فيديو عنصر "القاعدة" أبو الدحداح.. لماذا رفض الجزائريون رواية السلطة عشية ذكرى الحراك؟

18 فبراير 2021
محللون: السلطة تتخوف بشكل كبير من استئناف مظاهرات الحراك الشعبي (فرانس برس)
+ الخط -

رفض الشارع والمجتمع السياسي في الجزائر، بقوة عودة السلطة إلى استخدام فزاعة الإرهاب واستدعاء سردية الأزمة الأمنية، ضمن مساعٍ جديدة للتخويف مما تصفها السلطة "خططاً وتحالفات" مشبوهة تستهدف تفجير الوضع الداخلي في البلاد، على الرغم من السلمية التي أبداها الشارع والحراك الشعبي منذ 22 فبراير/شباط 2019.

ولم تتوقف التعليقات والتطورات في الجزائر، منذ الليلة الماضية، وسيطر النقاش على نحو واسع حول بث التلفزيون الرسمي، الليلة الماضية، فيديو لحسين زرقان، المدعو "أبو الدحداح جولبيب"، وهو عنصر سابق كان قضى 26 سنة في النشاط الإرهابي. 

وتضمن الفيديو مزاعم عن خطط لمحاولة اختراق الحراك الشعبي، والتحريض على العصيان المدني، وتحويله لاحقاً إلى عمل مسلح لإسقاط النظام بالتنسيق مع ناشطين يقيمون في الخارج وكوادر من حركة "رشاد" (إسلامية من بقايا جبهة الإنقاذ)، لتحريض الشباب واستدراجهم لاحقاً إلى الفكر الجهادي والمسلح.

وحول دوافع السلطة لبث مثل هذه "الاعترافات" في هذا التوقيت، والعودة إلى استخدام الإرهاب كفزاعة سياسية للجم الشارع، يقول الكاتب في الشؤون السياسية محمد إيوانوغان إنّ لدى السلطة تخوفاً كبيراً من استئناف مظاهرات الحراك الشعبي، لا سيما  على خلفية النجاح الهائل للمسيرة الأخيرة التي خرجت، الثلاثاء الماضي، في مدينة خراطة شرقي الجزائر. 

وقال إيوانوغان، في حديث لـ" العربي الجديد"، إنّ "هناك تفسيراً واحداً، وهو أنّ المظاهرات الأخيرة، والسلطة لا تملك في الواقع أية بدائل، ولذلك تعتبر أنّ العودة إلى خطاب الإرهاب هو الحل الوحيد، خاصة وأنّ السلطة تناست بسرعة أنّ مجموعة أخرى من الوقائع المماثلة التي سوقتها السلطة نفسها في وقت سابق على أساس أنها حقائق، أثبت القضاء أنها غير واقعية ومفتعلة، إذا كان قد اتهم الصحافي خالد درارني بالتخابر، والطالب وليد نقيش بالعمل ضمن شبكة تحضر لعمل مسلح في منطقة القبائل والتعامل مع عناصر في إسرائيل".

وأجمعت التحليلات والقراءات السياسية على أنّ بثّ السلطات لفيديو يزعم فيه إرهابي وجود خطط وتحريض لاختراق الحراك الشعبي، وتحويله إلى ثورة مسلحة، يعد خطأ كبيراً في مستوى الخطاب والاتصال السياسي للسلطة، في ظرف معقد يفترض التهدئة وبث الاطمئنان في الشارع الجزائري، خاصة وأنّ الحراك الشعبي ظل سلمياً في كل مستويات التعبير السياسي، ولا يتبنى أي مكون من مكوناته استخدام العنف أو الدعوة إلى الشغب، بما فيها القوى السياسية والمدنية التي ما زالت مصرة على مواقفها المناوئة للسلطة والرافضة للمسار الانتخابي الذي تبنته السلطة منذ يوليو/ تموز 2019. 

وفي السياق، يعتبر الباحث في علم الاجتماع السياسي نور الدين بكيس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "لجوء السلطة إلى مثل هذه الخطابات المخيفة للجزائريين، تجد تفسيرها السياسي في كون أن السلطة لم تعد لها قاعدة سياسية ومجتمعية تشكل حزامها الذي تطمئن إليه، وهذا دليل على الخوف والارتباك". 

وأضاف أنّ "أكبر منجز للحراك الشعبي أنه عزل السلطة ومنظومة الحكم عن واجهتها السياسية والمجتمعية، بحيث لم تنجح السلطة ولم تستطع العودة إلى واجهتها السابقة من أحزاب وجمعيات كان تؤمن لها التحكم في الشارع".

