في التاسع من يناير/كانون الثاني المقبل، تبدأ الحكومة الكندية بتطبيق "برنامج التأشيرات المؤقتة" للفلسطينيين من غزة. ويشمل ذلك من لديهم علاقة بالبلد، من خلال أقارب كنديين أو يملكون إقامة فيها، بل يسري ذلك على الكنديين من أصل غزي ويقيمون خارج كندا.
وأوضح وزير الهجرة الكندي مارك ميلر، الأسبوع الماضي، أن مدة بقاء الوافدين من غزة، وفق هذه التأشيرات المؤقتة، تصل إلى ثلاث سنوات. واعتبر الخطوة بأنها ستؤهل من لديه أقارب من الدرجة الأولى في كندا (بمن فيهم المقيمون إقامة دائمة) "الانتقال إلى برّ الأمان أثناء احتدام الحرب في غزة"، وهو أيضاً ما أوضحه الموقع الرسمي للحكومة الكندية الخميس الماضي.
قرار حكومة جاستن ترودو الفيدرالية يُنظر إليه داخل كندا باعتباره "يتماشى مع سياسات سابقة جرى تطبيقها في ما خص اللاجئين السوريين والأوكرانيين"، بحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد" من أوتاوا.
ارتياح فلسطيني لقرار التأشيرات الكندي: ليس تهجيراً
وترفض أغلبية من اتصلت بهم "العربي الجديد"، ربط فتح المجال لمواطنين ومقيمين في كندا، لجلب أقاربهم، وفي أفضل الأحوال يجري الحديث بين فلسطينيي كندا عن حوالي 800 فرد كحد أقصى، باعتباره خطوة في طريق التهجير. ويشير بعضهم إلى أن "رسائل هائلة وصلت إلى البرلمان والحكومة الكنديتين، إضافة إلى مئات آلاف التجمعات في مختلف المدن الكندية، كانت وراء الضغط لتبني قرار شبيه بالقرارين المتعلقين بالسوريين والأوكرانيين".
كما لا يستبعد البعض أن تُراجع الحكومة الكندية بعض بنود قرارها، بحسب تطور الظروف على الأرض، ولتذليل بعض عقبات تطبيقه التي يشرحها عدد ممن تحدثوا لـ"العربي الجديد".
يؤكد الناشط الفلسطيني الكندي حسام زعرب، والذي له أهلٌ في غزة، أن القرار "جاء ثمرة جهود محلية لأجل السماح لنا باستقدام الأهل من القطاع"، مشدداً في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن القرار يشمل بضع مئات فقط.
ينظر إلى قرار التأشيرات المؤقتة المرتبط بغزة داخل كندا باعتباره يتماشى مع سياسات سابقة جرى تطبيقها في ما خص اللاجئين السوريين والأوكرانيين
ويلفت الناشط إلى أن "القرار في خلفياته جاء على أساس نشاط فلسطينيي كندا، ومراسلات مستمرة بين من لهم أهل في غزة والحكومة الفيدرالية في أوتاوا". ويشير إلى أن "الصبغة الإنسانية كانت هي الطاغية، حيث أراد كثيرون، بعد تفاقم الدمار والمجازر، أن ينقذ والديه وإخوته، لكن الآن لا نعرف كيف سيتم تطبيق الخروج والفحص، وخصوصاً إذا فقدوا أوراقهم، ولا كيفية إثبات صلة القرابة".
وعن الأسئلة التي أثيرت حيال خطوة كندا، وما إذا كانت ترتبط بسياسة "تهجير" من غزة، يؤكد المهندس عبد السلام عنيسي، من العاصمة الكندية، لـ"العربي الجديد"، أن القرار "لا يسير في هذا الاتجاه إطلاقاً، بل هي خطوة إنسانية لا أكثر".
وتتفق الناشطة ريم مرعي من مدينة تورونتو مع الناشطة هوازن ن.، من خلال تجربتهما في السياسة الكندية ونشاط التضامن مع فلسطين، على أن المسألة جاءت نتيجة ضغوط كبيرة في الشارع، فـ"حركة التضامن مع فلسطين في عموم كندا ليست بسيطة، بل شكّلت مع الحرب الحالية عامل ضغط على البرلمان وعلى ترودو، لأجل تبني موقف ما يخفف من آلام الناس والأوضاع الصعبة في ظل الحرب على غزة". وأشارت ريم وهوازن في حديث مشترك لـ"العربي الجديد"، إلى أن "البيت الفلسطيني في تورنتو يعج يومياً ببيوت عزاء، فهناك أفراد فقدوا على الأقل 10 من أسرهم، ويمكن تخيل كيف أن الذين لديهم أهل في غزة يعيشون واقعا أليماً".
