شهدت مدينة السويداء، جنوبي سورية، أمس الأحد، احتجاجات شعبية بسبب تردي الوضع المعيشي، تخللتها صدامات مع قوات الأمن التابعة للنظام السوري أسفرت عن سقوط قتيل على الأقل وعدد من الجرحى بين المحتجين.
في موازاة ذلك، عمد الأهالي في مدينة جاسم بمحافظة درعا المجاورة، إلى قطع الطرقات، متوعّدين باستهداف حواجز ومقرات قوات النظام في المدينة، في حال عدم استجابة سلطات النظام لمطالبهم بإطلاق سراح المعتقلين.
احتجاجات السويداء
واقتحم المتظاهرون مبنى محافظة السويداء بعد مغادرة جميع الموظفين وهروب الضباط والعسكريين إلى مبنى قيادة الشرطة المجاور، وأخرجوا جميع الصور والتماثيل التي تخص عائلة الأسد ومزقوها وأحرقوها أمام المبنى.
وألقى شخص مجهول الهوية قنبلة صوتية أمام المبنى، ما أدى إلى إصابة 3 أشخاص بجروح، تم احتجازهم من جانب قوات الأمن التابعة للنظام. وعمدت قوات النظام إلى إطلاق النار بشكل مكثف على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين، بهدف تفريق التظاهرة وإبعاد المحتجين عن مبنى المحافظة.
وقطع المحتجون الشارع المحوري، وسط مدينة السويداء، بإطارات مشتعلة، قبل انتقالهم إلى ساحة السير في مركز المدينة، حاملين لافتات تندد بتدهور الأوضاع المعيشية، وفشل حكومة النظام في إدارة شؤون البلاد.
وبدأت التظاهرة عند الساعة 11 صباحاً في ساحة دوار المشنقة، تحمل شعارات محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين وإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، لتتحرك بعد ذلك باتجاه مبنى المحافظة عبر الشوارع الرئيسية في قلب المدينة، وسط ارتفاع أعداد المنضمين إليها وتصاعد المطالب، وردد المتظاهرون هتافات تنادي بإسقاط النظام.
وضمت التظاهرة جميع الفئات العمرية، مع وجود كبير للعنصر النسائي، في ظل الغضب والقهر الذي يعانيه أهالي المحافظة. ووضعت وسائل إعلام النظام ما جرى في إطار اقتحام "عشرات الهاربين من العدالة" مقر المحافظة وإحراق ملفات وأوراق رسمية.
وقال المتظاهر نصر عزام، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "مطالبنا يعرفها المسؤولون وتتمثل بمحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين مهما علت مراكزهم، بالإضافة لإطلاق الحريات العامة، وإطلاق سراح المعتقلين"، مشيراً إلى أن هذه المطالب لا تقتصر على محافظة السويداء، بل تمثل كل السوريين.
وخلال محاصرة المتظاهرين مبنى المحافظة، أطلق عناصر الأمن النار في الهواء، ما دفع المحتجين إلى مهاجمة السيارة التي تحمل الرشاش وانطلق منها الرصاص، وإحراقها، مرددين هتافات تنادي بإسقاط النظام.
من جهته، أشار المواطن شادي أبو عمار، الذي وقف قبل أيام مطالباً بالخدمات العامة وشاتماً المسؤولين، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لا يؤيد اقتحام مبنى المحافظة والتخريب: "لأن هذه المؤسسات ملك لنا، ولكنني مع طرد هؤلاء الفاسدين ومحاسبتهم".
توقع نورس عزيز دخول حركة "رجال الكرامة" على الخط، إما للتهدئة أو التصعيد
بدوره، سرد الإعلامي نورس عزيز، المتحدر من محافظة السويداء، لـ"العربي الجديد"، تفاصيل الاحتجاجات، لافتاً إلى أن الناشطين، ومنهم شادي أبو عمار، دعوا إليها وتجمعوا أمام دوار المشنقة، قبل التوجه إلى ساحة الكرامة القريبة من مبنى المحافظة في مدينة السويداء.
وأضاف: "تحول الموقف بعدها من احتجاجات سلمية إلى هتافات تم إطلاقها في مطلع الثورة السورية عام 2011، ومع دخول مجموعات غاضبة ضمن المحتجين خرجت الأمور عن السيطرة، ليتم بعدها اقتحام مبنى المحافظة وإحراق إحدى غرفه وبعثرة الأوراق الرسمية فيها. وكان الحدث الأبرز هو تمزيق صورة بشار الأسد عن واجهة مبنى المحافظة".
ورأى عزيز أن هذه الاحتجاجات تمثل "استمراراً للحركات القديمة ولو بشكل غير مباشر، وذلك نتيجة لمجموعة عوامل عززها النظام خلال السنوات الماضية. وبدلاً من أن يبني جسوراً للثقة بينه وبين أهالي السويداء الساخطة عليه، قام بالمزيد من الاستفزازات والتضييق ومحاولة تفكيك البنية الأهلية لمجتمع السويداء. وما حدث هو نتيجة محتومة لتدهور الأوضاع التي كانت ستنفجر في أي لحظة".
