مع تصاعد التوترات في المنطقة عقب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تخطط الولايات المتحدة الأميركية لإعادة ترتيب أولوياتها بما قد يشمل انسحاب قواتها من أراضي سورية، وهو ما يثير مخاوف تتعلق بإعادة ظهور خطر تنظيم "داعش"، وفق ما أوردته مجلة فورين بوليسي الأميركية، اليوم الأربعاء.
وبحسب ما تنقل المجلة الأميركية، عن أربعة مصادر من وزارتي الدفاع والداخلية الأميركيتين، فإنّ البيت الأبيض لم يعد مهتماً بمواصلة المهمة التي يرى أنها "غير ضرورية" في سورية، مؤكدين وجود نقاشات نشطة لتحديد كيف ومتى يمكن أن يتم الانسحاب.
ودفعت الحرب على غزة الدوائر السياسية إلى إجراء دراسة داخلية لبحث الانسحاب من سورية، على الرغم مما تركه الانسحاب الأميركي الفوضوي في أفغانستان من تداعيات كارثية، وقرب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في وقت لاحق من هذا العام، كما تشير المجلة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، رفض مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون يدعو إلى سحب القوات الأميركية من سورية، فيما كان زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، قد قال في بيان قبيل التصويت عليه، إن تبني هذا القرار سيكون "هدية لإيران وشبكتها الإرهابية وسيؤدي إلى تدمير مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة".
وتفيد المجلة بوجود نحو 900 جندي أميركي في سورية، يعلبون دورًا فاعلًا مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في مواجهة تنظيم "داعش" شمال شرقي سورية، قد يؤدي انسحابهم إلى ترك أثر كارثي على الأرض يهيئ لعودة التنظيم من جديد.
ورغم حديثها عن أثر جهود التحالف الدولي بقيادة واشنطن في تدمير التنظيم في العراق، مع وصول متوسط عدد الهجمات التي شنها العام الماضي إلى تسع هجمات شهرياً، بانخفاض عن حوالى 850 هجوماً شهرياً في عام 2014، إلا أنّ "فورين بوليسي" تصف الوضع في سورية بأنه "أكثر تعقيداً".
وفيما تمكنت القوات الأميركية و"قوات سوريا الديمقراطية" من التصدي للتنظيم شمال شرقي سورية، إلا أن الوضع المقلق للغرب بحسب "فورين بوليسي"، هو على الجانب الآخر من نهر الفرات، حيث مناطق سيطرة النظام السوري.
وعاد التنظيم إلى الانتعاش بشكل بطيء في البادية السورية مستغلاً ضعف النظام ولامبالاته، وفق المجلة، كما نجح في السنوات الماضية في إعادة تأسيس قواته في درعا (جنوب) التي يسيطر عليها النظام، ووسّع عملياته في جميع أنحاء الصحراء، واستولى لفترة محدودة على أراضٍ مأهولة بالسكان، ونجح في الاستيلاء على الغاز واحتجازه.
أما في شرق ووسط سورية، فقد نجح "داعش" في انتزاع الأموال من الأطباء والتجار والمزارعين وسائقي الشاحنات، تحت مسمى الضرائب في عملية ابتزاز معقدة. وتشير المجلة إلى أن التنظيم كان في البداية يركز على المناطق الريفية إلا أنه الآن بات يركز أيضاً على المراكز الحضرية.
ووفقاً لمشروع مكافحة التطرف (منظمة غير حكومية)، فإنّ التنظيم نفّذ في عام 2023 وحده، ما لا يقل عن 212 هجوماً في المنطقة الصحراوية الوسطى في سورية، مما أسفر عن مقتل 502 شخص على الأقل.
وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، أخفى "داعش" بشكل متعمّد عملياته في سورية، وفضّل عدم الإعلان عن مسؤولياته عن الهجمات التي يشنّها، إلا أنه بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بدأ التنظيم للمرة الأولى منذ سنوات بالكشف عن عملياته محاولاً استغلال الأوضاع لصالحه.
وبحسب المجلة، فقد نفذ التنظيم 35 هجومًا وأعلن مسؤوليته عنها في سبع من محافظات سورية خلال الأيام العشرة الأولى من عام 2024.
وتشير "فورين بوليسي" إلى أنه ورغم عدم وجود ما تقدمه القوات الأميركية في مواجهة التنظيم بمناطق سيطرة النظام السوري، إلا أنها ترى أن وجود هذه القوات يمنع حدوث عودة كبيرة مؤكدة للتنظيم ليس في الأراضي السورية فحسب، بل في العراقية أيضاً.
يأتي ذلك فيما يتزايد الضغط كذلك داخل الحكومة العراقية لإجبار القوات الأميركية على الانسحاب من العراق، على وقع تصاعد التوتر على خلفية الضربات التي تشنها المليشيات المرتبطة بإيران على مواقع وأهداف أميركية منذ اندلاع الحرب على غزة.
ويقترح البعض داخل الحكومة الأميركية حالياً إجراء ترتيب أو تعاون مشترك بين "قوات سوريا الديمقراطية" والنظام السوري لمواجهة التنظيم الإرهابي في حال انسحاب القوات الأميركية. وتشير المجلة إلى أن هذا التعاون سيكون على شكل اتصالات دورية بعيداً عن التحالف، حيث سيمنع النظام "قسد" من الحفاظ على نفسها، كما ستبذل تركيا كل ما بوسعها لتدميرها.
وتختتم "فورين بوليسي" بالقول: "في حال أدى الانسحاب الأميركي إلى عودة الفوضى جراء ظهور التنظيم مجدداً، فإنّ الولايات المتحدة لن تتمكّن من العودة إلى المنطقة التي ستتركها مباشرة لسيطرة النظام السوري وروسيا وإيران".