف، لا يأتي بمراجعة نقدية للمشروع الصهيوني وسياساته، بل يحذر من خطر سيطرة وانتصار اليمين المتطرف على المشروع الصهيوني، وتحويله إلى مشروع عنصري استعلائي. وخلص هراري إلى أن "دولة إسرائيل لديها القوة العسكرية والقوة البشرية اللازمة لهزيمة حماس وحزب الله وإيران. لكن إذا انتصرت فكرة التفوق اليهودي على صهيونية هرتسل وسيطرت على إسرائيل، فإن الدولة ستضل طريقها، وستصل اليهودية إلى الإفلاس الأخلاقي".

أخبار
التحديثات الحية

توضيح حالة التشاؤم وعمقها حول مستقبل إسرائيل جاء أيضاً في مقابلة مطولة أجرتها الصحافية ميراف أرلوزوروف، المحررة في صحيفة ذي ماركر، أكبر الصحف الاقتصادية في إسرائيل، بتاريخ 13 مايو/ أيار الحالي، مع يوجين كيندل ورون تسور، وهما من أكثر الأشخاص خبرة في إدارة الحكومة الإسرائيلية، وفقاً لأرلوزوروف. شغل كيندل لسنوات عديدة منصب رئيس المجلس الاقتصادي الوطني في مكتب رئيس الوزراء، وهو أحد الأشخاص المقربين من نتنياهو؛ وكان تسور عضواً بارزاً في لجنة الطاقة الذرية ورئيساً لإدارة الإصلاح في القطاع العام-الحكومي. استعرضت المقابلة خلاصة وثيقة جديدة أعدها الاثنان لمعهد القدس للسياسات، تُنشر قريباً، تهدف إلى رسم رؤية جديدة لدولة إسرائيل.

أرلوزوروف: يوم الاستقلال الـ76 هو الاستقلال الأكثر حزناً وكآبة وصعوبة منذ قيام الدولة

وقالت أرلوزوروف "إن يوم الاستقلال الـ76 هو الاستقلال الأكثر حزناً وكآبة وصعوبة منذ قيام الدولة. بدلاً من الاحتفالات حول المسارح الرئيسية في مدن إسرائيل، ستجلس العائلات ومجموعات الأصدقاء ويسألون أنفسهم - ما هي الخطوة التالية؟ هل ستنجح دولة إسرائيل في الخروج من الأزمة وسنتمكن من الاحتفال بالذكرى المئوية؟ والجواب هو لا. ففي المسار الحالي الذي تسلكه دولة إسرائيل، لن تتمكن من الاحتفال بمئويتها، وفقاً للبروفيسور يوجين كيندل ورون تسور".

الاستنتاج الذي توصل إليه معدّا الوثيقة، حسب أرلوزوروف، هو أن إسرائيل تواجه مستقبلاً قاتماً. وكتبت أن "هذه الوثيقة ترى أن استمرار "العمل كالمعتاد" في النظام السياسي القائم في إسرائيل اليوم، سيؤدي إلى احتمال كبير بألا تكون إسرائيل قادرة على الاستمرار في الوجود كدولة يهودية ذات سيادة في العقود المقبلة، بسبب عملية الاستئناف على طبيعتها التي شهدتها إسرائيل العام الماضي، وخطة الإصلاح القانوني، والمجزرة الرهيبة في مستوطنات الجنوب وبعدها. الآن اتضحت صورة الفشل الكامل في أنظمة الحكم والإدارة... هذا ليس فشلاً لمرة واحدة أو فشلاً ينتمي إلى طبقة واحدة من نظام الحكم في إسرائيل، بل انهيار كامل لأداء النظام".

انهيار أداء دولة إسرائيل المستقبلي هو التشخيص الذي خلص إليه كيندل وتسور. فهما يحاولان أن يوضحا للجمهور أن إسرائيل تتعرض لتهديد وجودي حقيقي، وبدون التعامل مع الوضع القائم والإخفاقات، فإنها لن تصل إلى مئويتها، ولن تتمكن الدولة من البقاء.
ولخّصت الوثيقة التحديات الوجودية الثلاثة التي تواجهها دولة إسرائيل. الأول هو التحدي الاقتصادي؛ التحدي الثاني هو صراع القيم الداخلي؛ اللذان سيؤديان إلى تراجع الحالة الاقتصادية والإنتاجية وهروب النخب الاقتصادية والثقافية وتراجع القيم الليبرالية. وهذه العوامل تؤدي إلى التحدي الثالث الذي يعكس عدم اهتمام أحد بهذه التحولات، بحيث إن لا أحد يرى هذا الخطر الوجودي، ولا أحد يحرك ساكناً لمنعه. نعم هي نهاية الحلم الصهيوني، كما يتوقع كيندل وتسور.

