غزة... وتغيير ثقافة الفلسطيني

24 نوفمبر 2023
ليس بن غفير وغيره سوى رأس جبل الجليد (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -

في خضم بُرك دماء الأطفال والنساء وجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة، يطالب بعض ساسته بتغيير ثقافة الغزّيين، على الطريقتين "الألمانية واليابانية". وفي عمق ذلك المطلب الاستعماري الاستعلائي، تكمن حقيقة الصهيونية الدينية، التي عرفها الفلسطيني بلحمه ودمه، وتتكشف الآن بثبات أمام الآخرين. التضحيات الهائلة في غزة تفضح الفاشية الصهيونية، كاسرةً شيئاً من لعبة البكاء، والضغط على الضمائر الغربية بحجة "معاداة السامية"، وغيرها من وسائل تُدرّس في كتيبات مواجهة الرأي العام الغربي. ولم تعد مخفية تلك الأفكار الصهيونية التلمودية عن "الأغيار"، التي يجري تنشئة الصغار عليها، عن أن العربي لا يستحق سوى القتل.

للتوضيح فقط: مبكراً، ومع تشكّل الوعي الفلسطيني في سياق حركة تحرره الوطني في منتصف القرن الماضي، لم يعتبر الفلسطينيون أن مشكلتهم هي مع اليهود. في المقابل، ظلّت لوثة التخلص من الفلسطينيين عنواناً سياسياً وثقافياً جمعياً لدى الاحتلال، بل كان يُقال لسائحي الناصرة: لا تقتربوا من الفلسطيني، لأنه سيؤذيكم. حتى بعد اتفاق كامب دافيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن، والتطبيع بين الاحتلال وبعض الدول العربية، استمر مطلبهم بـ"تغيير المناهج التعليمية العربية" ووسائل الإعلام. الفكرة هي طمس فلسطين، وأنها "أرض بلا شعب".

الصورة بدأت تتكشف ملامحها، مع وضع بعض العرب والغرب أكفه على أفواهه من صدمة أن يغني أطفال تلك التعاليم لطائرات الإبادة، وتمجيد إبادة الجميع، صغاراً ونساء وشيوخاً. وتلك الفاشية بالمناسبة لا يشكل فيها إيتمار بن غفير، وقبله رحبعام زئيفي وموشيه ليفنغر وعوباديا يوسف، سوى رأس جبل جليد ضخم.

حتى المطبّعون لم يهمهم ما تحتويه مناهج التعليم العبرية، وهي منتشرة في مدارس يهودية تدار صهيونياً في الغرب، وفيها ما يندى له الجبين الإنساني من عملية غسل أدمغة، وتخريج أجيال تعيش هوس ما يمارسه جندي صهيوني في مقتبل العمر، بتفجيره مسجداً وحيّاً في غزة، وبإيمان ملقن أن هؤلاء ليسوا بشراً، ولا يستحقون سوى ما قاله وزير حربهم يوآف غالانت.

من مثل ذلك الكيان، هرب مثلاً المؤرخ اليهودي إيلان بابيه. ومثله يعيش كثيرون اغتراباً. وبقي نعوم تشومسكي ونورمان فينكلشتاين وحنا آرنت، والجيل اليهودي الشاب في الغرب، رافضين أن تُمارس الفاشية باسمهم.

الأطفال والمراهقون الفلسطينيون لا يحتاجون لمن يعلمهم معنى الاحتلال الفاشي، مع ما يعيشونه يومياً. وشعارات "الذبح للعرب" تحفزهم لأن يكونوا متمردين ومقاومين، بينما دولة الاحتلال تحشو أدمغة صغارها بكل ذلك الهراء. فمن هو الذي يحتاج لتغيير ثقافي، ووقف غسل الأدمغة؟