بدوره، يؤكد الفلسطيني وليد أبو سيف من تورنتو، وهو موظف سابق في الهجرة الكندية، لـ"العربي الجديد"، أن كثيرين من فلسطينيي كندا يضغطون على مختلف الأحزاب والتيارات السياسية لأجل "تبني سياسات أكثر توازناً وتضامناً مع الضحايا في غزة، فالجيل الشاب، الفلسطيني والكندي، يشكّل عبر فعالياته حالة ضغط مستمر للشهر الثالث على التوالي".
مع العلم أن تجمع أطباء ومهندسين من أصل فلسطيني ساهم في زيادة الضغوط على الحكومة الفيدرالية، لتعديل مواقفها، حيث يؤكد كثيرون أن "سياسات كندا بدأت بالتغير، وإن ليس بالشكل المثالي الذي يأمله المتضامنون مع فلسطين".
أوتاوا للغزّيين: تدبرّوا أموركم
من جهة ثانية، يلفت أبو سيف إلى أنه في الجوهر يختلف القرار تماماً عن القرار الذي شمل اللاجئين السوريين بين عامي 2014 و2016، فمندوبو وزارة الهجرة كانوا حينها يقومون بدور رئيسي في دول الجوار، الأردن ولبنان، لأجل استكمال الفحص والبصمة".
ويضيف أبو سيف أنه في حالة فلسطينيي غزة الكنديين، فإن الأمر مختلف، "فهم يقولون للراغبين بجلب أقاربهم من الدرجة الأولى: تدبروا أموركم". ويشمل ذلك بحث هؤلاء بأنفسهم عن مخرج من غزة والوصول إلى القاهرة ثم تدبر أمور السفر "وهو أمر لم يكن يطبق بهذا الشكل على اللاجئين الذين سمح لهم بالقدوم سابقاً، بمن فيهم الأوكرانيون".
ويشرح أبو سيف: "صحيح أن الإقامة المؤقتة تمنح القادم من غزة إمكانية العمل والدراسة، لكن من التجارب السابقة يتطلب الأمر وقتاً حتى تتعلم اللغة ونظام سوق العمل، وهو ما سرى على السوريين الذين تحملت الدولة مصاريف قدومهم وتأهيلهم لمدة عام كامل".
ويبدو أن حكومة أوتاوا خلال الأيام الماضية تركت الباب مفتوحاً لإعادة تعديل القرار، بعدما أثار المعنيون به على الأراضي الكندية، أسئلة، حيال مسألة الخروج من غزة ودراسة الطلبات، إلى جانب المعضلات المالية الباهظة التي لا يستطيع أصلاً تحملها الذين يعانون من أشد ظروف الحصار والحرب.
من جهته، يوضح موظف هجرة من أصل فلسطيني في مدينة لندن (بمقاطعة أونتاريو)، طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه "على الرغم من الترحيب بالقرار، إلا أنه لا يصل إلى مستوى القرار السياسي الذي اتخذته الحكومة الكندية مع بدء الحرب في أوكرانيا العام الماضي". ويلفت في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "برنامج التأشيرة المؤقتة للأوكرانيين كان أشمل، حيث تحملت الحكومة الكثير من المسؤوليات عن جلب الراغبين".
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، قدمت الحكومة الكندية برنامج تأشيرة مؤقتة للأوكرانيين الفارين من الحرب في وطنهم بحثاً عن الأمان في كندا، ولم يكونوا بحاجة إلى أن تكون لديهم عائلة في كندا للمجيء إلى هذا البلد. ويسمح تصريح كندا لعدد غير محدود من الأوكرانيين الفارين من الحرب بالعمل والدراسة والبقاء في كندا لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. ومنذ ذلك الوقت، وصل أكثر من 210 آلاف مواطن أوكراني إلى كندا، معظمهم لا يريدون العودة إلى ديارهم، وفقاً لدراسة أجرتها منظمة "باثفايندرز من أجل أوكرانيا"، وهي مجموعة مناصرة للأوكرانيين النازحين بسبب الحرب.
من الصعوبات، كيفية الوصول إلى القاهرة أو إثبات صلة القرابة لاسيما للذين فقدوا أوراقهم، فضلاً عن تكاليف السفر والمعيشة
كما استقبلت كندا أكثر من 50 ألف لاجئ سوري أغلبيتهم من مخيمات في لبنان والأردن. وتكفلت بكافة الإجراءات والنقل والمساعدة المالية والإسكان في العام الأول، إلى أن تمكن هؤلاء من ولوج سوق العمل.
