فراغ دستوري "متعمّد": من المستفيد بغياب المحكمة الاتحادية العراقية؟

06 نوفمبر 2020
يعطل غياب المحكمة الاتحادية إجراء الانتخابات (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

يؤكد مسؤولون عراقيون أن الفراغ الدستوري الذي دخله العراق بسبب تعطيل المحكمة الاتحادية بفعل اختلال نصاب أعضائها، والتي لم يستطع البرلمان تجاوز الخلافات السياسية بشأن تمرير قانونها المعطّل، خطيرٌ، لا سيما مع عدم وجود آلية قانونية تُخوّل أي جهة أخرى القيام بمهام المحكمة الغائبة. ووسط حديث عن جهات مستفيدة من تعطيل عمل المحكمة، تستمر حالة الشدّ والجذب بشأن قانونها. وبينما لم يحدد أي موعد لإقرار هذا القانون، يُحمّل مراقبون البرلمان مسؤولية إهمال هذا الملف الحسّاس.
والمحكمة الاتحادية هي أعلى سلطة قضائية في العراق، بحسب الدستور، ومهمتها الفصل في النزاعات بين السلطات التنفيذية، وتفسير النصوص الدستورية، والمصادقة على نتائج الانتخابات، والنظر بطعون القوانين والتشريعات المختلف عليها داخل البرلمان. وشكّلت المحكمة في العام 2005 بعد الغزو الأميركي للبلاد، وتضم 8 أعضاء، توفي اثنان منهم، وأحيل ثالث للتقاعد بعد تجاوزه الـ70 عاماً، ما يجعل نصاب المحكمة مختلاً، ويجعلها غير قادرة على اتخاذ أي قرار.

شكّلت المحكمة عام 2005 وتضم 8 أعضاء، توفي اثنان منهم، وأحيل ثالث للتقاعد

ويدخل الجدل حول مشروع قانون المحكمة الاتحادية المقدم إلى البرلمان شهره الرابع على التوالي، وهو يتعلق بإدخال فقهاء في الشريعة الإسلامية كقضاة فيها. وتعارض قوى سياسية ذلك، أبرزها الكتل الكردية وعدد من كتل العرب السنية وكتل الأقليات. وتؤكد مصادر برلمانية عراقية لـ"العربي الجديد"، أن ثمّة ملامح اتفاق غير معلن بين قوى عدة، لعرقلة القانون، الذي يقف حاجزاً أمام إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، إذ إن بقاء المحكمة مختلة النصاب لا يسمح بإجراء الانتخابات. وأنهى البرلمان العراقي في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي قراءة ثانية لمسودة قانون المحكمة الاتحادية، من دون التوصل إلى أي اتفاق حيال الفقرات المختلف عليها. 

