فرصة لولادة جديدة

27 مارس 2022
(محمد عابد/ فرانس برس)
+ الخط -

تحل ذكرى يوم الأرض لهذا العام في مرحلة خاصة نتيجة عوامل عديدة، منها تسارع وتيرة سياسات نهب الأرض الفلسطينية صهيونيا، وفي ظل أزمات الجسم الفلسطيني المتلاحقة التي تنذر بأفول مرحلة والاستعداد لبدء مرحلة جديدة، وعلى ضوء عودة فاعليات المقاومة الشعبية الشاملة إلى كل أرض فلسطين التاريخية كما جسدتها هبة أو انتفاضة كل فلسطين في شهر أيار من العام السابق، كما تبدو ذكرى يوم الأرض لهذا العام وكأنها بداية لسلسلة من المناسبات القابلة لإشعال فتيل المقاومة الشعبية الشاملة، فبعد الذكرى ببضعة أيام يحل شهر رمضان بمناسباته اليومية والأسبوعية ذات الحضور الشعبي الكبير خصوصا في المسجد الأقصى، ومن ثم عيد الفطر وذكرى النكبة، وجميعها مناسبات حذرت دوائر صنع القرار الصهيونية من احتماليات تحولها إلى انتفاضة شعبية عارمة وشاملة.

إذا لا تنكر مراكز الدراسات وصنع القرار الصهيونية، وفق قولها، خطر تمدد نقاط اشتباك المقاومة الشعبية على امتداد أرض فلسطين بشقيها المحتلين في عامي 1948 و1967، بل وتحذر بعضها من احتمال تدخل فصائل العمل الوطني الفلسطيني عسكريا انطلاقا من قطاع غزة، وهو ما دفع الاحتلال الصهيوني إلى توخي الحذر ورفع حالة التأهب والتحضير أمنيا وعسكريا لمواجهة احتمال الانتفاضة الشعبية الشاملة. وعليه قد تكون الفرصة الراهنة مواتية لفرض معادلة فلسطينية جديدة ومغايرة عن تلك التي سادت في المرحلة السابقة، إذا تمكن الشارع الفلسطيني المنتفض من شق طريقه النضالي خارج حسابات الجسم السياسي الفلسطيني، وبالتحديد خارج ثنائية فتح- حماس التي هيمنت على انتفاضة كل فلسطين الأخيرة وعلى سواها من الأحداث والفعاليات النضالية الوطنية مؤخرا.

فقد ثبت بالممارسة العملية أولوية الصراع على السلطة في حسابات جميع مكونات الجسم السياسي الفلسطيني وعلى رأسهم فتح وحماس، كما أوضحت معركة سيف القدس الأخيرة التباينات السياسية والعسكرية داخل حركة حماس وبالتحديد بين مكونيها العسكري والسياسي من جهة، وكشفت من جهة ثانية عن تطويع العمل العسكري لصالح المكتسبات السياسية الضيقة، أي لصالح تثبيت حكم ومكانة حماس فلسطينيا وعربيا ودوليا. حيث قبلت حماس بالهدنة أو بوقف عملياتها العسكرية دون تحقيق أي إنجاز سياسي على المستوى الوطني، ولاسيما تلك التي أعلنتها الحركة أهدافها لمعركة سيف القدس، في حين بدأت الحركة سعيدة بنجاح عملياتها العسكرية في تقديمها كلاعب رئيسي على الساحة الفلسطينية ما يمنحها مكانة إقليمية ودولية أفضل، وعليه يحق لنا التساؤل عن الجدوى الوطنية من مسارعة الحركة للتصعيد العسكري في حينها بدلا من العمل على تجذير المقاومة الشعبية وتعزيز حضورها الميداني على امتداد كل فلسطين.

أوضحت معركة سيف القدس الأخيرة التباينات السياسية والعسكرية داخل حركة حماس وبالتحديد بين مكونيها العسكري والسياسي وكشفت عن تطويع العمل العسكري لصالح المكتسبات السياسية الضيقة

طبعا لا نقصد بأي شكل من الأشكال التقليل من شرعية العمل المقاوم بجميع أشكاله المتاحة، بقدر ما نحذر من خصوصية المرحلة الفلسطينية الراهنة، التي تشهد أفول القوى التقليدية أو بالأصح أفول دورها الوطني والشعبي، أي لا يرتبط الأفول بقدرة هذه القوى على نيل شرعية دولية هنا أو هناك، أو على دورها في شراء انتماء البعض عن طريق المال السياسي، بل يتعلق بقدرتها على حشد الشارع وتوجيهه بقوتها الناعمة، وهو ما افتقدناه في السنوات العديدة السابقة داخل وخارج فلسطين، في أراضي 48 ونظيرتها 67 بشقيها الضفة وغزة. لذا يحق لنا اليوم التخوف من احتمال نجاح حماس أو فتح في كبح مسار المقاومة الشعبية وتكبيل قدراتها الخلاقة، من أجل خلق صراع جانبي ذو أهداف فئوية/ فصائلية يخدم صراعهما على قيادة الجسم الفلسطيني المتهالك.

من أجل تجنب ذلك يعتقد كاتب المقال أن الأولوية اليوم لنمو المقاومة الشعبية وتمددها جغرافيا كي تطاول أكبر عدد ممكن من نقاط الاشتباك والمواجهة اليومية أو الأسبوعية، وفق قدرات وظروف الكتلة الشعبية الفلسطينية، وهو ما يتطلب توجيه جميع الإمكانات والموارد الفلسطينية لصالح المقاومة الشعبية، بما فيها الإعلامية والاقتصادية والسياسية، وهو ما يستحيل تحقيقه في ظل تصعيد حماس أو الجهاد عسكريا، كما يستحيل تحقيقه في ظل مسارعة فتح محمود عباس لتقديم تنازلات جديدة، لذا لا بد من تحيدهم شعبيا وعدم التعويل عليهم بأي شكل من الأشكال ولو مؤقتا. كما علينا أن ندرك دور وأهمية فعاليات المقاومة الشعبية في صناعة جيل جديد من القادة الشعبيين والسياسيين، بل وفي صناعة قوى سياسية جديدة جذرية ووطنية تسد الفراغ الذي أحدثه ترهل وتفكك الجسم السياسي الفلسطيني الحالي، وذلك يتطلب فعلا نضاليا مركزيا ومستمرا ودوريا يوحد الشارع ويحدد أهدافه وينظم رؤاه السياسية والنضالية ويصنع قادته الميدانيين عمليا.