خرجت احتجاجات جديدة في بلدات محافظة درعا، جنوبي سورية، للمطالبة بإطلاق سراح آلاف المعتقلين في سجون النظام، الذي يبدو شبه عاجز عن مواجهة المتظاهرين الذين أحيوا الشعارات والهتافات الأولى للثورة السورية، بما فيها المطالبة بإسقاط النظام، الذي يواجه تحديات مماثلة في السويداء المجاورة.
وعمّت التظاهرات، أول من أمس السبت وما قبله الجمعة، بلدات محافظة درعا، خصوصاً الصنمين وداعل وجاسم وغباغب وسواها من البلدات، رافعين عدة مطالب من بينها "إطلاق المعتقلين".
وقال محمد. ح، وهو أحد الذين شاركوا في التحركات: "لن تتوقف هذه التظاهرات والاحتجاجات ما دام شبابنا في سجون (رئيس النظام بشار) الأسد". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الثورة لم تمت في حوران (تسمية محلية لمحافظة درعا). من كان يظن أن التسويات التي أجرتها بعض الفصائل مع النظام تنسينا الظلم، فهو مخطئ".
محمد. ح: لن تتوقف التظاهرات والاحتجاجات ما دام شبابنا في سجون الأسد
من جانبه، أشار الناشط الإعلامي يوسف مصلح، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك استعدادات لعدد من التظاهرات في مدن وبلدات أخرى في المحافظة"، مضيفاً أن نطاق الاحتجاجات والتظاهرات سيتسع في الأيام المقبلة.
وكانت فصائل المعارضة في جنوب سورية اضطرت، في العام 2018، لإبرام اتفاقات تسوية مع النظام برعاية روسية، اتضح لاحقاً أنها لم تكن سوى وسيلة لعودة قوات النظام والأجهزة الأمنية للانتقام من سكان محافظة درعا، التي شهدت شرارة الثورة السورية الأولى في ربيع العام 2011.
ورفع المتظاهرون راية الثورة السورية في التظاهرات، التي من المتوقع أن يتسع نطاقها ما دام النظام يصر على تجاهل مطالب السكان بالكشف عن مصير أبنائهم المعتقلين في سجونه.
3 مطالب للمتظاهرين في درعا
وبيّن الناطق باسم "تجمع أحرار حوران" أيمن أبو محمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "لدى المتظاهرين في محافظة درعا ثلاثة مطالب، هي إسقاط النظام وإبعاد المليشيات الإيرانية والإفراج عن المعتقلين". وأوضح أنّ "لدى التجمع (مؤسسة إعلامية مستقلة تنقل أحداث الجنوب السوري) بيانات أكثر من 8 آلاف معتقل من محافظة درعا في سجون النظام".
وأشار أبو محمود إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام "لم تطلق النار بشكل مباشر على المتظاهرين، لأنها تعلم أنها ستتعرض لهجوم من قبل مجموعات أهلية". وأوضح أن التجمع وثّق مقتل أكثر من 40 شاباً في سجون النظام كانوا سلّموا أنفسهم بموجب قرارات العفو التي يصدرها النظام.
ولم تعرف محافظة درعا الاستقرار منذ العام 2018، حين انتهت العمليات العسكرية بموجب اتفاقات التسوية، حيث عمد النظام إلى إشاعة الفوضى الأمنية وعمليات الاغتيال التي طاولت المئات في هذه المحافظة. وتشير المعطيات إلى أن النظام وظّف خلايا من تنظيم "داعش" للقيام بعمليات اغتيال بحق معارضيه في درعا.
وكان قُتل، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، المتزعم الثالث لتنظيم "داعش" المدعو أبو الحسن القرشي على يد مقاتلين محليين في بلدة جاسم، التي يحتفظ النظام بحضور أمني كبير فيها. وكان النظام السوري أجبر بلدات ومدن محافظة درعا على إبرام تسويات جديدة أواخر العام الماضي، في محاولة منه، يبدو أنها لم تنجح، للهيمنة الكاملة على هذه المحافظة التي حوّلها هذا النظام إلى بوابة كبيرة لتهريب المخدرات إلى الأردن.
تواصل الاعتصامات في السويداء
وإلى الشرق من محافظة درعا، تتواصل للأسبوع الثالث على التوالي الاعتصامات في محافظة السويداء جنوبي سورية، وهو ما يفتح الباب أمام حدوث اعتصامات في مناطق أخرى تقع تحت سيطرة النظام بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة.
ورفع المعتصمون في محافظة السويداء سقف مطالبهم لتتجاوز الجانب الخدمي، لتصل إلى حد المطالبة بتنفيذ القرار الدولي 2254 وإجراء انتقال سلمي للسلطة كما ينص القرار الصادر قبل سبع سنوات، لكنه بقي من دون تطبيق.
وفي بلدة مَلَح، الواقعة في الريف الجنوبي من السويداء، جدد المعتصمون، أمس الأحد، مطالبهم برحيل السلطة، رافضين السياسات الفاسدة منذ عقود.
وقال أحد المحتجين، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد": "لا نأمل شيئاً من سلطة الفساد التي سرقت خيرات الوطن، وأدخلت الأجنبي إلى البلاد". وأضاف: "لن نتوقف رغم كل الظروف. لم يعد يعنينا البرد والجوع واستجداء الحلول المخدرة، ويجب على هذا النظام أن يرحل".
أيمن أبو محمود: لدى المتظاهرين في محافظة درعا ثلاثة مطالب
وكانت السويداء شهدت، أول من أمس السبت، احتجاجات بدأت بقطع الطريق الرئيسي في مدخل المدينة من قبل عدد من سائقي الحافلات، بسبب تأخر استلام مخصصاتهم من المازوت والتقنين المجحف بحق السائقين. واعتبر مطيع. ص، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "السلطة تحاربنا بلقمة عيشنا، وتحرم أطفالنا من أدنى مقومات الحياة".
تضامن السويداء مع أهالي درعا
وأعلنت، السبت الماضي، "الحركة الشبابية السياسية"، التي تضم عدداً من أبناء محافظة السويداء، تضامنها مع أهالي محافظة درعا، من خلال وقفة تضامنية حملت شعارات التأييد للحراك الشعبي في جاسم وداعل، وشجب القمع الذي تتعرضان له من النظام السوري وأجهزته الأمنية.
وقطعت مجموعة مسلحة، أول من أمس، الطريق في منطقة دوار العنقود، المدخل الشمالي لمدينة السويداء، احتجاجاً على توقيف شابين من السويداء في دمشق، ولم تنسحب قبل أخذ وعود بإطلاق سراحهما بشكل فوري.
وتلجأ فصائل مسلحة ومجموعات أهلية في محافظة السويداء للضغط على الجهات الأمنية لإطلاق سراح موقوفين ومعتقلين، من خلال نصب حواجز مؤقتة، أو احتجاز ضباط من الأجهزة الأمنية. وفي السياق، يستعد ناشطون مدنيون لوقفة احتجاجية اليوم الإثنين، حيث أصدروا بياناً توجهوا فيه بالشكر لكل من تضامن معهم في المدن السورية، وجددوا الدعوة لـ"يلتقي جميع السوريين في وقفة واحدة في كل ساحات الوطن".
وتعيش محافظة السويداء منذ العام 2014 على وقع احتجاجات واعتصامات للمطالبة بتحسين الخدمات وكبح جماح عصابات تابعة للأجهزة الأمنية تتاجر بالمخدرات. ويعم الاستياء مناطق النظام السوري كافة، بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، حيث يبدو النظام شبه عاجز عن التعامل معها بسبب تبعات العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ العام 2011.