تعيش حركة "فتح" في قطاع غزة انقساماً كبيراً، زادت حدته في السنوات الخمس الأخيرة، مع موجات من الإهمال والفصل الوظيفي والعقوبات التي طاولت موظفي السلطة الفلسطينية المنتمين في غالبيتهم للحركة، في القطاع الذي تسيطر عليه حركة "حماس". وأُهملت غزة من جدول أعمال "فتح" لسنوات، بعد الانقسام الداخلي والاقتتال الذي أفضى لطرد قيادييها وعناصرها المؤثرين من القطاع، وبفعل تمركز قيادة الحركة الجديد في الضفة الغربية المحتلة، إضافة إلى منع "حماس" وحكومتها في القطاع الكثير من نشاطاتها والتضييق عليها وملاحقة عناصرها.
وكانت قيادات "فتح" التاريخية والبارزة عامل جمع للفرقاء داخلها، على عكس ما تمر به حالياً في ظل وجود تيارات متنافسة كلها تتبادل الاتهامات فيما بينها، مع مزيد من الانشقاقات الأخيرة التي سيطرت على المشهد الفتحاوي في الأسابيع التي أعقبت مراسيم الانتخابات. ومع الاستحقاق الانتخابي المقبل، المقرر أن يبدأ في 22 مايو/أيار المقبل بانتخابات المجلس التشريعي، تنقسم "فتح" في غزة إلى نصفين، على الرغم من أنّ الغلبة كما يبدو للفريق الذي يتزعمه الرئيس محمود عباس، على حساب تيار القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان. لكن "فتح" التي يتزعمها عباس أمامها استحقاقات كثيرة لإعادة ترتيب صفوفها، بعيداً عن التهديد بالراتب والوظيفة، مع مسارعة تيار خصمه دحلان في إجراء ترتيبات وضخ مزيد من الأموال في القطاع لاستمالة الناخبين وترتيب صفوف التيار.
أُهملت غزة من جدول أعمال "فتح" لسنوات
عقب الانقسام الداخلي وسيطرة "حماس" على القطاع عام 2007، بدأت "فتح" والسلطة أولى خطوات الانهيار الشعبي، مع إهمال كبير لغزة ولقضاياها. وبدأت مع هذا الإهمال قضايا الفصل الوظيفي وإغراق الموظفين بالقروض بشكل بدا متعمداً، وكأنه كُتب على الموظف أن يقاتل وحيداً لعودة "فتح" للسيطرة على غزة. وعلى الرغم من أنّ الكثير من الموظفين المدنيين الذين استمروا في العمل عقب الانقسام في وظائفهم بوزارتي الصحة والتعليم تحديداً لم يكونوا من "حماس" ولا مقربين منها، إلا أنّ فصلهم وظيفياً وقطع رواتبهم، ثم احتواءهم من قبل "حماس" وحكومتها جعلهم في صف الحركة الإسلامية.
وفي إبريل/نيسان 2017 فرضت السلطة الفلسطينية عقوبات شديدة طاولت موظفيها بحجة التضييق والضغط على "حماس"، وأتت هذه السياسة بعكس هدفها، إذ زادت من الحنق والغضب على السلطة و"فتح" مع استلام الموظفين أنصاف رواتبهم وأكثر قليلاً. وعادت رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة الشهر الماضي إلى ما كانت عليه سابقاً، مع إعلان الحكومة التي يرأسها عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" محمد اشتية وصول تعليمات من عباس برفع الإجراءات الخاصة بالموظفين. وأعاد هذا الإجراء الأمل إلى الموظفين المعاقبين في أرزاقهم، لكن تبقى قضية الموظفين المفصولين تعسفاً وبـ"تقارير كيدية" مطروحة على الطاولة لحلها، قبل أي استحقاق انتخابي.
في هذا الوقت، استمال دحلان الكثير من عناصر "فتح" وموظفي السلطة المقطوعة رواتبهم من خلال دفع مستحقات ورواتب منتظمة لهم، وبدأ تفعيل تياره وأطره التنظيمية في القطاع، مع ما عرف في حينه بتفاهمات دحلان (مع قائد حماس في القطاع يحيى) السنوار، التي أبرمها الاثنان في القاهرة وقضت بتخفيف مصر إجراءاتها ضد غزة واستقبال "حماس" من قبل القاهرة، وتفعيل اللجان المشتركة لحل الخلافات بعد فترة قاسية من القطيعة.
استمال دحلان الكثير من عناصر "فتح" وموظفي السلطة المقطوعة رواتبهم
سمحت هذه التفاهمات لدحلان بالعودة إلى العمل الحركي والتنظيمي في القطاع بشكل علني للمرة الأولى منذ الانقسام ومنذ اتهامه بالتسبّب بأحداث الانقسام، وعُززت هذه التفاهمات بعودة قيادات في التيار للإقامة في غزة بعد سنوات من النفي الاختياري والإجباري في مصر. ومنذ أسابيع، ومع الإعلان عن المراسيم الانتخابية، نشط تيار دحلان في ترتيب صفوفه في القطاع، مع جرعة إضافية من الدعم المالي للتيار ولمناصريه وحتى المواطنين الذين استفادوا في السنوات الأخيرة من الدعم الذي كان يجلبه دحلان للجنة "تكافل" التي تضم كافة الفصائل.
وبشكل شبه يومي، يقوم تيار دحلان بفعاليات دعم لقطاعات مختلفة في القطاع، آخرها للمتضررين من المزارعين وقبلها للصيادين، وغيرها من الفئات، وتطلق على هذه الدفعات المالية اسم "منحة النائب محمد دحلان". وعلى الرغم من المال الذي بات يسيطر على مشهد الصراع الانتخابي في غزة، إلا أنّ حظوظ تيار دحلان في استمالة المواطنين ليست كبيرة، خصوصاً مع اتهامه من القضاء الفلسطيني بقضايا فساد، إضافة إلى اعتقاد الفلسطينيين المستمر بأنّ دحلان هو أحدّ أبرز وجوه الاقتتال والانقسام، إذ كانت فرق "الموت" التي أسسها وأعمالها في غزة بداية الشرارة للانقسام والاقتتال، قبل سيطرة "حماس" بالقوة العسكرية على القطاع.