فلسطين... أولويات الوحدة الوطنية

14 يونيو 2024
مسيرة تضامنية مع غزة لأنصار فتح وحماس، الخليل، 13 أكتوبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في أعقاب رحلة "الخروج من بيروت" 1982، شهدت الساحة الفلسطينية تفككًا وانقسامًا حتى انعقاد دورة المجلس الوطني بالجزائر 1987، ما اعتبره البعض بداية للانتفاضة الأولى. خلال هذه الفترة، استغلت إسرائيل الانقسامات لتعزيز الاستيطان ومحاولة تصفية القضية الوطنية.
- الاحتلال الإسرائيلي بقيادة نتنياهو يسعى لإضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية، مما يدفع الفلسطينيين للبحث عن طرق لتوحيد الصف وتفعيل الحركة الوطنية رغم محاولات تقسيمهم.
- توجد دعوات للوحدة وأهمية المشاركة الجماعية في مواجهة الاحتلال، لكن يخشى بعض التيارات من أن عقد مؤتمر وطني قد يعني إيجاد بديل لمنظمة التحرير، متجاهلين الحاجة الماسة للوحدة في ظل التحديات الخارجية واستمرار الاحتلال.

بعد رحلة "الخروج من بيروت" في أواخر صيف 1982، عاشت ساحة العمل الوطني الفلسطيني تفكّكاً وتشظياً، لأسباب موضوعية وذاتية، وذلك بعد انشقاق وانقسام منذ عام 1983 وحتى انعقاد الدورة الوحدوية للمجلس الوطني الفلسطيني في إبريل/ نيسان 1987 في الجزائر. وقد قرأ بعضهم في تلك الوحدة مقدمة لاندلاع الانتفاضة الأولى (ديسمبر/ كانون الأول 1987). استفاد الاحتلال من سنوات الانقسام لتجريب البحث عن بدائل للحركة الوطنية الفلسطينية، وتعزيز الاستيطان ومحاولة تصفية القضية الوطنية. وعلى مدار الأشهر الماضية، وبناء على تجارب سابقة، ارتفعت أصوات فلسطينية تدعو إلى مبادرة لعقد مؤتمر وطني فلسطيني تحت عنوان "نداء من أجل قيادة فلسطينية موحدة"، فالساحة الفلسطينية أصبحت متخمة بالأدلة على أن الهدف النهائي إضعاف المشروع التحرري الفلسطيني وضربه، وسط صمت بعض القوى الإقليمية ومباركة أميركية، وبتنافس صهيوني على سفك الدم الفلسطيني.

مشاريع الاحتلال التي تستهدف الجميع (كما في خطابهم الوقح: لا حماسستان ولا فتحستان) لا تُواجَه بأدوات الانقسام التي تريح الاحتلال وتنشّط مناوراته وأكاذيبه، للبحث أصلاً عن بدائل هزلية تحت مسمّى "اليوم التالي". لا ضير ولا ضعف في توقّف الحركة الوطنية الفلسطينية، بجميع مكوّناتها وحاضنتها الشعبية، أمام أسئلة مصيرية، مع ارتفاع مستوى الجرائم والبلطجة الصهيونية في معسكر بنيامين نتنياهو الفاشي، وأقله المتعلق بنسفه أصلاً "اتفاق أوسلو" ورفضه "حل الدولتين"، وترسيخه أمام رأي عام دولي ومؤسّسات حقوقية عالمية دولة الأبرتهايد، وعمله على إيجاد كانتونات متناحرة، ومهازل "بدائل عشائرية".

ومع ذلك، ويا للأسف، يصبّ تيار ذرائعي فلسطيني جهوده نحو إشاعة جدل عقيم يقوم على شعبوية دغدغة العواطف والتخويف من أن عقد مؤتمر وطني يعني "إيجاد بديل عن منظمّة التحرير". ويعرف هؤلاء تمام المعرفة أن لا أحد يطرح "بدائل" بقدر طرحه "مشاركة الكل" لتفعيل الحركة الوطنية، والارتقاء بالمسؤولية أمام شعبها ومع قضيتها. كما أنهم يعرفون أن فرضية البدائل لا سيقان لها حتى في مسعى الاحتلال وواشنطن إليها عبر تاريخ طويل.

الأكثر إيلاماً في حالة التشظّي ظهور ما يشبه استمراء بعضهم غياب الخطوات الوحدوية. يعلم الجميع تقريباً أنه حتى تحت سقف "أوسلو" جُعلت السلطات (بمعناها المؤسساتي التنفيذي) نظرياً ذراعا لمنظمة التحرير. ويبدو أن الخلل الكبير في السجالات المفتعلة إصرارها على اعتبار المنظمّة ولجنتها التنفيذية والمجلس الوطني، وكل المؤسسات الأخرى، أذرعاً للسلطة الفلسطينية، التي ينسف الاحتلال أسّ وجودها، وبتعبير صريح يرفض "أوسلو" أكثر من رفض اليسار والإسلاميين الفلسطينيين له. بعد دخول الحرب الهمجية على غزّة شهرها التاسع، باتت معظم نقاشات الفلسطينيين واضحة في تذمّرها من غياب الاتحاد على المستوى السياسي، وكل ما عداه، بعد أن ظهرت بالفعل وحدة المقاومة للغزو الصهيوني، والتي تشمل تيار اليسار والوطنيين، المنضوي في منظمّة التحرير، والإسلاميين، وفي عمليات مشتركة.

أمام الفلسطينيين تجربة يمكن أن تحسم كل ما يهدف إليه الصهيوني في تعزيز الانقسام، فحين غزا الضفة الغربية تحت مسمّى "السور الواقي" في 2002، حاصر الزعيم الراحل ياسر عرفات واعتبره "العقبة الوحيدة" أمام كذبة "عملية السلام"، فأين نحن بعد 22 سنة؟ وأكثر من 30 سنة على "أوسلو"؟ جل ما يبحث عنه الصهيوني بهذه الدموية المتزايدة هو الاستفراد بالفلسطينيين واعتبارهم مجموعات سكانية وبفصائل منفردة، تُصوّر أنها العقبة الرئيسية، وليس الاحتلال بحد ذاته. وذلك، وغيره كثير، يستحق وقفة فلسطينية جادّة تحت مظلة مؤتمر وطني يلملم الحالة الفلسطينية.