وتتضاعف الشكوك حول مضمون تصريحات المسلح السابق في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" (الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقاً) وصدقيتها، خاصة في علاقة ذلك بالصعوبات التي يواجهها الجزائريون منذ سنوات في مجال تدفق شبكة الإنترنت، وضعف الخدمة داخل المدن والحواضر الكبرى، حيث تتركز أجهزة البث، فما بالك بالجبال والخنادق التي يتمركز فيها عناصر المجموعات الإرهابية والبعيدة عن نقاط تركيز أعمدة البث والشبكة، (الإرهابي قال إنه كان يدير مع عناصر أخرى قنوات على يوتيوب وتليغرام ويبث فيديوهات فيها).

ويعتقد محللون أنّ عودة السلطة إلى استخدام أساليب تخويف الجزائريين، خطوة غير موفقة وتعطي مؤشراً سلبياً للجزائريين وعموم الطبقة والمجتمع السياسي عن رفض النظام تغيير قراءته للأحداث وأساليب تعاطيه مع الانشغالات الرئيسة للجزائريين ومطالبهم، والتمسك بنفس ممارسات مجموعات الحكم السابقة، خاصة وأن السلطة كانت قد بثت أيضاً سلسلة من التقارير والفيديوهات عن مجازر العشرية السوداء عشية الدعوات للحراك الشعبي في فبراير/ شباط 2019، لثني الجزائريين عن الخروج إلى الشارع ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.

ويلفت متابعون إلى أنّ العودة إلى سردية الإرهاب والتخويف وخطاب التحذيرات الذي تسوق له السلطة وتصريحات المسؤولين الجزائريين بشأن تعرض البلد لتهديدات، أمر مبالغ فيه ويحمل مخاطر أخرى، على أساس أنّ تكثيف الخطاب عن وجود تهديدات وخطط تستهدف البلاد، لا يشجع المستثمرين والشركات الأجنبية على القدوم للعمل في البلاد من جهة، كما أنه يتناقض مع بيانات الجيش التي تتحدث عن اجتثاث الجزائر للإرهاب وفرض الأمن.

ويعتقد الباحث في علوم الإعلام والاتصال السياسي عبد العالي زواغي، أنّ "خطاب السلطة يعكس مناخات من التوتر"، موضحاً أنّ السلطة لم تغيّر مطلقاً من منطلقات خطابها الموجه إلى الرأي العامة، وما زالت تعتمد نفس المقاربات السياسية. وقال زواغي، لـ"العربي الجديد" إنه لم يعد ممكناً استدعاء ذاكرة الخوف  لدى الشارع الجزائري بسبب تغير السياقات.

وأضاف "أعتقد أنّ ما بث يعكس أزمة اتصالية خطيرة تصب في غير الأهداف التي سطرتها وأعلنتها السلطة السياسية، وعلى العقل السياسي أن يتغير أيضاً في تعاطيه مع الأزمات التي يمر بها النظام السياسي، خصوصاً ونحن أمام جيل متفتح على تقنيات الاتصال الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعية، التي باتت تحوز على هامش كبير جداً من المعلومات التي لا يمكن مراقبة تدفقها أو منعها من الوصول، عكس ما كان يحدث سابقاً إبان سيطرة الدولة".

وبرأي زواغي، فإنّ "كثيراً من خطوات السلطة تعزز وتزيد من أزمة الثقة بين السلطة والشارع"، ويعتبر أنّ عقل السلطة يعمل ضدها، خصوصاً عندما يحاول ربط سياقات الأحداث مع سياقات تختلف عنها جذرياً، وترتكز على الخلفية الأمنية التي تعود إلى سنوات الإرهاب والخوف.

وأكد زواغي أنّ "الجيل الجديد في الجزائر، خاصة مع الحراك الشعبي، لم يعد يصدق بسهولة الأخبار والتقارير الآتية من وسائل الإعلام الرسمية، وفقد ثقته بها إلى الحد الذي باتت هذه الوسائل لا تُقرأ ولا تشاهد"، مطالباً السلطة "بفهم حساسية القضية وضرورة إسناد الوظائف الاتصالية للكوادر المتخصصة والخبرات العالية في هذا المجال، لأن الأمر لا يتعلق بأخبار عن سقوط رجل في حفرة، بل عن حفرة لإسقاط دولة".

المساهمون