فلسطينيو 48 وكورونا... فيروس العنصرية

27 ديسمبر 2020
أجواء كورونا خيمت على أعياد الميلاد في بيت لحم (جعفر اشتية/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت أزمة فيروس كورونا المستجد واقع أزمات وضعف المجتمع الفلسطيني في إسرائيل على عدة مستويات: ضعف حضور وتأثير القيادات السياسية والبلدية مجتمعيًا، لأنها بالحقيقة لا تملك الكثير من أدوات التأثير واتخاذ القرارات؛ انعدام المؤسسات المجتمعية القُطرية والبلدية لمواجهة أزمات مثل فيروس كورونا، مؤسسات صحية واجتماعية واقتصادية أو حتى شبابية تطوعية حقيقية؛ وغيرها.
كان وقع أزمة فيروس كورونا مضاعفًا على الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل نتيجة سبعة عقود من العنصرية والتمييز في كافة المجالات، إذ أظهر تقرير إحصائي نشره موقع "عرب 48"، أنّ نسبة وفيات اليهود في إسرائيل جراء الإصابة بكورونا أعلى من النسبة في المجتمع العربي بـ1.6 مرة، لكن هذا الوضع نابع من أن نسبة المسنين اليهود أعلى من العرب. وأوضح التقرير أن هذا الوضع ينقلب لدى التمعن في معطيات الوفيات بين الفئات العمرية 0 – 69 عاما وفوق 70 عاما، حيث نسبة المتوفين العرب جرّاء كورونا أعلى بـ1.8 – 1.9 مرة عن نسبة الوفيات لدى اليهود.
الواقع المأساوي نتيجة التدهور الاقتصادي وتراجع مستويات الدخل وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت في أكبر المدن الفلسطينية داخل إسرائيل، الناصرة، في الموجة الأولى إلى خمسين في المئة (30 مليون شيكل كتعويضات تعهدت بها الحكومة لبلدية الناصرة، لم تصل بعد، على الرغم من أن إيلات وطبريا حصلتا عليها)، فيما بيّن استطلاع للرأي أجراه "اتحاد الطلاب الجامعيين في إسرائيل" ونُشر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن 52% من الطلاب العرب الجامعيين يفكّرون في ترك التعليم إثر الأزمة الاقتصادية وإغلاق أماكن العمل وغياب منح مالية للطلاب. ونسبة الطلاب الذين يدرسون إمكانية تعليق التعليم عند العرب هي الأعلى، مقارنة بالطلاب عمومًا (24% - أي ما يساوي 75 ألف طالب)، وبالطلاب الحريديّين (25%). 
في موازاة هذا الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، ارتفعت نسب العنف وجرائم القتل في البلدات الفلسطينية في إسرائيل، وبلغت هذا العام نحو مئة جريمة قتل، فيما بلغت خلال العام الماضي نحو تسعين جريمة قتل.
سياسيًا، استغلت السلطات الإسرائيلية الجائحة لـ"تطبيع" علاقة المواطنين الفلسطينيين بالأجهزة الأمنية، فانتشر جنود الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي في كافة البلدات العربية، وباتت مشاهد تجوّلهم في الأزقة والشوارع بزيهم العسكري أمرًا منتشرًا، بحجة مساعدة المواطنين وتقديم المساعدات الغذائية، والإشراف على عملية فحوصات كشف كورونا (محطات درايف إن)، بالإضافة إلى تجول سيارات عسكرية مع مكبرات تحث المواطنين في هذه البلدات على الالتزام بالتعليمات الوقائية وإجراء فحوصات تشخيص الإصابة بالفيروس. وتعوّل وتروج المؤسسة العسكرية على أن هذا المستجد زاد من عدد الملتحقين الشبان الفلسطينيين مواطني إسرائيل بالجيش وتحديدًا للجبهة الداخلية، وهو ما يؤكد أن هدف انتشار جنود الجبهة الداخلية هو استغلال الأزمة الصحية لأهداف سياسية وهي تدجين الشبان الفلسطينيين وإلحاقهم بالمؤسسة الأمنية والعسكرية.
وعودة على بدء؛ حصل كل ذلك فيما بدا المجتمع الفلسطيني بلا مؤسسات جماعية أو أطر قومية لحالات الطوارئ، مجتمع غير منظم بالمرة، اللّهمّ إلا هيئة مستحدثة، هي الهيئة العربية للطوارئ، التي أسستها لجنة المتابعة واللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية وجمعية الجليل للبحوث الصحية، وقد أبلت بلاءً حسنًا في الموجة الأولى، وكانت على مستوى عال من المهنية والثقة الجماهيرية، لكنها كادت تندثر بسبب خلافات حزبية وصراعات نفوذ بين الجهات السياسية المؤسسة لها. لكنها عادت واستعادت بعضًا من حيويتها في الموجة الثانية.
أمام السياسات العنصرية الإسرائيلية حتى في ظل أزمة صحية طويلة، تبرز الحاجة الملحة والوجودية لتنظيم المجتمع الفلسطيني في إسرائيل على كافة المستويات في أطر قومية، صندوق قومي ومؤسسات رعاية اجتماعية وصحية، وهيئات اقتصادية تنموية وغيرها. لأنّ الفيروسات ليست عنصرية بتكوينها الجيني، لكنها عندما تتحول إلى أزمة صحية مستمرة في دولة قائمة على التمييز القومي، فإن الفيروس حتمًا سيتحول إلى فيروس عنصري، ولقاح هذا الفيروس يكون بالبناء الذاتي القومي المجتمعي، بالعمل المؤسساتي المنظم والمهني، والتخطيط طويل الأمد بدلًا من إدارة الأزمات، وهذا هو امتحان أيّ قيادة بالعالم، وجود رؤية شاملة وليس تحويل السياسة إلى مناورات برلمانية وخطب فيسبوكية شعبوية.

المساهمون