وتوقع عزيز دخول حركة "رجال الكرامة" على الخط، إما للتهدئة أو التصعيد، مع محاولة إيجاد آلية جديدة للتعامل مع الملفات العالقة بين أهالي السويداء وحكومة النظام، وبالأخص الوضع الخدمي والمعيشي. كما توقع أن يكون هناك تصعيد من قبل النظام خلال الفترة المقبلة في ضوء حادثة تمزيق صورة بشار الأسد، وهو ما يعيد إلى ذهن النظام طريقة قمع الاحتجاجات في محافظة درعا.
من جانبه، قال أحد المتظاهرين، الذي عرّف عن نفسه باسم سلمان، لـ"العربي الجديد"، إن "الاحتجاج لم يحصل فقط بسبب الأحوال المعيشية الصعبة، بل بسبب الإهانة والذل اليومي لكل مواطن وفي كل خطوة يخطوها، إذ باتت أبسط الأشياء تتطلب وقتاً طويلاً وجهداً وأموالاً مضاعفة، بينما الحكومة وأجهزتها الأمنية والإدارية غارقة بالفساد من دون أدنى شعور بأوجاع الناس".
تصعيد درعا
وفي محافظة درعا المجاورة، أغلق الأهالي في مدينة جاسم، شمالي المحافظة، جميع الطرقات المؤدية إليها، مشدّدين على أنها "المرحلة الأولى من الاحتجاجات"، التي ينوون تصعيدها للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين في سجون نظام الأسد.
ونقل "تجمع أحرار حوران" عن أحد وجهاء مدينة جاسم قوله إنه "بعد مضي أربع سنوات ونصف على سقوط حوران بيد النظام السوري وبدء العمل باتفاق التسوية، الذي نص في أحد بنوده على إطلاق جميع المعتقلين، وبعد الوعود الكاذبة التي قدمها النظام بإخراج المعتقلين، لم يحدث شيء".
وأضاف أن "ثوار مدينة جاسم قرروا إغلاق جميع الطرقات المؤدية للمدينة كمرحلة أولى من بدء التصعيد، باستثناء الحالات الإنسانية التي يسمح لها بالدخول والخروج". وكشف أن "الثوار أنذروا لؤي العلي (رئيس فرع الأمن العسكري التابع للنظام) ومن على شاكلته، أن الاحتجاج في مرحلته الأولى وأن التصعيد آتٍ لا محالة، إذا لم يتم إطلاق سراح جميع أبناء حوران من سجون الأسد".
سقط قتيل وأُحرقت صور لعائلة الأسد في مبنى محافظة السويداء
وأفاد الناشط أبو محمد الحوراني، في حديثٍ مع "العربي الجديد" بأن "أبناء المدينة منحوا قوات النظام مهلة يومين للإفراج عن المعتقلين، وإلا فإنه سيكون هناك تصعيد كبير ضد قوات النظام وحواجزها"، مشيراً إلى أن سلطات النظام لم تستجب خلال الفترة الماضية لعشرات المطالب الخاصة بإطلاق سراح المعتقلين، سواء تلك المقدمة للجهات الأمنية، ومنها فرع الأمن العسكري، أم لمحافظ درعا لؤي خريطة، وعبر شعبة حزب البعث الحاكم. وتوقع الحوراني أن تمتد حركة الاحتجاجات إلى بقية مدن المحافظة، والتي تتشاطر الهمّ نفسه بشأن المعتقلين.
وصعّدت قوات النظام في الأيام الماضية من وتيرة عمليات الاعتقال بحق أبناء محافظة درعا، فاعتقل حاجز للأمن العسكري بين حي البقعة ومدينة ازرع 7 أشخاص من أبناء منطقة اللجاة، مما يرفع عدد المعتقلين إلى 17 شخصاً خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفق مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران".
ووثق المكتب بيانات 4360 معتقلاً من أبناء محافظة درعا في معتقلات نظام الأسد حتى سيطرة النظام على المحافظة في صيف 2018، ومعظمهم باتوا في عداد المختفين قسراً في سجون النظام.
كما سجّل المكتب 2723 معتقلاً من أبناء المحافظة منذ عقد اتفاق التسوية في يوليو/تموز 2018 حتى نهاية الشهر الماضي. وتقوم أجهزة النظام الأمنية بعمليات الاعتقال عبر حواجزها المنتشرة في المحافظة، إضافة لعمليات المداهمة التي تشنها بمشاركة المليشيات المحلية المساندة لها على مدن وبلدات المحافظة.
وكانت مدينة جاسم شهدت في أكتوبر الماضي مواجهات بين مجموعات محلية مدعومة بقوات "اللواء الثامن"، المتمركز شرقي المحافظة، المدعوم سابقاً من روسيا، وبين عناصر من تنظيم "داعش". وانتهت بسيطرة المقاتلين على مدينة جاسم بعد مقتل 45 من عناصر التنظيم وقياداته، بينهم زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي القرشي الذي كشف عن هويته قبل أيام.