لم يحظ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأي راحة، اليوم الإثنين، بعد ساعات من إعادة انتخابه متفوقا على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، وحثّ المعارضون السياسيون الناخبين على حرمانه من الأغلبية البرلمانية.
وإذا فشل ماكرون في تحقيق فوز آخر في الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 و19 يونيو/ حزيران، فإن الرئيس المنتمي لتيار الوسط المؤيد لأوروبا سيكافح للمضي قدما في أجندته المؤيدة للأعمال التجارية، بما في ذلك الخطط غير الشعبية لتأجيل سن التقاعد.
وقال جوردان بارديلا، وهو حليف مقرب من لوبان، للناخبين: "التصويت لم ينته، الانتخابات التشريعية هي الجولة الثالثة. لا تضعوا كل السلطة في يد إيمانويل ماكرون".
وقال جون-لوك ميلونشون، مرشح اليسار المتشدد الذي جاء في المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية خلف لوبان مباشرة، إن ماكرون انتخب باعتباره "الخيار الافتراضي".
وأضاف متحدثا إلى مؤيديه "لا تستسلموا. يمكنكم هزيمة ماكرون (في الانتخابات البرلمانية) واختيار مسار مختلف".
وفي الانتخابات التشريعية الفرنسية في الآونة الأخيرة، فاز حزب الرئيس دائما بالأغلبية في البرلمان.
وإذا جاءت النتيجة مختلفة هذه المرة، فلن يكون أمام ماكرون خيار سوى تعيين رئيس وزراء من حزب آخر، ما قد يؤدي إلى فترة تعايش متوترة يتم خلالها تقييد السلطات الرئاسية بشدة.
مخاطر فترة التعايش
في أثناء فترة التعايش، يظل الرئيس قائدا للقوات المسلحة ويحتفظ ببعض النفوذ في السياسة الخارجية، لكن الحكومة تكون مسؤولة عن معظم الأمور اليومية المتعلقة بالدولة والسياسة.
وقالت جين فولي، الخبيرة الاستراتيجية في رابوبنك: "الحقيقة أن هناك المزيد في قصة الانتخابات الفرنسية أكثر من فوز ماكرون أمس".
وعلى الرغم من فوز ماكرون بولاية جديدة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية أمس، إلا أن النتيجة التي حققتها منافسته لوبان كانت المحطة الأبرز في هذه الانتخابات، والتي عزّزت مكانة اليمين المتطرّف في فرنسا.
وتعهد ماكرون وحلفاؤه بالحكم بصورة مختلفة والاستماع أكثر للناخبين، على أمل أن يساعدهم ذلك في الفوز بأغلبية في البرلمان.
وانخفض معدل البطالة في فرنسا إلى أدنى مستوياته في 13 عاما خلال ولاية ماكرون الأولى، وتفوق اقتصادها على البلدان الأوروبية الكبيرة الأخرى، وعلى منطقة اليورو الأوسع.
لكن إصلاحاته المؤيدة للأعمال التجارية والأمنية أثارت الكثير من الاستياء، واعترف ماكرون في خطاب الفوز بأن الكثيرين صوتوا له لإبعاد منافسته اليمينية المتطرفة.
وقال ماكرون "كثيرون في هذا البلد صوتوا لي ليس لأنهم يدعمون أفكاري ولكن لإبعاد أفكار اليمين المتطرف. أريد أن أشكرهم وأعلم أنني مدين لهم بدين في السنوات المقبلة".
وبعد الولاية الأولى التي انتقد فيها كثيرون أسلوب ماكرون الخشن في بعض الأحيان، كانت الرسالة، اليوم الاثنين، مفادها أن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة.
وقال زعيم البرلمان ريشار فيران، وهو حليف وثيق لماكرون: "ستكون مهمتنا الأولى هي التوحيد"، مضيفا أن المشرعين سيشركون الناخبين بشكل أكبر في صنع القرار.
"أقدام من الطين"
كان هامش انتصار ماكرون أقل بكثير من فوزه بنسبة 66.1 بالمئة على لوبان في أول مواجهة انتخابية بينهما في عام 2017.
وكتبت صحيفة لوفيغارو اليومية المحافظة في افتتاحيتها الرئيسية، اليوم الاثنين: "في الحقيقة، التمثال الرخامي هو عملاق بأقدام من الطين. إيمانويل ماكرون يعرف ذلك جيدا... لن يستفيد من أي فترة سماح".
وهذا يعني أيضا أن ماكرون يمكن أن يتوقع على الأرجح المزيد من الاحتجاجات التي طغت على بعض فترات ولايته الأولى.
وقالت كوليت سييرا (63 عاما)، وهي عاملة إدارية: "لن يحصل على خمس سنوات أخرى بالتفويض نفسه، وهذا أمر واضح. لن نسمح له بذلك. إذا فعل ذلك، أعتقد أن الناس مستعدون للنزول إلى الشوارع إذا لم تكن هناك حكومة ائتلافية مناسبة".
من جانبها، كتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن أمسية "فوز من دون انتصار" لماكرون، تميّزت بالنتيجة التاريخية لليمين المتطرّف، والخوف من جولة ثالثة سياسية واجتماعية.
ولفتت الصحيفة إلى أن ابنة جان ماري لوبان، والتي حازت على 33.9 بالمائة من أصوات الناخبين قبل 5 سنوات، قطعت للمرة الأولى حاجز الـ40 في المائة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت أمس الأحد.
ووصفت "لوموند" النتيجة بأنها دليل فشل لإيمانويل ماكرون الذي أكد عشية فوزه السابق بالرئاسة في 7 مايو/أيار 2017، أنه يريد التأكد من أن الفرنسيين "لم يعد لديهم أي سبب للتصويت لصالح المتطرفين"، ونقلت عن وزير الاقتصاد برونو لومير قوله، أمس، إن هذه الليلة ليست ليلة ابتهاج، لافتاً إلى أن هناك في الوقت عينه فرحة الفوز، والجدية في رؤية تقدّم مارين لوبان بين عامي 2017 و2022.
(رويترز، العربي الجديد)