عضو اللجنة القانونية البرلمانية، حسين العقابي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الفراغ الدستوري متحقق حالياً، بحكم أن مؤسسة أساسية في الدولة معطلة ولا تؤدي مهامها الدستورية، فتعطيل المحكمة ابتداء هو خلل جسيم في بنية الدولة"، مبيناً أن "أي تنازع ممكن أن يحصل اليوم، لا يمكن للمحكمة أن تأخذ دورها فيه، لأن نصابها معطل". وأكد العقابي أن "الفراغ الحالي لا يقل عن الفراغ الذي من الممكن أن يحصل بغياب الحكومة أو البرلمان أو أي مؤسسة دستورية أخرى، فالخلل خطير جداً، لاسيما أننا في حال أي طارئ لا يمكن لنا أن نلجأ به إلى محكمة معينة بعد تعطيل نصاب المحكمة الاتحادية". وأكد النائب العراقي أن "الخلاف على قانون المحكمة الاتحادية، مفتعل، سواء أكان بالنسبة إلى قانون التعديل أم القانون الأصلي الذي عملت به المحكمة في السنوات الماضية، فالأصل في تأخيره هو الإهمال". ورأى أن "هناك خللاً وتقصيراً كبيراً من البرلمان بعدم المضي من أجل تشريع القانون، لاسيما أن هذا القانون جاهز للتشريع، والخلافات بشأنه بسيطة".
ولم يستبعد العقابي وجود "نوايا مبيتة من قبل الأطراف المتنفذة بالمشهد السياسي، في إبقاء المشكلة لتعطيل إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة". وبرأيه، فإن هذه القوى "تحاول استنزاف الوقت لشهور عدة، وتجازف بمستقبل الدولة العراقية ومستقبل النظام القضائي والمؤسسات الدستورية"، مشدداً على أن "تعطيل المحكمة خلل كبير وجناية دستورية ترتكب بحق العراق وبنية النظام الديمقراطي في البلاد".
ومن شروط إجراء الانتخابات التي يعد لها العراق، إكمال نصاب المحكمة الاتحادية، التي تعد الجهة الوحيدة المخولة المصادقة على نتائج الانتخابات، إلا أنها مختلة النصاب منذ نهاية العام الماضي، بعد إحالة أحد أعضائها للتقاعد، ومن ثم وفاة عضوين لاحقاً، في وقت لا تستطيع فيه المحكمة تعيين بدلاء بسبب إلغائها سابقاً النص القانوني الوحيد الذي ينظم عملها، ليتوقف إكمال نصابها على تشريع قانونها في البرلمان.
من جهته، أكد النائب عن تحالف "عراقيون"، حسن خلاطي، وجود صعوبة بتمرير قانون المحكمة في البرلمان، كونه يحتاج الى توافق واسع بين الكتل السياسية. وقال خلاطي في إيجاز صحافي قدمه مطلع الأسبوع الحالي، إن "القانون يحتاج الى تصويت ثلثين من أعضاء البرلمان، وهو أمر صعب للغاية، إن لم يكن مستحيل التحقيق خلال هذه الفترة"، مؤكداً أن "تمرير القانون لا يمكن فصله عن الأوضاع السياسية في البلد، فنحن أمام وقت ضيق وموعد الانتخابات المبكرة لا يسمح بتأخر إكمال نصاب المحكمة". ولذلك فإن تمرير القانون، يحتاج برأيه الى "توافق واسع لكي يمرر، لكن هذا الأمر غير ممكن في الفترة الحالية".
ولفت النائب العراقي إلى أن "السعي حالياً داخل البرلمان هو لتمرير التعديل على القانون (إنهاء الإشكال القضائي بعد نقص العضوية في المحكمة)، وليس القانون، إذ إن التعديل يحتاج الى أغلبية بسيطة لتمريره برلمانياً (83 نائباً فقط)". وبرأيه، فإنه "من الممكن أن يتم ذلك، لاسيما أن البرلمان قرأ التعديل قراءة ثانية"، مؤكداً أن "تعديل القانون سيتيح إكمال نصاب المحكمة، ويمنحها فرصة ممارسة مهامها". وأشار خلاطي إلى أنه "قد تم وضع مادة قانونية تسمح للمحكمة، وبالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى، بترشيح أسماء إلى رئيس الجمهورية، ليتولى مهمة إصدار مرسوم جمهوري بتعيينهم، على أن يكونوا من قضاة الصف الأول، ليكتسبوا عضوية المحكمة".

لا توجد آلية  دستورية للحلول بدل غياب المحكمة الدستورية، أو إناطة المهام لأي مؤسسة أخرى

مراقبون أكدوا أن هناك جهات مستفيدة من تعطيل عمل المحكمة، وتهدف من ذلك إلى تحقيق أجندات ومصالح معينة. وقال رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "غياب المحكمة الاتحادية، وبحكم كونها تحتل فصلاً معلوماً ضمن الدستور العراقي، وأهميتها تكمن في الفصل بين النزاعات بين مؤسسات الدولة، يؤكد أن جزءاً من الدستور العراقي مغيب، ولم يضع النص الدستوري آلية للحلول بدل غياب المحكمة، أو إناطة المهام لأي من مؤسسات الدولة الأخرى".
وأوضح الشمري أنه "حتى مجلس القضاء الأعلى لا يستطيع أن يكون بديلاً عن المحكمة الاتحادية، لأن الدستور كان دقيقاً وواضحاً، حيث المهام المنوطة بالمحكمة الاتحادية هي حصراً من صلاحياتها". ومن جانب آخر، شرح النائب أن المحكمة لها العلوية في تفسير النصوص الدستورية، وهذا أيضاً اختصاص حصري"، مشيراً إلى أنه "بغياب عضوين عن نصاب المحكمة، وفي ظلّ عدم وجود تشريع قانون لاستبدال الأعضاء، جُمّدت المحكمة بشكل كامل، ما أدخل العراق في فراغ دستوري".

وحمّل الشمري البرلمان "مسؤولية ذلك، إذ إنه الجهة الوحيدة المسؤولة عن هذا الفراغ، كونه لم يأخذ بالاعتبار أهمية وجود المحكمة، ولذلك لم يقر تشريع فقرة استبدال الأعضاء ضمن قانونها"، مشدداً على أن "معالجة الموضوع تقع ضمن المعالجات الحصرية الخاصة بالبرلمان". ورجّح رئيس مركز التفكير السياسي "وجود قوى سياسية مستفيدة وتستغل هذا الفراغ للعمل على دفع قوانين أو تعطيل الانتخابات"، مؤكداً أنه "لا معالجة لهذا الفراغ إلا بإقرار قانون المحكمة أو تعديل الفقرة التي تخص استبدال الأعضاء".

المساهمون