ومع الإعلان عن بدء تطبيق القرار الخاص بالفلسطينيين بعد 9 يناير المقبل، والشامل لبضع مئات من فلسطينيي كندا من أصل غزّي، تبقى الكثير من الأمور غير الواضحة عالقة، فضلاً عن وجود عقبات عدة يخشى أن تقلل أعداد المستفيدين منه.
وفي السياق، تلفت الناشطة ريم مرعي في تورنتو، لـ"العربي الجديد"، إلى أن القرار "مع أنه يشمل الأقارب من الدرجة الأولى، الأزواج والزوجات وأطفالهم وأحفادهم وإخوتهم وأخواتهم وآباءهم وأجدادهم وأبناء عمومتهم، حتى وإن كان الأطفال فوق الـ18 عاماً، إلا أن المسألة الأساسية تتعلق بصعوبة وصول هؤلاء إلى السفارة الكندية في مصر لأجل ما يسمى هنا الفحص الأمني والبصمة البيومترية".
وفي السياق، تشير أسرة من غزة تحمل الجنسية الكندية، إلى أن "القرار جاء على خلفية إنسانية، لكنه من غير الواضح كيف سيتمكن الناس المشمولون من ترتيب أمورهم بعد كل هذه الدماء وفقدان بعض الأقارب لكل الوثائق، إضافة إلى مصاعب تأمين خروج ذاتي عبر معبر رفح".
وكان وزير الهجرة الكندي ميلر، أوضح في حديث لصحيفة "ذا غلوب أند ميل"، في 21 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أن المرور عبر بوابة رفح أمر صعب في هذا الوقت "ولا يوجد مخرج آخر من غزة، وتلك أوضاع ليست تحت سيطرتنا".
برنامج التأشيرة المؤقتة للأوكرانيين كان أشمل، حيث تحملت الحكومة الكندية الكثير من المسؤوليات عن جلب الراغبين
وبالنسبة للبعض، وخصوصاً من يقيم في مدن كندية باهظة التكلفة في المسكن، مثل تورنتو، فإذا كان راتبه بالكاد يكفي لدفع الفواتير فسيكون من الصعب عليه تأمين المبالغ الضخمة التي يتطلبها نقل أفراد الأسرة، خصوصاً إذا كان الأمر يحتاج إلى توفير سكن لأكثر من عائلة، إلى جانب تكاليف التذاكر. وفي هذا الإطار، تلفت الناشطة هوازن ن.، إلى أن "بعض الشباب يتدبر أمره من خلال الوظيفة، لكن الحكومة لم تقم بما قامت به لدى جلب لاجئين آخرين".
وكان ميلر قد أعلن بعدما أثير أمر العقبات، أن " كندا لن تقدم رحلات جوية للفلسطينيين من مصر إلى كندا، لكنها قد تقدم في بعض الظروف قروضاً لتغطية تكاليف النقل. وقد يتمكن الفلسطينيون من التقدم بطلب للحصول على تغطية طبية محدودة المدة لدفع تكاليف الاحتياجات الطبية الفورية عند الوصول".
ويشمل قرار أوتاوا الخاص بفلسطينيي غزة أولئك الذين يدرسون في جامعاتها بإعفائهم من الرسوم، والسماح لمن أنهى الدراسة وانتهت إقامته وغير قادر على العودة بالبقاء حتى انتهاء الحرب. وينطبق ذات الأمر على لمّ شمل الأسر من غزة، إذ تعتبر إقامة 3 سنوات إقامة مؤقتة، تضعهم على سكة العودة إلى غزة. وجدير بالذكر، بناء على معلومات من تورنتو، فإن الكثير من الأسر التي لديها جنسيات كندية آثرت البقاء في غزة طيلة فترة الحرب، وبعضهم رفض الخروج حين كان متاحاً لحملة الجنسيات الأجنبية المغادرة.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة "العدالة للجميع" طه غيور، إن البرنامج المخصص لأفراد عائلات الكنديين في غزة هو "خطوة واعدة في الاتجاه الصحيح" ولكن هناك صعوبات عملية، في ظل غياب وقف إطلاق النار، للأشخاص الذين قد يرغبون في القدوم، بما في ذلك التنقل والاتصالات في غزة. وشدد على أن الفئات الأكثر ضعفا، بما في ذلك الجرحى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية فورية، وكذلك الأطفال والنساء الحوامل، يجب أن تكون لهم الأولوية. ورحبت منظمة "كنديون من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط" بالقرار.
وقال في تصريحات صحافية محلية نائب رئيس المجموعة مايكل بوكيرت: "إن إجراءات الهجرة المؤقتة هذه تعد بارتياح كبير للكنديين الذين قضى أحباؤهم أكثر من شهرين محاصرين في ظروف لا يمكن تصورها".