تشاؤم الجمهور الإسرائيلي حول مستقبل إسرائيل

حالة التشاؤم حول مستقبل إسرائيل وعدم الاستقرار والمستقبل المجهول ليست محصورة بالنخب والصحافة في إسرائيل، بل تطاول أقساماً كبيرة من المجتمع اليهودي، كما توضح استطلاعات الرأي العام التي يجريها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، حول تأثير الحرب على مواقف المجتمع الإسرائيلي منذ بداية عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة، منها متابعة "المزاج الوطني" وتقييم المجتمع الإسرائيلي لمستقبل الديمقراطية والأمن القومي في إسرائيل.

استطلاع شهر مارس/آذار (نشر في إبريل/ نيسان) أشار إلى انخفاض نسبة المتفائلين بمستقبل الحكم الديمقراطي في إسرائيل مقارنة بالأشهر السابقة، بحيث قال 37 في المائة فقط من المستطلعين إنهم متفائلون بالنسبة لمستقبل الديمقراطية. كما استمر الاتجاه التنازلي في نسبة المتفائلين بمستقبل الأمن القومي، بحيث قال 38 في المائة إنهم متفائلون بالنسبة لمستقبل الأمن القومي. وبالمجمل قال قرابة 40 في المائة فقط من المستطلعين اليهود إن إسرائيل تستطيع أن تتحمل استمرار الحرب لفترة طويلة. استطلاع شهر إبريل، الذي نُشر بتاريخ 12 مايو الحالي، أوضح استمرار تراجع التفاؤل لدى المجتمع الإسرائيلي، بحيث وجد أن قرابة 35 في المائة فقط متفائلون حول مستقبل النظام الديمقراطي وحول الأمن القومي. كما أوضحت النتائج الفروقات، بل التصدع القائم داخل المجتمع الإسرائيلي، خصوصاً حول أولويات العمليات العسكرية في غزة وتحرير الأسرى والمخطوفين.

قرابة 35 في المائة فقط من الإسرائيليين متفائلون حول مستقبل النظام الديمقراطي وحول الأمن القومي

حول تقييم المجتمع لأولوية الحرب: عملية عسكرية في رفح أم صفقة لإطلاق سراح المختطفين، وجد الاستطلاع أن أغلبية الجمهور اليهودي (56 في المائة) تتفق أكثر مع الادعاء بأن صفقة إطلاق سراح الرهائن هي الأولوية القصوى، في حين أن 37 في المائة يتفقون أكثر مع الادعاء بأن استمرار العمل العسكري هو الأولوية القصوى. ووجد الاستطلاع اختلافات كبيرة في العينة اليهودية حول هذا الموقف، وفقاً للانتماءات السياسية. أغلبية كبيرة من اليسار والوسط ترى أن الأولوية هي للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن (92.5 في المائة و78 في المائة على التوالي)، بينما ترى الأغلبية في اليمين (55 في المائة) أن الأولوية هي للعمل العسكري في رفح.

في ذكرى "الاستقلال" الـ76 تعيش إسرائيل حالة من التشاؤم والإحباط الواضحين. عادت إسرائيل لتواجه أسئلة جدية حول مستقبلها وطبيعة النظام، والعلاقات بين المجتمع الإسرائيلي نفسه، وبينه وبين المحيط العربي. مجرد طرح هذه الأسئلة والتساؤلات، خصوصاً حول إمكانية استمرار المشروع الصهيوني، وادعاء البعض أنه لا يمكن لإسرائيل الاستمرار بالوضع القائم والأدوات الحالية، يُعتبر حالة جديدة وخطيرة في المشهد الإسرائيلي بعد أن اعتقدت إسرائيل أن هذه الأسئلة حُسمت منذ فترة بعيدة. المؤسسة الحاكمة، السياسية والأمنية، والذهنية العسكرية التي تسيطر على صنّاع القرار، لا تملك لغاية الآن أدوات وأجوبة للتعامل مع الوضع القائم، سوى الهروب إلى الأمام وتوسيع حرب الإبادة على غزة، وربما في جبهات أخرى، بحثاً عن مخرج لأزمات إسرائيل، وربما لتغيير أجواء التشاؤم والإحباط والانقسام.